المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • اقتصاد ومجتمع
  • 1170

ينوي الوزير يشاي إعادة "دوريات السبت"، وهي مؤلفة من مفتشين عرب يسجلون المخالفات لكافة المحلات والمرافق الاقتصادية التي تعمل أيام السبت من دون ترخيص، لتعود بذلك المعركة على "قانون السبت" من جديد، وهي إحدى المعارك "العتيقة" جدا في المجتمع الإسرائيلي

 

قالت مصادر في وزارة الصناعة والتجارة الإسرائيلية، ان الوزير الجديد ايلي يشاي، الزعيم السياسي لحركة "شاس" الأصولية، توصل الى معطيات "مقلقة" بشأن تجاوز قانون العمل أيام السبت بعد ان اتضح له ان لا اقل من 314 ألف عامل في إسرائيل يعملون أيام السبت، من بينهم 226 ألف عامل، هم الإشكالية الأكبر بالنسبة للوزير الأصولي.

وكما هو معروف فإن القانون الإسرائيلي يمنع العمل في أيام السبت، إلا بإذن خاص من وزارة الصناعة والتجارة. وقد تحددت الخدمات الأساسية التي يجوز لها العمل، وأهمها خدمات الطوارئ على أشكالها، مثل الإسعاف والإنقاذ، بالإضافة الى مرافق نقاهة معينة ومن بينها مطاعم لا تلتزم بالطعام "الحلال" حسب الشريعة اليهودية، ومصانع حيوية لا تستطيع التوقف عن العمل.

ويفرض القانون على أصحاب العمل دفع ما بين 150% الى 200% من الأجر المتفق عليه في الأيام العادية للعامل، وتفرض غرامات كانت حتى قبل سنوات قليلة باهظة جدا على من يخرق هذا القانون، الذي لا يسري على البلدات والأحياء العربية.

ولكن يتضح ان ابتعاد "شاس" عن الحكم لأكثر من ثلاث سنوات، في فترة حكومة أريئيل شارون، لتحل محلها حركة "شينوي" العلمانية المتشددة، التي زالت عن الخارطة السياسية، فسح المجال أمام إهمال الرقابة على تطبيق هذا القانون، خاصة بعد ان اتفق وزير الصناعة والتجارة السابق، ايهود اولمرت (رئيس الحكومة الحالية) ووزير القضاء في حكومة شارون، العلماني يوسيف لبيد، على تخفيض الغرامات على العمل أيام السبت بنسبة 80%.

وكما ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية فإن الوزير يشاي ينوي إعادة ما يسمى بـ "دوريات السبت"، وهي مؤلفة من مفتشين عرب يسجلون المخالفات لكافة المحلات والمرافق الاقتصادية التي تعمل أيام السبت من دون ترخيص، لتعود بذلك المعركة على "قانون السبت" من جديد، وهي إحدى المعارك "العتيقة" جدا، في المجتمع الإسرائيلي، بين العلمانيين والمتدينين وخاصة الأصوليين (الحريديم) الذين نجحوا على مر السنين في زج كم هائل من قوانين الإكراه الديني في كتاب القوانين الإسرائيلي. والمعركة على يوم السبت هي من أشكال المعركة لمواجهة الإكراه الديني، الذي من المتوقع ان يستفحل من جديد، خاصة على ضوء الهزيمة النكراء لأكبر حزب علماني ظهر على الحلبة السياسية الإسرائيلية وكان جل اهتمامه محاربة الأصوليين والإكراه الديني، واختفى كما ظهر دفعة واحدة، في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، ليعتبر الأصوليون اليهود ذلك انتصارا لهم.

وليس من الواضح كيف سيكون رد رئيس الحكومة اولمرت وباقي الشركاء في الحكومة الذين يصنفون أنفسهم في الجانب العلماني للمجتمع الإسرائيلي، خاصة وان اولمرت نفسه، وكما ذكر، أهمل هذا القانون، من باب "حرية المعتقد"، ولكن ليس لوحده، وانما أيضا لدوافع اقتصادية ولخدمة كبار أصحاب المصالح التجارية في إسرائيل، ومن المستبعد ان يخاطر اولمرت بشراكة "شاس" في حكومته بسبب قانون السبت.

