يظهر من التقرير الصادر عن المفتش العام للعمل في وزارة العمل الإسرائيلية بخصوص حوادث العمل القاتلة التي وقعت خلال العام 2004 أن 52 عاملاً فقدوا حياتهم في حوادث عمل قاتلة، وهذا الرقم يعني هبوطاً بنسبة 15% بالمقارنة مع العام 2003
عندما يقع حادث عمل قاتل في مكان العمل تهرع طواقم التفتيش والمراقبة والتحقيق الرسمية لفحص الأسباب التي أدت الى وقوع الحادث المأساوي الذي أدى بدوره الى فقدان حياة عامل، ذنبه الوحيد أنه إنصاع لأوامر مدير العمل أو صاحب العمل وقام بالعمل في شروط تفتقد فيها وسائل الوقاية والأمان، وفقاً للانظمة والقوانين. نتائج التحقيق تكشف في معظم الحالات عن وقوع اهمال في توفير وسائل الوقاية والأمان وأحياناً عدم الالتزام بتلك الانظمة، مما يؤدي الى فقدان حياة العامل أو اصابته بإعاقة جراء ذلك الحادث .
قبل فترة وجيزة فقد الشاب جبر وجيه جبارين من أم الفحم حياته في حادث عمل مروّع جراء سقوطه خلال العمل. ومثل المرحوم جبر هناك العشرات من العمال الذين يفقدون حياتهم خلال ممارستهم العمل في كافة الفروع التشغيلية. لكن الأمر الذي يثير الغضب هو عدم الاهتمام الذي يتكرر لدى البعض من أصحاب العمل، والإهمال الحكومي في عمليات المراقبة والعقاب للمخالفين للقوانين والأنظمة... ومن يدفع الثمن هم العمال وعائلاتهم فقط لا غير .
إحصائيات لا تبشر بالخير
يظهر من التقرير الصادر عن المفتش العام للعمل في وزارة العمل الإسرائيلية بخصوص حوادث العمل القاتلة التي وقعت خلال العام 2004 أن 52 عاملاً فقدوا حياتهم في حوادث عمل قاتلة، وهذا الرقم يعني هبوطاً بنسبة 15% بالمقارنة مع العام 2003 ، حيث فقد 60 عاملاً حياتهم في حوادث عمل . وبالمقارنة مع العام 1995 فإن نسبة الهبوط تصل الى حوالي 35% (انظر الجدول) .
يبدو لنا للوهلة الأولى أن هناك هبوطًا في حوادث العمل القاتلة. رقمياً هذا صحيح، لكن المقلق في هذه المعطيات الارتفاع المثير للانتباه في فرع الصناعة، حيث ارتفع عدد العمال القتلى من ثمانية عمال العام 2003 الى 21 عاملاً العام 2004، ما يعني أن نسبة الارتفاع بلغت 260% ، والعودة الى المعدل الذي كان قبل عشر سنوات تقريباً. كذلك يبرز الارتفاع الهائل في سبب حادث العمل القاتل، حيث حدث ارتفاع بنسبة 250% في عدد العمال الذين فقدوا حياتهم جراء الإصابة بتماس كهربائي في مكان العمل. هذا الأمر يؤكد ما قلناه أعلاه من أن السبب الأساس لحوادث العمل هو الاهمال أولاً وأخيراً .
جدول رقم (1)
حوادث العمل القاتلة ما بين 1995 -2004
الفرع
2004
2003
2002
2001
2000
1999
1998
1997
1996
1995
الصناعة
21
8
19
10
10
8
10
23
22
24
البناء
15
34
31
31
30
34
53
50
49
40
الزراعة
3
3
2
2
4
2
1
6
5
5
كسارات
0
1
0
0
0
1
3
3
1
1
موانئ
2
2
0
5
0
4
0
2
1
0
سكك حديد
1
0
3
0
1
2
0
0
1
0
فروع أخرى
10
12
7
12
16
15
8
20
10
11
المجموع
52
60
62
60
61
66
75
104
89
81
عندما نتمعن في المعطيات الواردة في الجدول أعلاه نلاحظ الهبوط في حوادث العمل القاتلة في فرع الزراعة، ما يدحض ادعاءات البعض من المسؤولين، الادعاءات التي يؤكدون فيها صباح مساء أن العمال الأجانب لا يتقيدون بأنظمة الوقاية والأمان ولذلك يشكلون نسبة عالية من حوادث العمل القاتلة، وها نحن نلاحظ أن الفرع الزراعي فيه ثبوت تقريباً في تلك الحوادث مما يؤكد عدم صحة هذا الادعاء .
فرع البناء
الأمر نفسه نجده في فرع البناء حيث يعمل عدد كبير من العمال الأجانب في هذا الفرع، وهنا نلاحظ أيضا أن عدد العمال الأجانب الذين فقدوا حياتهم في حوادث عمل هو ثلاثة عمال يشكلون 20% من الحوادث. لكن التقرير لا يتناول عدد العمال العرب في هذا الفرع، ومن تحقيق بسيط قمنا باجرائه لدى البعض من الخبراء اتضح أن نسبة العمال العرب من العمال الذين فقدوا حياتهم في حوادث العمل في فرع البناء هي عالية وتكاد تصل الى أكثر من النصف .
القضية الثانية التي نود الإشارة لها هنا أيضاً تتعلق بنسبة الهبوط التي برزت في حوادث العمل القاتلة في فرع البناء ، حيث بلغت هذه النسبة 55% ، من 34 عاملا سنة 2003 الى 15 عاملاً سنة 2004 .
هذا الهبوط لا يعود الى التحسن في ظروف العمل ووسائل الوقاية والأمان في ورشات العمل بتاتاً. انما سببه الأساسي هو الهبوط في فعاليات فرع البناء وتقليص عدد العمال والورشات بسبب الركود الاقتصادي الذي حل بهذا الفرع. ونلاحظ الأمر نفسه في عدد العمال الأجانب أيضاً (انظر الجدول 2).
جدول رقم (2)
عمال فرع البناء الذين فقدوا حياتهم في حوادث العمل
ما بين 1995 - 2004
المصاب
2004
2003
2002
2001
2000
1999
1998
1997
1996
1995
عامل محلي
12
23
21
24
23
23
31
36
29
33
أجنبي
3
11
9
7
7
10
22
14
19
7
فتى
0
0
1
0
0
1
0
0
1
0
المجموع
15
34
31
31
30
34
53
50
49
40
قضية أخرى لا بد من الإشارة لها هي أن حوالي 70% من حوادث العمل في فرع البناء سببها السقوط من أعلى و30% جراء سقوط جسم ما على العامل من أعلى أو إصابته بتماس كهربائي، مما يؤكد أن معظم الحوادث القاتلة في هذا الفرع سببها الإهمال كما ذكرنا أعلاه، ففي حالة الالتزام بأنظمة الوقاية والأمان وتوفير الوسائل الملائمة للعمل في الطوابق العليا على السلالم وغيرها والقيام بعمليات الإرشاد والمراقبة للعمال، بالامكان منع وقوع معظم تلك الحوادث القاتلة .
أمراض العمل أيضاً
قبل فترة وجيزة قام عمال البتروكيماويات في منطقة مدينة عكا بتقديم شكوى ضد إدارة المصنع والوزارات المختلفة يطالبون فيها بدفع تعويضات لهم عن الأمراض التي أصيبوا بها جراء عملهم في مواد خطيرة صحياً، وتقدر تلك التعويضات بمبالغ كبيرة جداً لان العمال يعانون من أمراض واعاقات جراء العمل في تلك المواد، ويتهمون الإدارة والوزارات بعدم اطلاعهم على خطورة تلك المواد على صحتهم خلال فترة عملهم. تذكّر هذه الشكوى بما حدث مع عمال مصنع الاسبست الذي كان قائماً في مدينة نهريا في الشمال، حيث أصيب معظم عمال المصنع بأمراض السرطان التي تسببها مادة الاسبست تلك. ولم تقم الإدارة أو قسم المراقبة في الوزارات المعنية باطلاعهم على تلك المخاطر الكامنة في العمل بهذه المواد. ونجد اليوم أيضا الظاهرة نفسها لدى عمال مصانع الاسبست في الجمهورية المصرية، حيث تعرض عمال هذا الفرع الى إصابات بأمراض أدت الى فقدان حياة البعض منهم. والبعض الآخر يعاني من إصابات إعاقة جراء هذا المرض الخطير.
الأمر المثير هو قيام وزارة المالية بالغاء تمويل قسم المراقبة والبحوث المتعلقة بأمراض العمل مما سيؤدي الى فقدان المراقبة المحدودة القائمة اليوم وتعريض صحة وحياة العمل في كافة الفروع التشغيلية للخطر ولإصابتهم بامراض خبيثة جراء عملهم او تعرضهم لمواد غير صحية تعرض حياتهم للخطر الدائم .
إلغاء قسم كبير من حقوق المصابين بإصابات العمل
ضمن قانون التسويات الذي أقره الكنيست في القراءة الاولى مع اقتراح الميزانية للعام 2005 تقترح وزارة المالية والوزير بنيامين نتنياهو الغاء قسم كبير من حقوق العمال الذين يتعرضون لإصابات عمل في أماكن عملهم. اقتراح المالية هذا سيؤدي الى فقدان عائلات هؤلاء العمال حق الحصول على التعويض جراء الإعاقة من اصابة العمل. ضمن هذا الاقتراح تلغى حقوق العامل بالحصول على تعويض من التأمين الوطني عن اصابة العمل التي تؤدي لإعاقة بنسبة ما بين 5% - 15%، وفقط تدفع لمن تكون نسبة الإعاقة جراء إصابة العمل 15% -21% (اليوم تدفع التعويضات لمن نسبة الإعاقة لديه ما بين 5% - 20%)، وهدف المالية هو توفير مبلغ 295 مليون شيكل على حساب صحة العمال ومعاناتهم جراء الإصابة بإعاقة من حادث عمل .
