*أبحاث ومتخصصون يحذرون من تنامي قوة العائلات الاحتكارية التي يمتد نفوذها إلى المؤسسة الحاكمة * ويستنتجون: الاحتكارات في إسرائيل تضر النظام الاقتصادي وسط صمت شعبي * 1700 شخص يملكون 650 شركة كبرى، 22 مجموعة تسيطر على 50% من الاقتصاد*
*أبحاث ومتخصصون يحذرون من تنامي قوة العائلات الاحتكارية التي يمتد نفوذها إلى المؤسسة الحاكمة * ويستنتجون: الاحتكارات في إسرائيل تضر النظام الاقتصادي وسط صمت شعبي * 1700 شخص يملكون 650 شركة كبرى، 22 مجموعة تسيطر على 50% من الاقتصاد*
كتب برهوم جرايسي:
عقد في الآونة الأخيرة مؤتمر في تل أبيب بحضور متخصصين في مجالات مختلفة إلى جانب سياسيين للتباحث في مسألة تنامي قوة العائلات الثرية في إسرائيل وسيطرتها على مرافق الاقتصاد وعلى المؤسسة الحاكمة، حتى بقدر أكبر من حجم سيطرتها على الاقتصاد، رغم أنها سيطرة ضخمة أصلا، وهذا بموجب معطيات توصل إليها بحث تم إعداده في بنك إسرائيل المركزي.
ويقول البحث الذي أعده كوستانتين كوسينكو إن 1700 شخص في إسرائيل يملكون 650 شركة كبيرة، وإن 22 مجموعة اقتصادية تسيطر على 50% من الاقتصاد، فهي مثلا تسيطر على 50% من قطاع الاستثمارات، وعلى 70% من قطاعي الخدمات والتجارة، ولكن الرقم الأبرز هو أن 10 عائلات في إسرائيل تسيطر على 30% من الاقتصاد ككل، وهي صاحبة نفوذ ضخم في المؤسسة، وتؤثر على عملية التشريعات، مما ينتقص من شكل النظام الديمقراطي، حسب ما يستنتجه المختصون.
وقال المختصون إن قوة تأثير العائلات الثرية على الاقتصاد تتخطى مجال احتكاراتها وعملها، وتصل إلى حد التأثير على التطور المجتمعي والتطور السياسي والاقتصادي.
وقال كوسينكو، لدى عرضه البحث أمام المؤتمر، إن تعبير "أخطبوط" هو أكثر مصطلح يعبر عن مسألة تركيز غالبية الاقتصاد في أيدي عدد قليل من المالكين وأصحاب رأس المال، فكل واحدة من هذه العائلات تتحرك مثل الأخطبوط، حين تمد أحد أذرعها إلى أحد قطاعات الاقتصاد، ليلحق به ذراع آخر إلى قطاع ثان وهكذا، وهذه الملكية المتقاطعة بين فروع الاقتصاد المختلفة تزيد من قوة وتأثير هذه العائلات، التي تحرص أيضا على زيادة التنسيق في ما بينها من أجل الحفاظ على سيطرتها.
وأضاف كوسينكو قائلا إن مستوى الاحتكار الاقتصادي في إسرائيل أعلى من مستوياته في الدول المتطورة، والمعطيات التي أوردها البحث تثبت ذلك، فمثلا في السويد تسيطر خمس عائلات على الاقتصاد هناك، وعلى الرغم من ذلك، فإن شكل سيطرتها لا يتسبب بالضرر الذي تسببه سيطرة العائلات في إسرائيل. وقال إن البناء الهرمي للاقتصاد يسمح للشركات الكبرى بابتلاع الشركات الأصغر.
وشدد كوسينكو على أن هذا المستوى من التركيز الاقتصادي في أيدي هذا العدد القليل من العائلات، يشكل تهديدا حقيقيا للديمقراطية، وحقيقة أن كبار المسيطرين على الاقتصاد اجتمعوا مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو من أجل تحديد خطوط السياسة الاقتصادية للحكومة هي أمر في غاية من الإشكالية، وهذا نموذج للتهديد الذي يشكله الاقتصاد على الديمقراطية.
كذلك حذر كوسينكو من أن هذا المستوى من التركيز الاقتصادي بأيدي هؤلاء والاحتكار الناشئ يشكلان خطرا أيضا على الاستقرار المالي والاقتصادي، وحتى في القطاعات التي لا يسيطرون عليها.
وتقول النائبة السابقة للمستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية، المحامية ديدي لحمان ميسر "إن الاحتكارية التي تجدر معالجتها هي سيطرة شخص واحد على عدة مجالات في الاقتصاد، من خلال بناء اقتصادي هرمي، لأنه في طرف كل كونسيرن كبير (مجموعة شركات) يقف في نهاية المطاف شخص واحد، والقوة الاقتصادية لأمثال هؤلاء هي أيضا قوة اجتماعية وسياسية، وهذا ما يجعلهم مركز قوة حقيقية في إسرائيل، فهم لم يتم انتخابهم، ولكنهم هم الذين يقررون من يحكم الدولة، وكيف تبدو".
وأضافت لحمان ميسر أنه عدا عن القوة الاقتصادية المتجمعة في أيدي هذه العائلات، فإن لها أيضا أسهما في وسائل الإعلام، وبهذا يكون لها تأثير على كل ما ينشر في حال تعلق الأمر بها، ومنع نشر غير مريح ودفع نشر يخدم مصالحها، وبهذا فهي تضر بعمل وسائل الإعلام، التي من المفترض أن تكون "كلب الحراسة" للنظام الديمقراطي، وفي إسرائيل بالذات فإن فروع الاقتصاد الواقعة تحت سيطرة هذه العائلات تزيد من عمق المشكلة.
وتعطي لحمان ميسر نماذج بأسماء عائلات، فمثلا "مجموعة عيدان عوفر وموزي فارتهايم" تسيطر سوية على بنك "مزراحي طفحوت"، وفي موازاة ذلك فإن لفارتهايم أسهما مباشرة في شركة البرامج التلفزيونية "كيشت" التي لها حصة كبيرة في القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي، في حين أن لعوفر أسهما في شركة "ريشت" التي لها هي أيضا حصة كبيرة في القناة الثانية ذاتها، ويتضح أن أحد أنسباء عوفر له أيضًا أسهم في شركة البرامج "كيشت"، وهذه وسائل إعلام كبيرة.
وتقول لحمان ميسر إن هذه العائلات أضرت منذ زمن بالمسار الأساس الذي يسمح لكل مواطن بالتأثير على شكل الحكم من خلال الاقتراع، فالمشكلة ليست مستقبلية بل هي قائمة وبشكل كبير، وهذه هي واقع الحال في إسرائيل، "وأنا أنتظر ضرر هذه الاحتكارات بالاقتصاد كي تتحرك الحكومة"، لأن الحكومة لن تتحرك طالما أن الضرر هو على مستوى المجتمع وأسس النظام، و"إذا ما تضرر الاقتصاد سريعا، فهناك احتمال لإنقاذ الديمقراطية، لأن الديمقراطية، وكما يبدو، قيمة ليست بهذه الدرجة من الأهمية كي تحرك الحكومة".
وتشير إلى أن محافظ بنك إسرائيل المركزي ستانلي فيشر فهم هو أيضا لماذا يشكل هذا النوع من الاحتكارات خطرا على الاقتصاد، فهو خطر على الديمقراطية لأن عددا قليلا جدا من الناس بإمكانه أن يفرض إملاءاته بشأن أي من القوانين التي يتم إقرارها وأي قائد سياسي يتم انتخابه، ومن يتبرع لهذا الحزب أو ذاك.
ويقول دروم شتروم، الذي كان مسؤولا في وزارة المالية عن تطبيق الأنظمة المقيدة لحركة الاقتصاد الخاص، إن المشكلة المطروحة هي اجتماعية وسياسية، وقائمة منذ سنوات طويلة، وهي ستتصاعد أكثر.
ويتابع قائلا: إن سيطرة هذه العائلات على الاقتصاد وصلت إلى مستوى مُنعت فيه شركات عالمية كبرى من الدخول إلى الاقتصاد الإسرائيلي، فمثلا شركة "نستله" العالمية تدخل إلى كل دولة في العالم من خلال إقامة مصانع خاصة بها، إلا إنها في إسرائيل اضطرت إلى أن ترتبط بشركة "أوسم" الإسرائيلية، كذلك فإن شركة "يونيليفر" الغذائية العالمية لم تنجح في إقامة مصانع خاصة بها في إسرائيل، إلا من خلال الشراكة مع شركة شتراوس.
ويطرح رئيس نقابة موظفي بنك "هبينلئومي" الإسرائيلي، حانوخ ليفني، المشكلة على مستوى العاملين في هذه الشركات، ويقول بغضب واضح إن هذه الشركات المسيطرة على الاقتصاد لا تدرج العاملين في حساباتها ولا تعمل لهم أي حساب، لأن ما يعني كبار أصحاب رأس المال، أو سلاطين المال، هو جني أرباح أكثر، فبنك "هبينليئومي" واقع تحت سيطرة تساديك بينو، الذي يملك أيضا شركة "باز" وهي من أضخم شركات توزيع الوقود في إسرائيل، ويملك أيضا مصافي البترول في أسدود.
ويتابع ليفني قائلا "إنني أعمل لدى واحدة من أكبر العائلات الاحتكارية، ولكنني اشتراكي، وغالبية العاملين لدى هذه العائلات ليست منظمة نقابيا، وتحصل على رواتب الحد الأدنى وتعمل بشروط عبودية، فسلاطين المال لا يمكنهم المس بأماكن عمل منظمة، ولذا فهم يمنعون تنظيم العمال لديهم، إنني أعمل في معبد يصبح رأس المال فيه هو الإله المقدس، وهو فوق كل شيء، وعليك أن تنكر ذاتك أمامه، لأنك لا تساوي شيئا".
ويقول عضو الكنيست حاييم أورون، رئيس حركة ميرتس، إنه في الظروف الحالية التي يتداخل فيها رأس المال بالسلطة ويسيطر عليها، يكون من الصعب الدفاع عن الجمهور وحمايته من هؤلاء، وهناك صعوبة سياسية في مكافحة الربط بين رأس المال والجهاز السياسي.
وأعطى أورون نماذج لشركات احتكارية، مثل شركة الاسمنت التي يملكها نوحي دانكنر، وتنتج اسمنت "نيشر"، فهي تسيطر على 90% من سوق الاسمنت، ولا تسمح لأي جهة بأن تنافسها، كما قدم نماذج حول مدى تأثير أصحاب الشركات الكبرى على القرارات الاقتصادية الإستراتيجية وحتى المرحلية.
ويقول الباحث الاجتماعي أوري رام إن ما نراه اليوم من احتكارية بدأ عمليا قبل 25 عاما من خلال سياسة الخصخصة، حينما بدأ بيع القطاع العام للشركات الخاصة. ويضيف "إن مصطلح خصخصة هو مصطلح مضلل، لأن ما يجري هو تحويل ملكية الجمهور العام إلى ملكية فردية، فالدولة تنزع من الجمهور ثروته وتحولها إلى أصحاب رأس المال، لقد تحولت إسرائيل إلى دولة لرفاهية أصحاب رأس المال، والاحتكارية تتسع بتسارع كبير وسوق العمل تتقلص، وطالما لم يصل هذا إلى الرأي العام ويثيره، فإن هذه عملية ستتواصل، وما نراه اليوم هو أن الجمهور بات خاضعا لأصحاب رأس المال".
وخصصت صحيفة "هآرتس" مقالا افتتاحيا في أحد أعدادها الأخيرة لهذه القضية، وقالت إن الاقتصاد الإسرائيلي هو من الاقتصادات التركيزية في الغرب، فإن نحو 20 مجموعة تسيطر على قسم كبير منه، وفي كل واحد من الفروع المركزية، كالبنوك، وقطاع التأمين والشبكات الخليوية، يسيطر عليها لاعبان أو ثلاثة لاعبين فقط.
وأضافت "هآرتس": إن المجموعات التجارية الكبرى تسيطر أيضا على مؤسسات مالية وعلى أعمال تجارية حقيقية، كالعقارات، الطاقة، التوزيع بالمفرق، والإعلام. هذه السيطرة المتداخلة تعطي أصحاب السيطرة قوة هائلة، تسمح لهم بدحر المنافسين الجدد من السوق ومواصلة تعظيم قواهم. المركزية تمس بالمنافسة، التنمية، التطوير والرفاه العام. وهي تقود أيضا إلى أسعار عالية وخدمات متوسطة في ظل غياب المنافسة. كذلك فإن القوة الشديدة للمجموعات المسيطرة حيال الساحة السياسية، تخلق أيضا تهديدا على الديمقراطية.
واختتمت أن هذا المستوى من المركزية عال أكثر مما ينبغي وإشكالي جدا، وقد حان الوقت لمعالجته. ولهذا الغرض أمر نتنياهو مدير عام ديوانه بتشكيل لجنة. ينبغي الأمل في أن تقوم اللجنة بعملها بسرعة وأن تعمل بجدية على تقليص المركزية وتحسين جودة حياة المواطنين.
هذا، وكانت عدة جهات نادت في الآونة الأخيرة بإقامة لجنة تحقيق رسمية للبحث في ظاهرة الاحتكارية المتنامية ومدى انعكاسها على الاقتصاد والسلطة الحاكمة، وأظهر رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو نوعا من قبول الفكرة وطلب من أحد مستشاريه بدء التحضير لهذا الموضوع، لكن المراقبين يؤكدون أن ما أظهره نتنياهو من تجاوب كان بهدف امتصاص النقمة، خاصة وأنه من أكثر رؤساء الحكومات ارتباطا بهذه العائلات الاحتكارية.