المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • اقتصاد ومجتمع
  • 1951

*غالبية دول العالم المتطورة تتراوح نسبة العاملين فيها ضمن شركات القوى العاملة ما بين 2ر0% وحتى 5ر2%، وفي إسرائيل ترتفع إلى 10% * شركات القوى العاملة تشغل عاملين في مؤسسات حكومية ورسمية وشركات خاصة بظروف استبدادية تتعلق برواتب وشروط العمل وبحرمانهم من حقوق أساسية * رئيس الهستدروت يعلن نزاع عمل مطالبا بتقليص عمل شركات القوى العاملة * محللون ومختصون يسألون: لماذا فطن رئيس الهستدروت الآن فقط بشركات القوى العاملة القائمة منذ أكثر من 25 عاما؟*

 

*غالبية دول العالم المتطورة تتراوح نسبة العاملين فيها ضمن شركات القوى العاملة ما بين 2ر0% وحتى 5ر2%، وفي إسرائيل ترتفع إلى 10% * شركات القوى العاملة تشغل عاملين في مؤسسات حكومية ورسمية وشركات خاصة بظروف استبدادية تتعلق برواتب وشروط العمل وبحرمانهم من حقوق أساسية * رئيس الهستدروت يعلن نزاع عمل مطالبا بتقليص عمل شركات القوى العاملة * محللون ومختصون يسألون: لماذا فطن رئيس الهستدروت الآن فقط بشركات القوى العاملة القائمة منذ أكثر من 25 عاما؟*

 

 

كتب برهوم جرايسي:

 

أثار إعلان رئيس اتحاد النقابات العامة (الهستدروت) عوفر عيني مؤخرًا عن نزاع عمل مع الحكومة، بسبب اتساع استخدام شركات القوى العاملة لتشغيل الموظفين في القطاعين العام والخاص، تساؤلات حول دوافع عيني الآن لإطلاق هذه الحملة، رغم ضرورتها، وهذا لأن مسألة شركات تشغيل القوى العاملة قائمة منذ أكثر من 25 عاما.

 

ويجري الحديث عن شركات قوى عاملة باتت تشغل وفق معطيات متفاوتة ما بين 300 إلى 350 ألف عامل، وهناك من يعتقد أن العدد أكبر، وهذه الشركات تشغل موظفين وعاملين في كافة مرافق المؤسسة الرسمية بما فيها وزارات، وحتى الكنيست (البرلمان)، وكذا أيضا بالنسبة للقطاع الخاص، إذ إن هذه الشركات مثلا باتت تسيطر تقريبا على كل أعمال النظافة والحراسة في المؤسسات العامة والخاصة، ولكن عملها أيضا يشمل مثلا موظفي بنوك وعاملي تسويق لدى شركات كبرى وغيرهم.

 

وهذا يعني أن أكثر من 10% من القوة العاملة في إسرائيل تعمل من خلال شركات قوى عاملة. ومن أجل المقارنة، فقد دل بحث عالمي جديد حول نسب تشغيل العاملين من خلال شركات قوى عاملة في دول متطورة في العالم، على أن أقل دولة تستخدم نهج شركات القوى العاملة هي المكسيك، إذ تستوعب هذه الشركات 2ر0% من القوة العاملة، وتليها كوريا الجنوبية- 3ر0%، وبولندا- 4ر0%، وإسبانيا والدانمارك- 8ر0%، والأرجنتين والبرازيل- 9ر0%، وإيطاليا والنرويج- 1%، وفنلندا- 1ر1%، والسويد- 3ر1%، وهنغاريا- 4ر1%، والنمسا- 5ر1%، وألمانيا- 6ر1%، وإيرلندا وسويسرا- 7ر1%، والولايات المتحدة- 2%، وبلجيكا 2ر2%، وجنوب إفريقيا- 3ر2%، ولوكسمبورغ- 4ر2%، وفرنسا- 5ر2%، وهولندا واليابان- 8ر2%. ثم تُحدث بريطانيا قفزة كبيرة بنسبة 8ر4%، وتأتي إسرائيل لتضاعف هذه النسبة الأخيرة وتسجل نسبة 10%.

 

ويعمل هؤلاء العاملون في ظروف استبدادية، وفي مقدمها عدم التثبيت في العمل، بمعنى استخدام العامل لبضعة أشهر، قبل أن يبدأ استحقاق اقتطاع مخصصات المكافأة والأقدمية. وعلى الرغم من التعديلات القانونية التي وضعت للجم هذا النهج إلا أن الوضع مستمر، كذلك فإن العاملين يتقاضون رواتب الحد الأدنى المنقوصة، حتى حينما يجري الحديث عن أعمال حساسة مثل موظفي بنوك وحراسة في ساعات الليل وأعمال شاقة كثيرة، ويعمل العامل طيلة الوقت بشعور عدم الاستقرار وأنه مهدد بالفصل من العمل في كل لحظة.