القضية الثانية تتعلق برفع عدد الأيام التي لا يدفع مقابلها التأمين الوطني بعد إصابة العامل في حادث العمل، من تسعة أيام الى 21 يوماً، وأن على صاحب العمل دفع تعويض للعامل مقابل تعطله عن العمل في تلك الأيام. هذا الأمر ليس بالجديد فحتى العام 1997 كان عدد الأيام التي على صاحب العمل دفع مقابلها للعامل في حالة إصابته بإصابة عمل 3 أيام فقط رفع عددها في ذلك العام الى تسعة أيام، مما دفع العديد من أصحاب العمل الى عدم تقديم تقارير عن حوادث عمل وقعت في ورشاتهم من أجل توفير الأموال وعدم دفع تعويض للعامل المصاب، وإلزامه بمواصلة العمل وهو مصاب أو احتساب أيام الإصابة من العطلة السنوية التي يستحقها العامل .
الاقتراح الجديد سيؤدي الى اغتيال حقوق العمال المصابين بحوادث العمل من قبل أصحاب العمل . يغئال بن شالوم، مدير عام مؤسسة التأمين الوطني، صرح معقباً على اقتراح المالية هذا بالقول: "رفع عدد الأيام الى 21 يوماً يعني حرمان العمال من حقوقهم، لأن أصحاب العمل لن يدفعوا للعمال التعويض الذي يستحقونه ولن يكشفوا عن حوادث العمل هذه".
معطيات التأمين الوطني تشير الى أن 84181 عاملاً حصلوا على مخصصات إصابة العمل في سنة 1994، يومها كان عدد قوة العمل في البلاد 1,96 مليون عامل. بالمقابل بلغ عدد العمال الذين حصلوا على مخصصات إصابة العمل هذه في سنة 2003: 61569 عاملاً من أصل 2,412 مليون عامل. هذه الارقام تؤكد لنا أنه رغم ارتفاع عدد قوة العمل بحوالي نصف مليون عامل خلال هذه الفترة الا أن عدد الحاصلين على مخصصات إصابة العمل هبط بحوالي 23 ألف عامل ... هذا الأمر يعود الى رفع عدد الايام من ثلاثة ايام الى تسعة، وفقاً لتقديرات معظم الخبراء. الاسوأ من ذلك أنه لا يوجد أي ضمان أو اثبات يؤكد أن أصحاب العمل دفعوا للعمال المصابين عن أيام الاصابة حتى تسعة أيام... فماذا سيكون الحال في مدة 21 يوماً... هل سيدفعون لهم ؟؟ حسب رأينا لن يدفع أرباب العمل أي تعويض عن الإصابة... بل سيبلعون ذلك التعويض والعامل المصاب وعائلته سيفقدون حقهم بالحصول على ذلك التعويض من صاحب العمل وبذلك يصبحون الضحية الأولى والأخيرة لبرنامج نتنياهو، كما أكد ذلك مدير عام مؤسسة التأمين الوطني.
لا شك أن اصابات العمل تكلف غالياً ليس فقط بسبب التعويض الذي يدفع للعامل المصاب عن الإعاقة جراء الإصابة، بل بسبب فقدان أيام العمل الانتاجية ونحن نتحدث عن فقدان 2,590 مليون يوم عمل للمصابين بإصابات عمل مسجّلة رسمياً هذا عدا الإصابات التي لا يبلغ عنها ولا يحصل العامل عنها على أي تعويض بسبب انتهاك أصحاب العمل القانون. لذلك من المهم جداً ضمان وسائل الوقاية والأمان وظروف العمل اللائق والقيام بدورات ارشادية متواصلة للعمال من أجل رفع كفاءاتهم وضمان وقوع حد أدنى من حوادث العمل وإصابات العمل .
حكومة معادية للعمال
نلاحظ مما جاء أعلاه أن الهم المستمر لحكومة شارون- نتنياهو- بيريس هو فرض خطوات قمعية ضد الطبقة العاملة، بينما همّها الأول والأخير هو حماية مصالح القوى الرأسمالية التي تمثلها فكراً وممارسة. إنها حكومة معادية بكل ما يجري في شرايين القائمين عليها لكل ما هو عمالي، حتى لو كان مستحقات تعويض عن إصابة العمل. ومعروف أن هذا التعويض لا يقدم للعمال منحة لوجه الله بل هو مقابل تأمين يدفعونه لمؤسسة التأمين الوطني.