أظهر تقرير إسرائيلي جديد أن ظاهرة قيام طب للأغنياء وطب للفقراء باتت تتعزز في السنوات الأخيرة، مع فروقات واضحة بين مستوى العلاج الذي بامكان ذوي المداخيل العالية والأغنياء الحصول عليه، مقابل مستوى العلاج الذي يتلقاه ذوو الدخل القليل، الى درجة انهم باتوا يستغنون عن شراء أدوية أساسية، مفروض أنها مدعومة من قبل الجهاز الصحي.
أظهر تقرير إسرائيلي جديد أن ظاهرة قيام طب للأغنياء وطب للفقراء باتت تتعزز في السنوات الأخيرة، مع فروقات واضحة بين مستوى العلاج الذي بامكان ذوي المداخيل العالية والأغنياء الحصول عليه، مقابل مستوى العلاج الذي يتلقاه ذوو الدخل القليل، الى درجة انهم باتوا يستغنون عن شراء أدوية أساسية، مفروض أنها مدعومة من قبل الجهاز الصحي.
ويذكر أن إسرائيل أقرت في العام 1995 قانون التأمين الصحي العام، الذي أحدث انقلابا في كل الجهاز الصحي في اسرائيل، واصبح قابلا للخصخصة، وحتى ذلك الحين كان في اسرائيل أربعة صناديق مرضى تتولاها مؤسسات نقابية وصهيونية، أكبرها صندوق المرضى العام الذي كان بمسؤولية اتحاد النقابات العامة، الهستدروت، وكان يؤمن قرابة 70% من المواطنين، ولدى العرب كانت النسبة في حدود 90%.
وفي اطار القانون تم الغاء وصاية تلك المؤسسات على صناديق المرضى، التي تحولت الى جمعيات مستقلة، تدير شؤونها بشكل مستقل مع إشراف مباشر من وزارة الصحة، واصبح بذلك التأمين الصحي الزاميا، وتخصم نسبة تتراوح من 3,1% وحتى 4,8% من الراتب الشهري غير الصافي، ابتداء من الشاقل الأول وحتى 28 ألف شاقل، وكل ما عدا ذلك يصبح معفيا. وبالاضافة للرسوم فإن المرضى يساهمون في ثمن الأدوية المدعومة، من نسبة 13,5% وبشكل تصاعدي الى درجة تمويل شبه كامل، ويستفحل الوضع عند شراء الأدوية للأمراض النادرة والخطيرة، خاصة إذا كانت الأدوية نادرة وجديدة، كما يدفع المواطنون رسومًا أولية (في حدود خمسة دولارات).
وتتحكم الحكومة في مستوى سلة الخدمات الصحية، بما في ذلك الأدوية، بمعنى الأدوية المدعومة وغيرها، وبالاضافة الى مستوى العلاجات والعمليات الجراحية.
وقد فتح هذا القانون الباب أمام خصخصة العلاجات، ودخول شركات اقتصادية الى "سوق العلاج"، وتقديم تأمينات صحية لتقديم مستوى علاجات أكبر، وتمويل عمليات لا يشملها قانون التأمين الصحي، وحتى العلاج في مستشفيات خاصة، او المساهمة في تمويل عمليات في تلك المستشفيات، او حتى في ساعات خارج الدوام في المستشفيات الحكومية وشبه الرسمية، وتقديم موعد الدور لدى الطبيب، وكل هذا مرهون بحجم البوليصة والدفعة الشهرية، التي تكون مباشرة ومن دون أي علاقة بالرسوم الالزامية التي تخصم من الراتب.
وكان واضحا انه في ظروف كهذه فإن ذوي المداخيل العالية بامكانهم ان يحصلوا على أرقى انواع العلاجات، وينشأ تلقائيا نوعان من الطب، واحد للأغنياء وآخر للفقراء، حتى أن الفقراء، ووفق سلسلة من الاستطلاعات والدراسات لا يستطيعون الصمود امام الحد الأدنى الذي يفرضه القانون.
التقرير الجديد
ويقول التقرير، الصادر أخيرًا عن "مركز أدفا"، إن دولة اسرائيل لم تضمن في قوانينها المبادئ الواردة في المواثيق الدولية حول الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لكل مواطن، هذه المواثيق التي تؤكد واجب الدولة في تزويد كافة الخدمات الصحية بغض النظر عن المستويات الاقتصادية، واعتمد القانون الاسرائيلي فقط على ضمان مصادر تمويل قانون التأمين الصحي.