 

ويشير تقرير الرواتب السنوي الذي أصدرته وزارة المالية في الشهر الجاري إلى أن 50% من العاملين من خلال شركات القوى العاملة يعملون بربع وظيفة (25%)، وأن 84% من العاملين في مؤسسات القطاع العام من خلال شركات قوى عاملة يتقاضون رواتب أقل من معدل الرواتب العام، في حين أن 3% من عاملي القطاع العام من خلال شركات القوى العاملة يتقاضون مخصصات تكملة راتب من مؤسسة الضمان الاجتماعي الرسمية.

 

وهذه المعطيات الواردة في تقرير وزارة المالية لا تشمل العاملين في قطاعي النظافة والحراسة، وهم الأكثر عرضة للاستغلال البشع، ولو تم ضم هؤلاء إلى التقرير لقرأنا معطيات أشد سوءا من حيث معدلات الرواتب.

 

ويتضح من التقرير أنه في العام الماضي كانت 709 مؤسسات رسمية و42 وزارة ومكتبا حكوميا رسميا استخدموا قرابة 8400 عامل وعاملة من خلال شركات قوى عاملة، وأن 52% منهم كان حجم وظيفتهم 25% من الوظيفة الكاملة، و13% منهم عملوا بأقل من 75% من الوظيفة.

 

غير أن معطيات قسم الأبحاث في الكنيست تلقي ضوءا أقوى على ما يجري في المؤسسات الحكومية. وفي ما يلي نسبة العاملين في بعض الوزارات من خلال شركات القوى العاملة: وزارة البناء والإسكان- 35%؛ وزارة الداخلية- 31%؛ وزارة الهجرة والاستيعاب- 24%؛ وزارة الرفاه- 5ر22%؛ وزارة الاتصالات- 21%؛ وزارة التربية والتعليم- 18%؛ وزارة الأمن الداخلي- 12%؛ وزارة البنى التحتية- 5ر8%.

 

 

 

نزاع العمل

 

 

من المفترض أن تنتهي فترة الإنذار المتعلقة بنزاع العمل هذا الأسبوع، أي بمرور 14 يوما على الإعلان ذاته، إلا إذا أراد الهستدروت تحييد أيام الأعياد العبرية، وانتهاء فترة الإنذار يعني البدء بإجراءات احتجاجية تشمل تباطؤا في العمل وإضرابات وغيرها.

 

وقالت مصادر في اتحاد النقابات إنه بسبب عدم قدرة العاملين ضمن شركات القوى العاملة على خوض النضال، فإنه يعتزم إدخال مؤسسات ضخمة في القطاع العام، مثل المطار الدولي على اسم "بن غوريون"، وشبكة القطارات والموانئ البحرية، ومؤسسات حكومية ووزارات.

 

ويقول عوفر عيني إنه في السنوات الأخيرة حاول اتحاد العمال الذي يرأسه تحسين شروط العمل ضمن شركات القوى العاملة، من خلال تعديلات على القانون، وأضاف أن حملة الاحتجاجات الشعبية شكلت قاعدة لهذه المعركة الجديدة، لأن هذا النمط من التشغيل يمس بأعداد هائلة من العمال وبقدرتهم على تسيير حياتهم.

 

ولكن ما غاب عن احتجاج قادة الهستدروت هو فرض حظر على هذا النوع من التشغيل، على الأقل في المؤسسات العامة والحكومية، خاصة أمام المعطيات الدولية حول اتساع هذه الظاهرة الكبيرة في إسرائيل.

 

وواجه عيني انتقادات في الأيام الأخيرة، فالمحللة الاقتصادية في صحيفة "ذي ماركر" هيلا فايسبيرغ تقول إن عيني ربما يصدق حينما يقول إنه منذ أن تولى مهامه في الهستدروت في العام 2006، وقف ضد ظاهرة التشغيل ضمن شركات القوى العاملة، ولكن عمليا فإنه بعد خمس سنوات لم تتراجع هذه الظاهرة بل اتسعت أكثر من ذي قبل.

 

وتقول المحللة طالي حيروتي سوفر إنه إذا نفذ عيني تهديده بالإضراب العام حقا من أجل العاملين ضمن شركات القوى العاملة، فإنه يكون بذلك قد حقق انقلابا، فعيني عادة يركض وراء الأضواء الإعلامية، ولكنه إذا نفذ هذا فسيكون قائدا فعلا.

 

وتضيف سوفر أن مئات آلاف العاملين ليسوا منظمين في النقابات الكبرى، وهم ليسوا مخزون أصوات (في الانتخابات النقابية بعد تسعة أشهر)، وبهذا نشأت شريحة من نصف مليون عامل، وتسأل: "لكن من الذي أدى إلى نمو هذه الشريحة الكبيرة في الاقتصاد- الحكومة، فلو قررت وقف هذا النموذج الاستغلالي من التشغيل، لتنفس عشرات آلاف العاملين الصعداء وتمتعوا برفاهية اقتصادية".

 

وتقول سوفر إن عيني لم يلتفت حتى الآن إلى العاملين ضمن شركات القوى العاملة، وبالتأكيد فإنه لم يعدهم بإضراب عام من أجلهم، فعلى مدى السنين شعر براحة تامة للإيفاء بالوعود، لمن هو مدين لهم: نقابة عمال الكهرباء، ونقابة سلطة المطارات، ونقابة الموانئ، وكل من كان يخرق كل إصلاحات ممكنة، وفجأة بات مهتما بالعمال في شركات القوى العاملة، فمن أين نشأ هذا الاهتمام؟.

 

وتتابع سوفر في انتقاداتها الحادة لعوفر عيني وتقول إن نموذج شركات القوى العاملة هو جزء من إستراتيجية عامة، وعيني يعرف هذا تماما، وهناك يجب التغيير، إلا أن عيني رأى حملة الاحتجاجات الشعبية تمر من أمامه وهو يجلس على الجدار، وهو يريد الآن العودة إلى الأضواء الإعلامية، بعد أن شعر أن القطار قد فاته في هذه الحملة.

 

معطيات وانعكاسات

 

 

تتضارب التقديرات حول عدد العاملين من خلال شركات القوى العاملة، ففي حين تحاول المؤسسة الحاكمة تقليل عددهم، وتدعي أن عددهم هو 250 ألفا، فإن اتحاد النقابات العامة (الهستدروت) يقول إن عددهم يتراوح ما بين 300 ألف إلى 350 ألف عامل، أي ما بين 10% إلى 12%، في حين أن تقديرات أخرى، كتلك التي ذكرتها هنا المحللة سوفر، تتحدث عن نصف مليون، والعدد الأخير قد يكون يشمل أولئك الذين عملوا في فترة معينة وقريبة في شركات القوى العاملة.

 

ويقول تقرير لصحيفة "ذي ماركر" إن عدد شركات القوى العاملة في إسرائيل بلغ حتى الآن نحو 1300 شركة مسجلة في وزارة الصناعة والتجارة والتشغيل، وهذا لا يشمل مئات الجمعيات التي تعمل هي أيضا بنفس نمط شركات القوى العاملة، ولكن بتسميات أخرى، وهي تقدم خدمات مختلفة للمؤسسة الرسمية، مثل الخدمات الاجتماعية والصحية وحتى التعليم وغيره.

 

ونشرت في الأيام الأخيرة استنتاجات بحث جرى في جامعات إسرائيلية حول جدوى العمل في شركات قوى عاملة، وكان الاستنتاج الأكبر أنه لا توجد ثمرة مالية من هذا التشغيل، بمعنى توفير ميزانيات على الخزينة العامة، بالقدر الذي يجري الحديث عنه، لا بل حتى في حسابات معينة فإنه لا يوجد توفير وإنما العكس.

 

وقد اختبر البحث جدوى تشغيل عاملي وعاملات نظافة من قبل كلية تل حاي الجامعية، في شمال البلاد، وهم يعملون كموظفي الكلية مباشرة، مقارنة بنظرائهم في جامعة بن غوريون في مدينة بئر السبع، الذين يعملون من خلال شركة قوى عاملة، وتبين أن التوفير المباشر لجامعة بن غوريون بالكاد يصل إلى 5ر8% من ميزانية تنظيف المؤسسة، ما يعني 324 ألف دولار، ويقول الباحثون إنها ميزانية هشة بالنسبة لميزانية كبيرة كالتي لدى جامعة بن غوريون.

 

ويعترض أحد الباحثين على مجرد ذكر التوفير، وطلب أن يشمل الحساب المراقبين الذي توظفهم الجامعة مباشرة للإشراف على أعمال النظافة، وبهذا يختفي التوفير وتصبح التكلفة العامة أكبر.

 

ويقول البحث، الذي استطلع آراء مئات المؤسسات التي تستخدم شركات القوى العاملة، إن النسبة الأكبر (42%) تعتقد أن سبب استخدام شركات القوى العاملة هو تخفيف عبء الإدارة والمراقبة، أما سبب التكلفة فكانت نسبة الذين قالوا به 29%، وقالت نسبة مماثلة إن السبب هو تخفيف التركيز الإداري.

 

المصطلحات المستخدمة:

ألف, تل حاي, الهستدروت, الكنيست

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات