لا يمرّ تعيين موظف كبير في إسرائيل بسهولة، أو الأصح القول بدون فضيحة. وينطوي تعيين كهذا على صراع قوى، أشبه ما يكون بصراع بين أعداء لدودين، لدى الحديث عن تعيين مسؤول على جهاز أمني. وقد حدث هذا قبل تعيين رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي، يوءاف غالانت، قبل شهور معدودة.
لا يمرّ تعيين موظف كبير في إسرائيل بسهولة، أو الأصح القول بدون فضيحة. وينطوي تعيين كهذا على صراع قوى، أشبه ما يكون بصراع بين أعداء لدودين، لدى الحديث عن تعيين مسؤول على جهاز أمني. وقد حدث هذا قبل تعيين رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي، يوءاف غالانت، قبل شهور معدودة. عندها، ظهرت قضية "وثيقة غالانت" التي ما زال من غير المعروف من الذي بادر إلى نشرها، وبالأساس من الذي زورها. وتضمنت الوثيقة تفاصيل من شأنها تشويه سمعة رئيس أركان الجيش الحالي، غابي أشكنازي، الذي عارض تعيين غالانت خلفا له.
لكن تعيين قائد عام جديد للشرطة رافقته فضيحة، بل فضائح، فاقت قضية تعيين رئيس أركان الجيش بكثير. فقد كان أمام وزير الأمن الداخلي، إسحاق أهرونوفيتش، عدد من المرشحين، وجميعهم من ضباط الشرطة الكبار، وعليه اختيار أحدهم للمنصب. وتقلصت في الأسابيع الماضية القائمة ليبقى فيها ثلاثة مرشحين، هم شاحر أيالون ويوحنان دانينو وأوري بار - ليف. وبعد ذلك بدأت تتكشف الفضائح الواحدة بعد الأخرى لتطال اثنين من المرشحين. وقد اضطرت هذه الفضائح أهرونوفيتش إلى إرجاء الإعلان عن المرشح الذي سيفوز بمنصب القائد العام للشرطة، الذي كان متوقعا يوم الخميس الماضي، على ضوء تحقيقات تجريها دائرة التحقيق مع أفراد الشرطة التابعة لوزارة العدل (ماحاش).
وتم الكشف عن الفضيحة الأولى، قبل ثلاثة أسابيع تقريبا، وهي تتعلق بالضابط أوري بار - ليف. عندها تقدمت الدكتورة أورلي إينيس بشكوى مفادها أن بار - ليف تحرش بها جنسيا مستخدما القوة. وإينيس، الخبيرة في علم الاجتماع، هي المبادرة لمشروع "مدينة بلا عنف" الذي تمت تجربته في مدينة تل أبيب ولقي نجاحا كبيرا. وثارت الشكوك في حينها، حسبما أفادت وسائل الإعلام الإسرائيلية، بوجود دوافع شخصية لدى إينيس لتقديم شكوى ضد بار - ليف وإبعاده عن دائرة المرشحين لمنصب القائد العام، وهذه الدوافع تتمثل بوجود علاقة غرامية بينها وبين ضابط الشرطة إيلان فرانكو، المرشح هو الآخر للمنصب الرفيع.
وقرر المحققون في "ماحاش" إخضاع إينيس وبار - ليف إلى جهاز كشف الكذب (بوليغراف). وتبين أن إينيس تقول الحقيقة، بينما بار - ليف لم يقل الحقيقة لدى إجابته على بعض الأسئلة، وبينها تلك المتعلقة بالتحرش بإينيس. لكن بعد ذلك، وخلال تحقيق مطول أجراه محققو "ماحاش" مع بار - ليف، تبين أن هذا الضابط يواجه اتهاما أخطر بكثير. فقد قدمت امرأة، يشار إليها بالحرف "م"، شكوى قالت فيها إن بار - ليف، وبمساعدة صديقة مشتركة لهما، خدراها وأنه اغتصبها وهي غائبة عن الوعي في غرفة في فندق. ونفى بار - ليف هذه التهمة ضده، لكنه في الوقت نفسه أعلن عن تنحيه عن المنافسة على منصب القائد العام للشرطة وطلب الخروج لإجازة من العمل.
وأعلنت "ماحاش"، يوم الخميس الماضي، أنها توصي بمحاكمة بار - ليف، وأنه تم تسليم نتائج التحقيق إلى المستشار القانوني للحكومة، يهودا فاينشتاين، والمدعي العام، موشيه لادور. وجاء في بيان صادر عن وزارة العدل الإسرائيلية أنه توفر ما يكفي من الأدلة لتوجيه لائحة اتهام ضد بار - ليف، واتهامه بارتكاب مخالفات تتعلق بمحاولة التحرش الجنسي بالقوة بحق إينيس. وأضاف البيان أنه فيما يتعلق بـ "م"، فإن المحققين لم يتمكنوا من جمع أدلة كافية تمكنهم من تقديم لائحة اتهام.
وتابع البيان أن توصية "ماحاش" تبلورت بعد أن تم التحقيق مع بار - ليف ثلاث مرات، خضع خلالها لفحص على جهاز "بوليغراف". وعلى أثر بيان وزارة العدل وتوصية "ماحاش" وإعلان بار - ليف عن تنحيه من المنافسة على منصب القائد العام، أبلغ المستشار القانوني للحكومة وزير الأمن الداخلي أن بإمكانه استئناف عملية تعيين القائد العام.
يشار إلى أنه في بداية "قضية بار - ليف" لم تكن هوية إينيس معروفة وكان يشار إليها بالحرف "أ". وبادرت إلى الكشف عن هويتها خلال تظاهرة جرت في تل أبيب، في 25 تشرين الثاني الفائت، بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة العنف ضد النساء. وكانت إينيس المتحدثة المركزية في التظاهرة.
وقالت إينيس أمام المتظاهرين: "لن أختبئ، لأني لم أفعل أي شيء سيء. وقد جئت إلى هنا هذا المساء كي أقول: كفى. هذه أنا، وهذا هو اسمي، وهذا هو وجهي وأنا أتنازل عن السرية. وأنا موجودة هنا هذا المساء كي أمثل وأرفع الصوت الصامت والمتردد والخائف، في غالب الأحيان، لضحايا التحرش". وأضافت أنه "في الأسابيع الأخيرة ومنذ أن تجرأت على تقديم شكوى بات دمي مهدورا. وانشغل الكثيرون في محاولة تشويه سمعتي ومصداقيتي ونمط حياتي ونواياي. وقسم كبير مما تم نشره هو أكاذيب وتشويهات... وبودي أن أقول ما ينبغي أن يكون مفهوما من تلقاء نفسه، وتذكير كل من لم يفهم بعد بأنه عندما تقول المرأة ’لا’ [للتحرش]، فإنها تقصد ’لا’".
وكانت المتظاهرات، وبينهن عضوات كنيست حاليات وسابقات وشخصيات معروفة، قد استقبلن إينيس بترحاب كبير. كذلك تم رفع لافتات في التظاهرة كتب فيها "كلنا أ" و"هذا قد يحصل لنا جميعا"... وقالت المديرة العامة لاتحاد مراكز مساعدة ضحايا العنف الجنسي، ميخال روزين، إن "إينيس اختارت التحدث في التظاهرة من أجل تمرير رسالة مفادها أن قصتها ليست قصة خاصة وإنما هي جزء من قصة التحرش في عالم العمل".
من جانبها قالت المديرة العامة لاتحاد الحركات النسائية، نوريت تسور، إن إينيس توجهت إلى الاتحاد قبل حوالي نصف عام، "وقد رافقناها وحاولنا إقناعها بتقديم شكوى. وقد خافت كثيرا من تقديم شكوى تحسبا من المس بعائلتها وبمستقبلها المهني".
التحقيقات وفساد
السياسيين
في أعقاب قضية بار - ليف، بقي مرشحان قويان لمنصب القائد العام للشرطة، هما أيالون ودانينو. والأخير كان يتولى في الماضي رئاسة شعبة التحقيقات والمباحث. لكن قبل يوم واحد من الإعلان عن الفائز بالمنصب، أعلن أهرونوفيتش عن إرجاء إعلانه، وعندها تم الكشف عن قضية أخرى ذات أبعاد عامة، وحتى خطيرة. وتبين من تحقيقات أجراها مكتب مراقب الدولة، القاضي المتقاعد ميخائيل ليندنشتراوس، أن دانينو مشتبه بالتورط في منع إجراء تحقيقات داخلية تتعلق بمقتل مخبريْن للشرطة، كانا يعملان داخل تنظيمين إجراميين في مدينتي اللد والرملة. وقد تم كشف أمرهما وقتلا على أيدي أفراد في التنظيمين. وتبين أيضا أن المخبرين علما مسبقا بانكشاف أمرهما لدى التنظيم وطلبا التوقف عن العمل داخل التنظيم الإجرامي، لكن ضباطا كبارا ماطلوا في اتخاذ القرار.
ويتوقع أن يدلي ضباط كبار في الشرطة كانوا يتولون مناصب رفيعة في الشرطة لدى مقتل المخبرين، في تشرين الأول وتشرين الثاني من العام 2006، بإفادات أمام ليندنشتراوس حول القضية. وبين هؤلاء الضباط القائد العام الحالي للشرطة، دودي كوهين، الذي كان يتولى وقتئذ منصب قائد الشرطة في منطقة وسط إسرائيل. ويشار إلى أن ليندنشتراوس بدأ بالتحقيق في القضية في العام 2008، ولذلك فإنه يسود غضب في مكتب وزير الأمن الداخلي أهرونوفيتش على ما يصفونه بـ "مماطلة" مراقب الدولة.
رغم ذلك أعلن مكتب أهرونوفيتش، في نهاية الأسبوع الماضي، أنه "سننتظر تقرير المراقب". لكن في هذه الأثناء تسود تقديرات بأن أهرونوفيتش لن يتمكن من الانتظار فترة طويلة، خصوصا وأن ولاية القائد العام الحالي للشرطة شارفت على الانتهاء. وفي الوقت نفسه نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن مصادر في مكتب المراقب قولها إنها تعي أهمية الوقت لكن التدقيق بأمر دانينو "يجب أن يكون جذريا ومعمقا ولا يمكن إنهاؤه في غضون أيام". كذلك رفضت المصادر انتقادات مقربين من أهرونوفيتش قالوا إن المراقب انتظر حتى الدقيقة التسعين للإعلان عن وجود إشكالية في تعيين دانينو.
وقال موقع يديعوت أحرونوت الالكتروني، يوم الخميس الماضي، إنه على ما يبدو فإن المستشار القانوني للحكومة لن ينتظر حتى نهاية تدقيق المراقب وإنما سيبحث في وجهة نظر زوده المراقب بها وتتعلق بدانينو، في الأيام المقبلة، وما إذا كان احتمال تعيين دانينو قائدا عاما للشرطة لن يتم إلغاؤه في حال التوجه إلى المحكمة العليا ضد قرار التعيين.
غير أن قضية دانينو لا تقف عند هذا الحد، وإنما تتعداه إلى ما هو أخطر بكثير. فقد كتب محلل الشؤون الأمنية في صحيفة هآرتس، أمير أورن، يوم الخميس الماضي، أن دانينو كرئيس لشعبة التحقيقات في الشرطة "عُرف بالأساس كمن يساعد في إغلاق ملفات [فساد] ضد رؤساء حكومات، وهي الشهرة التي اكتسبها في قضية ’الجزيرة اليونانية’ التي كان يشتبه بأن أريئيل شارون ضالع فيها. كما أن مؤيدي [رئيس الحكومة السابق إيهود] أولمرت سعوا إلى استخدام دانينو ضد ليندنشتراوس. وحدث هذا قبل سنة تقريبا من قضيتي تالانسكي [قضية "المغلفات المالية] و’ريشونتورز’، وهما قضيتان وضعتا دانينو في جانب ليندنشتراوس، وبعيدا عن جانب أولمرت. وعمليا، ثمة شبه كبير بين الضابط والمراقب، إذ وصل كلاهما إلى منصبيهما لكونهما حبيبي السياسيين، الذين أملوا بالتعاون معهما. لكنهما خيبا آمال السياسيين من خلال قيامهما بعملهما بصورة مهنية، وكل واحد بأسلوبه الخاص".
وأضاف أورن أنه في 15 أيار العام 2007 نشرت إحدى الصحف التي داومت على مهاجمة ليندشتراوس والدفاع عن أولمرت، وعلى ما يبدو أن المقصود صحيفة يديعوت أحرونوت، عنوانا جاء فيه أن "رئيس شعبة التحقيقات والمباحث، يوحنان دانينو، توجه إلى المدعي العام والقائد العام للشرطة طالبا فتح تحقيق ضد ليندنشتراوس، بشبهة تشويش مجرى تحقيقات حساسة تجريها الشرطة".
ووفقا لأورن فإن مدير عام وزارة الأمن الداخلي، حغاي بيلغ، استقال من منصبه بصورة مفاجئة في العاشر من تشرين الثاني الماضي. وأضاف الكاتب أن "بيلغ كان يمسك بيده مسدس ألعاب نارية، وضغط على الزناد وأطلق قضية بار - ليف / أورلي إينيس". وتابع أورن أنه بعد خمسة أيام من ذلك حضر أهرونوفيتش، وزير الأمن الداخلي، إلى مكتب المراقب ليندنشتراوس لإجراء محادثة حول مواضيع شتى. لكن أهرونوفيتش سأل ليندنشتراوس، بصورة عفوية، حول ما إذا كان يجري المراقب تحقيقا بشأن أحد المرشحين لقيادة الشرطة بشكل يعرقل تعيينه.
وأشار أورن إلى أن الادعاءات ضد دانينو، على المستويين المهني والشخصي، كانت معروفة لأهرونوفيتش، وخصوصا فيما يتعلق بالناحية المهنية، وخصوصا تلك المتعلقة بمقتل المخبرين في اللد والرملة، وبما يتعلق في إغلاق ملف التحقيق ضد شارون وأدائه في ملف التحقيق في قضايا أولمرت. ورغم ذلك فإن أورن لفت إلى أن دانينو يعتبر مرشحا مفضلا بالنسبة لأهرونوفيتش.
وفي أعقاب اللقاء سافر ليندنشتراوس إلى مؤتمر لمراقبي الدول في جنوب إفريقيا. وبعد عودته إلى إسرائيل مباشرة اتصل به أهرونوفيتش. وبعد ذلك تم نشر أخبار تفيد بأن أهرونوفيتش وليندنشتراوس والمستشار القانوني للحكومة اتفقوا على أن يختار وزير الأمن الداخلي لمنصب القائد العام للشرطة واحدًا من المرشحين دانينو وشاحر أيالون. لكن بعد النشر توجهت حركة "أوميتس" (مواطنون من أجل الإدارة السليمة والعدالة الاجتماعية والقضائية) إلى مكتب المراقب وطلبت إرجاء تعيين دانينو في حال تم تفضيله على أيالون.
وأدى توجه حركة "أوميتس" إلى إعادة الإعلان من جانب المراقب عن وجوب التدقيق في أهلية دانينو للمنصب. وتساءل أورن حول هذا الأداء وسبب عدم التحقيق في أهلية دانينو من قبل. "لماذا فقط الآن؟ وإذا كانت هناك معلومات خطيرة ومؤكدة، لربما ينبغي إيقافه عن العمل وليس فقط منع ترقيته؟". واللافت أن تلميحات أورن حول إغلاق دانينو ملفات تحقيق ضد شارون وأولمرت موجهة إلى أهرونوفيتش، الذي ينتمي إلى حزب "إسرائيل بيتنا" بزعامة وزير الخارجية، أفيغدور ليبرمان، الذي يخضع منذ أكثر من عشرة أعوام لتحقيقات تتعلق بشبهات فساد خطيرة، ويتوقع أن يتم إنهاء التحقيق فيها في الفترة المقبلة.
المصطلحات المستخدمة:
مراقب الدولة, المستشار القانوني للحكومة, اللد, يديعوت أحرونوت, هآرتس, ماحاش, مدير عام وزارة, رئيس الحكومة, أفيغدور ليبرمان