 

الجانب الاجتماعي

 

لكن على ما يبدو فإن قانون العمل أيام السبت، لا يكمن فقط جانبا دينيا أساسيا، بموجب قدسية السبت عند اليهود، إذ يحظر عليهم أداء أي عمل حتى داخل البيت، او التنقل والسفر في مركبات وما الى ذلك، بل هناك جانب اجتماعي قوي، فالتنافس الاقتصادي، خاصة بين شبكات التسويق بدأ يصل الى أيام الراحة، التي يحتاجها العامل. وحسب المعطيات التي نشرت في وسائل إعلام إسرائيلية في الأسبوع الماضي، فإن شبكات التسويق على مختلف أنواعها لا تحترم بند الأجور في أيام السبت، ويتم تشغيل العاملين والعاملات بالإكراه، وتحت التهديد بالطرد من العمل، وتقول معطيات وزارة الصناعة والتجارة ان الغالبية الساحقة جدا من العاملين اليهود أيام السبت هم من الشرائح الضعيفة، الذين يتقاضون أجور الحد الأدنى، وحتى أقل منه.

كذلك تقول المعطيات ان نسبة المهاجرين الجدد الذين يعملون أيام السبت هي ضعفا نسبتهم في المجتمع ومن قوة العمل، إضافة الى أن 30% من العاملين أيام السبت يعملون أكثر من ثماني ساعات في اليوم الواحد، كما ان 60% من الذين يعملون أيام السبت، يعملون في كل يوم سبت، و16% يعملون ثلاثة أيام سبت في الشهر و14% يعملون يوم سبت واحد، لكن هذه النسب يدخل فيها العاملون العرب، الذين تصل نسبتهم من بين العاملين أيام السبت الى 26%، والقانون لا يسري عليهم.

وتروي إحدى العاملات اليهوديات لصحيفة "معاريف" معاناتها. فهي مضطرة للعمل كل أيام السبت، لكي تصل الى الحد الأدنى من الأجر، وتعمل أيام السبت 12 ساعة متواصلة، وهي تخاف من الاعتراض لئلا تجد نفسها خارج العمل، وتقول ان صاحب العمل لا يمنحها كل أسبوع يوم عطلة مكان يوم السبت، وهي بذلك تنقطع عن بيتها، وعن الحياة العائلية.

وفي هذا الجانب فإن الاحتجاج لا يتوقف عند الأصوليين اليهود، بل يصل الى واحدة من ابرز رموز العلمانيين، النائبة الجديدة والصحافية المعروفة شيلي يحيموفيتش، التي في تعليقها على هذه الظاهرة تقول لمعاريف: "نحن العلمانيون ناضلنا ظاهريا من اجل حرية الاختيار للتسوق أيام السبت، لكن ما جرى عمليا انه في نهاية المسيرة حولنا 20% تقريبا من العاملين الى عبيد، ففي سوق عمل إشكالي الى هذه الدرجة لا توجد للعامل حرية الاختيار، إذا كان يرغب بالعمل في ورديات السبت أم لا، هذا ببساطة ذروة الاستعباد، فلو فرضنا غرامات على المشغلين المخالفين، وتم تقديم لوائح اتهام ضدهم، لما شهدنا هذا الاندفاع في مراكز التسوق أيام السبت، فاليوم يوجد في كل البلاد أربعة مفتشين (من العرب) الدروز، ولهذا لا يوجد أي أمل في تطبيق القانون".