ويضيف التقرير انه منذ سن قانون التأمين الصحي في العام 1995 "فإننا نشهد مظاهر تحويل الخدمات الصحية الى سوق تجاري، وهذا ينعكس في نهج تقليص مشاركة الخزينة العامة في نفقات الصحة، وارتفاع حجم التمويل الشخصي لهذه الخدمات، وعدم توسيع نطاق خدمات الصحة المدعومة، وزيادة حجم الخدمات الصحية التي على الفرد أن يموّلها بشكل مباشر، ومحاولة اقامة شبكة عيادات مرضى بهدف الربح (تجارية)، وتقليص رسوم التأمين المفروضة على اصحاب العمل والشركات".
وقال التقرير إن هذا هو نوع من الخصخصة، وهذا ينعكس سلبا على مستوى العدالة الاجتماعية في مجال الخدمات الصحية، فالتجربة في العالم تثبت فشل السوق التجاري للخدمات الصحية، وان المؤسسات الخاصة التجارية هي أقل نجاعة من المؤسسات العامة، وأكبر مثال على هذا هو الوضع القائم في الولايات المتحدة الأميركية، حيث الخدمات الصحية هناك باهظة ومكلفة، ولهذا ففي الولايات المتحدة فجوات اجتماعية هي الأكبر في العالم في مجال الخدمات الصحية.
وقال تقرير مركز أدفا إن نسبة المشاركة الفردية في نفقات الخدمات الصحية، من مجمل الانفاق على الصحة في البلاد، ارتفعت من 28% في العام 1998 الى 30% في العام 2004، ومن ضمن الانفاق الفردي الرسوم الالزامية التي تخصم من الرواتب. ويؤكد التقرير ان هذه النسبة هي من اعلى النسب بين الدول التي فيها خدمات صحة عامة، وفي المقابل فقد طرأ ارتفاع كبير في نسبة صرف العائلة في اسرائيل، بعد خصم الرسوم في الرواتب، فقد بلغت نسبة الصرف على الخدمات الصحية من مصروف العائلة في العام الماضي 5% بينما كانت في العام 1997 حوالي 3,8%، وغالبية هذا الارتفاع ناجمة عن زيادة الصرف على طب الاسنان والاشتراكات في التأمينات الصحية الخاصة وبوليصات التأمين، وايضا في شراء الادوية.
وتنعكس زيادة صرف الفرد على الخدمات الصحية في مداخيل صناديق المرضى التي ارتفعت من الأفراد، من العام 1998 وحتى العام 2002 بنسب تتراوح من 6,2% الى 9,6%.
واثبتت سلسلة من الدراسات ان الصرف الفردي على الخدمات الصحية يزيد من الفجوات الاجتماعية في مجال الخدمات الصحية وفي مستوى الخدمات الصحية التي يحصل عليها الفرد، فحسب دراسة لمعهد "ماريس جوينت بروكديل"، فإن 29% من ذوي المداخيل المنخفضة اعلنوا في العام 2003 أنهم تنازلوا عن علاجات طبية وشراء ادوية بسبب التكلفة.
وأشارت احصائيات نشرتها دائرة الاحصاء المركزية الاسرائيلي الى أن 39% من المواطنين العرب في اسرائيل اعلنوا في العام 2004 انهم تنازلوا عن شراء ادوية بسبب تكلفتها، وقال 19% ممن يتقاضون رواتب بمعدل 900 دولار شهريا انهم تنازلوا عن شراء بعض الادوية اضطرارا بسبب تكلفتها، والأخطر ان 21% من المرضى المزمنين بأمراض مختلفة اضطروا في العام الماضي للتنازل عن ادوية، وقال 15% من الجمهور انهم اضطروا للتنازل عن زيارة طبيب بسبب الرسوم (خمسة دولارات)، وطلب 13% من الاطباء إعطاءهم أدوية بديلة أقل تكلفة.
ولوقف حالة التدهور هذه يوصي مركز ادفا الحكومة الإسرائيلية بوضع آلية لتطوير مستمر في سلة خدمات الصحة، وتخفيض المشاركة في شراء الادوية بنسبة 25%، وتقليص رسوم المشاركة الشخصية في العلاجات غير العادية، وازالة الحد الاقصى لدفع رسوم الصحة، وجعل ذوي المداخيل العالية يدفعون الرسوم عن كل الراتب، ورفع نسبة الرسوم التي تخصم في الراتب كلما ارتفع الراتب، واعادة ضريبة التأمين الصحي التي كان يدفعها اصحاب العمل وتم الغاؤها في العام 1994، وزيادة التسهيلات والتخفيضات لذوي المداخيل المحدودة والشرائح الفقيرة والضعيفة.