طرد العمال الاجانب من اسرائيل لم يحقق حتى الآن هدفه الرئيسي المتمثل بالحد من البطالة العالية * حنه زوهر، مديرة جمعية "خط للعامل": الشرطة "نجحت بلا شك في طرد وردع (عمال اجانب).. والسؤال بأي ثمن؟! الصورة التي تم فيها الطرد تعتبر وحشية، وأحياناً غير قانونية، وفي الغالب غير انسانية..".
الاتحاد الدولي لحقوق الانسان: اسرائيل تستغل العمال الاجانب
طرد العمال الاجانب من اسرائيل لم يحقق حتى الآن هدفه الرئيسي المتمثل بالحد من البطالة العالية * حنه زوهر، مديرة جمعية "خط للعامل": الشرطة "نجحت بلا شك في طرد وردع (عمال اجانب).. والسؤال بأي ثمن؟! الصورة التي تم فيها الطرد تعتبر وحشية، وأحياناً غير قانونية، وفي الغالب غير انسانية..".
اتهمت منظمة دولية تعنى بحقوق الإنسان إسرائيل باستغلال العمال الأجانب بطريقة مؤلمة وقاسية. وقال الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان (FIDH) أن العمال الأجانب فيها يعامَلون احياناً "كالعبيد". وذكر التقرير الذي أعدته المنظمة التي تتخذ لها من فرنسا مقرًا لها، أن أصحاب العمل الذين يشغلون عمالاً أجانب، يحتجزون جوازات سفرهم كرهينة. ونوّه التقرير الى أن الوضع في إسرائيل يعتبر خاصًا، إذ يستعاض بالعمال الأجانب عن العمال الفلسطينيين". وحسب التقرير فإن "حقوق العمال الأجانب في إسرائيل منتهكة بشكل منتظم"، ويمكث ثلثهم في إسرائيل بشكل غير قانوني، ويتخوفون من التحدث عن استغلالهم في أماكن عملهم خشية أن يتم طردهم.
ووجد التقرير أن الكثير من أصحاب العمل لا يدفعون للعمال الأجانب مخصصات التأمين والصحة. ويتلقى العمال الأجانب الذين يتم تشغيلهم عادة في قطاعي البناء والزراعة، أجرًا أقل بكثير من العمال الفلسطينيين. ويضطر معظم العمال الأجانب إلى دفع آلاف الدولارات للوكالات التي تشغل دور الوساطة ويفترض بها أن تجد لهم العمل. ودعت المنظمة إسرائيل إلى التوقيع على ميثاق الأمم المتحدة لحماية حقوق العمال الأجانب والالتزام بتطبيق ما ينص عليه.
وعقب المتحدث باسم وزارة الخاجية الإسرائيلية، يونتان بيليد، على التقرير بقوله إن "إسرائيل هي دولة ديمقراطية وتحترم القانون، ويتمتع مواطنوها بالحرية وبجميع الحقوق الديمقراطية، ويسري الأمر على السياح والعمال الأجانب، أيضًا".
حياة العمال الاجانب في اسرائيل اشبه بالجحيم
بقلم: روتي سيناي
في شهر آب 2002 تلقى وزير الداخلية في ذلك الوقت ايلي يشاي، رسالة جاء في نصها:
"أتوجه اليك بدعوة للعدول عن القرار الخاطئ بانشاء جهاز في الشرطة الاسرائيلية لطرد الاجانب. فطابع المهمة لا يليق بشرطة اسرائيل. صحيح ان العمال الاجانب خرقوا القانون، لكنهم ليسوا مجرمين (...) لا شك ان تكلفة انشاء جهاز الطرد باهظة، خاصة في كل ما يتصل بالتكلفة مقابل الجدوى. يمكن بواسطة ثلث هذه التكلفة العمل فورًا على انشاء جهاز مدني لتطبيق القانون (...) وسيلة الطرد تعتبر حيوية وهامة لكنها لا تستطيع ابدًا ان تشكل غاية مركزية للتصدي لمكوث غير قانوني (...) يمكن بوسائل اذكى واقل تكلفة الحد من الظاهرة (...) مثل شن حرب لا هوادة فيها ضد ارباب العمل وشركات الطاقة البشرية التي تخلق الطلب على العمالة الرخيصة، والغاء الحوافز الاقتصادية للعمال الاجانب، وزيادة تكلفة تشغيل العامل الاجنبي وتشديد الرقابة في معابر الحدود".
حملت الرسالة توقيع حجاي هرتسل، من عمل لغاية ذلك الوقت ولمدة ست سنوات مستشارًا لوزير الامن الداخلي لشؤون العمال الاجانب في اسرائيل.
عبر "هرتسل" عما يدور في خلد كثيرين من أفراد الشرطة، وبضمنهم المفتش العام شلومو اهرونيشكي، الذين لم يتحمسوا للعبء الجديد الذي القاه عليهم رئيس الوزراء ارئيل شارون. لكن شارون تحدث عن "مهمة قومية"، فيما وقع وزير المالية في حينه، سلفان شالوم، على شيك بقيمة 200 مليون شيكل لهذا الغرض، واعداً بتقديم مبالغ إضافية اذا دعت الحاجة. وهكذا وضع المشروع حيز التنفيذ، ودشنت في الاول من ايلول (من العام الماضي) بصورة رسمية شعبة "مديرية الهجرة" في الشرطة، وهي تسمية استهدفت اضفاء نوع من "الوجاهة" على المهمة. تم انشاء قوة قوامها نحو 480 عنصرًا وقائدًا من افراد الشرطة تحت قيادة الميجر يعقوب غنوت (الذي عين مؤخرًا مفوضًا لمصلحة السجون الاسرائيلية)، واستأجرت مكاتب ملائمة في دار الحكومة بالرملة، كما تمت زيادة اماكن الاعتقال للعمال الاجانب المرشحين للطرد لتصل الى 1030 مكان اعتقال.
تكاليف باهظة دون جدوى
من الصعب الاجابة على السؤال حول ما اذا كانت الشرطة قد نجحت، خلال السنة الاولى من نشاطها، في خفض عدد الاجانب الذين يمكثون في اسرائيل بصورة غير قانونية، وبالقطع فانه لم يتحقق اي تغيير ذي شأن على هذا الصعيد. حسب التقدير الذي ابلغته الشرطة للكنيست قبل حوالي اسبوعين، فان هناك قرابة 270 الف عامل اجنبي (قانوني وغير قانوني) يمكثون حاليًا في اسرائيل، لكن احدًا لا يستطيع اعطاء تقدير لعددهم قبل الاول من ايلول 2002.
وطبقا للمعطيات المقدمة للكنيست فقد قامت الشرطة بطرد 16500 عامل اجنبي، في حين غادر نحو 38500 آخرين بارادتهم (طوعًا) حسب تعبير الشرطة.
اوساط "شرطة الهجرة" تقر بان من الصعب معرفة المغادرين ممن ارتدعوا بالفعل جراء نشاط الشرطة وكم عدد من غادر بدافع مما يفعله عشرات آلاف الاجانب الذين يغادرون سنويا بسبب انتهاء عقود عملهم او لأنهم قرروا العودة الى بلدانهم لأسباب اخرى. في العام 2001 على سبيل المثال، وطبقا لمعطيات مكتب الاحصاء المركزي، غادر اسرائيل 55 الف اجنبي وصفوا بأنهم ليسوا سياحا. في نفس العام، ووفقا لمعطيات شرطة الحدود، غادر اسرائيل 9916 صينيا، غالبيتهم العظمى من العمال وفي العام 2000 غادر 15350 صينيا. ولا بد من ان تضاف لاسباب المغادرة المحتملة في العام 2003 عوامل التخوف من انعكاسات الحرب في العراق، والركود والبطالة اللذين اضرا ايضا بالعمال الاجانب في اسرائيل.
وبافتراض سخي جدا بان حوالي 30 الف عامل اجنبي غير قانوني غادروا اسرائيل بسبب اجراءات وانشطة شرطة الهجرة، سواء نتيجة للطرد او الردع، فان كل واحد من هؤلاء المغادرين كلف دافع الضرائب في اسرائيل حوالي 6700 شيكل، وهو مبلغ باهظ وكبير جدًا.
ولمعرفة ما اذا كان عدد مهاجري العمل قد تناقص بالفعل خلال السنة الاخيرة، لا بد من تفحص ما اذا كان قد دخل الى اسرائيل خلال الفترة ذاتها عمال جدد. صحيح ان رئيس الوزراء شارون، اوعز في نهاية ايلول 2002 بوقف دخول عمال اخرين، لكن دخولهم لم يتوقف عمليا حتى نهاية العام. وطوال الفترة الاخيرة توافد آلاف العمال الاجانب للعمل في قطاع الخدمات الاجتماعية، كذلك استأنفت الحكومة مؤخرًا السماح بدخول العمال الاجانب للعمل في قطاعي الزراعة والبناء. وبالمحصلة، ففي الوقت الذي قامت فيه الشرطة بطرد نحو 16 الف مهاجر عمل غير قانوني، دخل الى اسرائيل ما لايقل عن 7500 عامل جديد، وذلك وفقا لمعطيات وزارة الداخلية ومصلحة التشغيل. ومن المحتمل ان يتضاعف هذا الرقم خلال الاشهر القليلة المقبلة نظرا لان عدد تأشيرات العمل في فروع البناء والزراعة و الصناعة و الفنادق و المطاعم سيرتفع حتى نهاية العام الحالي، حسب ما صرح به نائب الوزير ميخائيل رتسون، من 88 الف تأشيرة الى نحو 95 الف. وبطبيعة الحال فان اي عامل اجنبي يأتي بطريقه قانونية، يمكن ان يتحول بسهولة الى "مقيم غير قانوني" بسبب سياسة " التكبيل" التي تلزمه بالعمل فقط لدى رب العمل الذي احضر باسمه الى اسرائيل، والتي (اي السياسة ذاتها) تسحب من مثل هذا العامل مكانته القانونية في اللحظة التي يترك فيها رب عمله الاصلي بغض النظر عن السبب.
طرد بطريقة وحشية
تقول حنه زوهر، مديرة جمعية "خط للعامل"، ان الشرطة "نجحت بلا شك في طرد وردع (عمال اجانب).. والسؤال بأي ثمن؟!". وتضيف مُوضّحة ان "الصورة التي تم فيها الطرد تعتبر وحشية، احياناً غير قانونية، وفي الغالب غير انسانية".
في التقرير القاسي الذي اصدرته الجمعية في شهر ايار الماضي، بالتعاون مع مركز مساعدة العمال الاجانب في اسرائيل، جرى توثيق عشرات الحالات التي تعرض فيها عمال اجانب للضرب على ايدي افراد الشرطة الاسرائيلية، واقتحام مساكنهم في ساعات متأخرة من الليل، ومصادرة الحقوق القضائية للعمال المقرر طردهم، بما في ذلك حقهم بالاعتراض على اوامر الطرد.
ويشير التقرير الى انه ورغم الواجب المنصوص عليه في القانون باعطاء مهلة مدتها 72 ساعة من موعد تسليم امر الطرد لاتاحة امكانية الاعتراض فان عمليات الطرد تتم قبل انتهاء هذه المهلة. كذلك افاد عمال اجانب بأنهم "اضطروا تحت التهديد للتوقيع على وثيقة باللغة العبرية كتب فيها انهم يتنازلون عن حقهم في الاعتراض وانهم يريدون ان يتم طردهم بأسرع وقت ممكن".
مداهمات الشرطة وحملتها الاعلامية الواسعة ضد الاجانب وضد اصحاب العمل حدت بالدكتورة رفكا رايخمن، المحاضرة في علم الاجتماع بجامعة حيفا والباحثة في مجال العمال الاجانب الى القول ان "ما أنجز في السنة الاخيرة – من جانب سلطات الدولة – هو فرض نظام من الارهاب وتحويل حياة مهاجري العمل الى جحيم". فهم يضطرون للسفر والتنقل بسيارات الاجرة عوضًا عن الباصات، تحاشيًا لمداهمات وملاحقة الشرطة.. لقد اعتادوا العيش "تحت الارض" كالسير في شوارع جانبية والخروج خلال ساعات الليل فقط، والترفيه عن انفسهم داخل مساكنهم بدلا من الخروج.
ويمارس الردع تجاه اصحاب العمل ايضا حيث جرى خلال السنة الاخيرة مضاعفة قيمة الغرامة المالية على تشغيل عامل غير قانوني (من 5000 الى 10000 شيكل) وسجلت اكثر من 3000 مخالفة من جانب مفتشي وزارة العمل وقدمت نحو 400 لائحة اتهام ضد اصحاب عمل ويجري اعداد 500 لائحة اتهام اخرى.
مع ذلك فان طرد العمال الاجانب لم يحقق حتى الآن هدفه الرئيسي المتمثل بالحد من البطالة التي شهدت خلال السنة الماضية مزيدا من الارتفاع والتفاقم.
لكن اقامة شرطة الهجرة اعتبرت في نظر رئيس الوزراء على الاقل خطوة ناجحة ولو كان ذلك فقط بسبب التقارير التي تلقاها ومؤداها انه تم لغاية الآن طرد اكثر من 50 الف اجنبي، وهو الرقم الذي حدده شارون عند اقامة شرطة الهجرة. وبطبيعة الحال فان الرقم المذكور يتغاضى عن التمييز بين الطرد وبين المغادرة " الطوعية" فمن ناحية فعلية من المشكوك فيه اذا كان بالامكان نسب اكثر من نصف هذا الرقم لشرطة الهجرة.
يشار الى ان الحكومة قررت رفع رقم العمال الاجانب المستهدفين بالطرد خلال العام الجاري الى 100 الف.
(هآرتس 31/8)