وتضيف يحيموفيتش: "حين كان ايهود اولمرت وزيرا للصناعة والتجارة ويوسيف لبيد وزيرا للقضاء خفضا الغرامات على خرق قانون السبت بنسبة 80%، وأنا واثقة من ان الوزير ايلي يشاي، إن كان من الناحية الدينية أو من الناحية الاجتماعية، سيرفض الظاهرة المتفشية، وهي الآن بمقاييس ضخمة جدا، فمصلحة أصحاب رؤوس المال كبيرة جدا، ولهذا فأنا أشك إذا كان بمقدرة يشاي ان يوقف هذا الجرف، من المهم ان نفهم نحن العلمانيون ان العمل أيام السبت ليس مشكلة للمتدينين فقط، إذا كان لدينا أي نوع من الضمير الاجتماعي".

 

مبادرة القانون

 

في السنوات الأخيرة ظهرت عدة مبادرات قوانين في جميع الاتجاهات لتجاوز مشكلة أيام السبت، التي تحظر الشريعة اليهودية أي نوع من العمل فيه. لكن هذه القضية، مع تقدم العصر، استفحلت جدا، فمثلا منع المواصلات العامة فرض على الشرائح الفقيرة والضعيفة حصارا بالإكراه، وليس باستطاعتهم مغادرة بلداتهم للاستراحة في أي مكان آخر، بالإضافة الى المطالبة الواسعة بفتح مراكز التسوق، باستثناء الشبكات الغذائية، التي يفرض عليها الحلال، عدا شبكة واحدة صغيرة ليست منتشرة.

ومن بين القوانين كان ما دعا الى فسح المجال أكثر أمام العمل أيام السبت وخاصة المواصلات العامة، ومنع إغلاق الشوارع في بعض البلدات اليهودية، خاصة في أحياء المتدينين المتشددين وحيث تتواجد الكنس اليهودية.

ولكن هناك مشروع قانون بادر اليه متدينون وعلمانيون، يقضي بزيادة ساعات العمل من يوم الاثنين وحتى ظهيرة يوم الجمعة، لتكون العطلة الأسبوعية يومي السبت والأحد. وأكثر من يصر على هذا الطلب هم المتدينون، خاصة الليبراليون منهم، وبرأيهم فإن هذه العطلة التي تمتد ليومين تعطي فرصة للمتدينين للقيام بواجباتهم الدينية، وفي اليوم التالي لقضاء يوم راحة ونقاهة.

ولم تسع أي من الحكومات الخمس الأخيرة منذ مطلع التسعينيات الى إقرار هذا القانون نظرا لكلفته المالية، حسب تقديرات الخبراء الاقتصاديين، رغم انه في الغالبية الساحقة من القطاع العام فإن العطلة الأسبوعية هي في يومي الجمعة والسبت، والمشكلة هي ان يوم السبت لدي اليهود يبدأ عمليا قبل غياب الشمس من يوم الجمعة، بمعنى ان الحركة وساعات العمل أيام الجمعة محدودة جدا، وسيكون تركيز العمل بموجب القانون المقترح في أربعة أيام، من الاثنين الى الخميس.

وكما ذكر فإن المعركة الجديدة التي من المتوقع ان تحتد في الفترة القادمة ستبقى على الأغلب في الشارع والإعلام الإسرائيلي، وبطبيعة الحال فإنها ستصل الى الهيئة العامة للكنيست، ولكن ليس ابعد من ذلك، بمعنى أنها لن تكون حلبة صراع داخل الائتلاف الحكومي، فحزب "كديما" مؤلف بغالبيته الساحقة من شخصيات قيادية من حزبي "الليكود" و"العمل"، اللذين عملا طوال عشرات السنين السابقة على مهادنة الأصوليين، لكونهم "بيضة القبان" في البرلمانات الإسرائيلية. وبطبيعة الحال فإن الشريكين الآخرين في حكومة اولمرت- "العمل" و"المتقاعدون"- سيبتعدون عن زج أنفسهم في هذه المعركة، التي على ما يبدو ستنتهي في الحفاظ على الوضع القائم الذي يعطي حرية مناورة لجميع الأطراف والذي تعايشه إسرائيل منذ قيامها، وهذا ما تنص عليه كذلك الخطوط العريضة للحكومة الحالية.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات