المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تحليل أخباري
  • 1191

كثرت الانتقادات الاميركية لإسرائيل في الايام الاخيرة، وخصوصا حول توسيع المستوطنات عموما ومستوطنة معاليه ادوميم على وجه الخصوص. وأوحت مصادر اسرائيلية بأن وراء هذه الانتقادات رغبة أميركية في إجبار ارييل شارون على الانصياع للإرادة الاميركية وتجميد الاستيطان. بل ان البعض ذهب الى حد القول إن العلاقات بين الطرفين تشهد ازمة.

 

ومن مراجعة المناسبات واللقاءات الهامة لرئيس الحكومة الاسرائيلية ارييل شارون، يتبيّن ان انصاره والمقربين منه، عملوا على الدوام وفق مبدأ تقليص التوقعات من اجل اظهار حجم الانجاز لاحقاً. وليس من المستبعد ان ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش، التي كانت الاقرب الى تنفيذ المطالب الاسرائيلية، باتت طرفاً في اللعبة الاسرائيلية هذه.

فقبل ايام من زيارة شارون للولايات المتحدة جرى تسريب اقوال السفير الاميركي في تل ابيب دان كيرتسر بشكل مشوّه لإجبار الادارة الاميركية على توضيح موقفها من المستوطنات، وبالفعل انبرى قادة الادارة، من بوش ورايس وصولاً إلى الناطقين باسميهما، للحديث عن مقدار التفهم الاميركي لـ"الكتل الاستيطانية". ويبدو ان "معركة" شارون الحقيقية في واشنطن ليست الكتل الاستيطانية، وإنما "مجالها الحيوي".

فأرييل شارون يعرف اكثر من سواه حقيقة ما يجري بين اسرائيل والولايات المتحدة بخصوص المستوطنات. فالولايات المتحدة دأبت منذ عام 1967 على مطالبة إسرائيل بعدم العمل من طرف واحد على تغيير الوضع القانوني للمناطق المحتلة. وهي على هذا الصعيد لم تعترف "رسميا" بالقدس عاصمة للدولة اليهودية، مثلما لم تعترف بضم هضبة الجولان الى اسرائيل. ولكن هذا الموقف "الرسمي" لم يمنع الكونغرس الاميركي من سن قانون يلزم حكومته بنقل السفارة الاميركية الى القدس، بل والشروع ببناء المقر الدائم لهذه السفارة هناك. كما ان هذا الموقف لم يدفع الادارة الاميركية الى اتخاذ اي موقف عملي ضد الاستيطان ليس في الضفة والقطاع وحسب، وإنما كذلك في هضبة الجولان المحتلة.

والواقع ان ادارة بوش قبلت، بأشكال مختلفة، ادارة اسرائيل للعبة "القط والفأر" في كل ما يتعلق بالمستوطنات. فهذه الادارة، مثل كل الادارات منذ حرب 1967 وحتى اليوم، تفرح لممارسة هذه اللعبة. فهي تدين الاستيطان وقتما تريد، وتطالب بوقفه وتجميده حيناً آخر، وتقدم له الدعم غير المباشر والمباشر في اوقات اخرى.

فالمستوطنات التي اقيمت في القدس الشرقية باتت في نظر الادارات الاميركية المتعاقبة "أحياءً يهودية" في القدس. ومشروع كلينتون يقسم القدس بين العرب واليهود وفق "رؤية عادلة" تقوم على ان ما هو يهودي لإسرائيل، وما هو عربي لفلسطين. ولكن هذا المشروع يتجاهل مشاريع السلب الهائلة لأراضي القدس ويعترف بها ويدعو الى عدم تغيير الواقع الجديد الناشئ.
ويذهب الرئيس الاميركي الحالي جورج بوش خطوة اخرى فيعلن عبر "رسالة الضمانات" التي بعث بها لرئيس الحكومة الاسرائيلية في العام الفائت انه يتفهم بقاء "التجمعات السكانية الاسرائيلية" المقامة في الضفة الغربية تحت السيادة الاسرائيلية في اي تسوية دائمة. ولكن شارون لا يكتفي بذلك بل يريد، بوسائل مختلفة، من الرئيس الاميركي الاقرار كذلك بحق هذه "التجمعات" في الحياة من خلال امتلاك القدرة على التطور والتوسع. وهذا يعني المطالبة بالسماح لإسرائيل بتوسيع الكتل الاستيطانية. وفي هذا السياق من الضروري الاشارة الى ان ايهود باراك "المعتدل" كان يطمح الى ضم 80% من المستوطنين في مستوطناتهم الى اسرائيل.

ولكن الكتل الاستيطانية لا تضم حتى الآن سوى 57%، الامر الذي يعني ان المطامع الرسمية الاسرائيلية، حتى في صورتها "المعتدلة"، لا تتوقف عند الكتل الاستيطانية.

ومهما تكن الحال، فإن سعي الادارة الاميركية لتأجيل زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس (ابو مازن) ورفض تنسيق زيارات العديد من الزعماء العرب يشهد على ان بوش ليس في وارد معاقبة شارون. بل يمكن القول ان زيارة شارون هذه أعدت أصلاً من اجل مكافأته على تمرير خطة الفصل حتى قبل الشروع بتنفيذها. ولا يمكن، حتى في ظل ما يشاع عن خلافات، استخدام الزيارة من اجل تغيير وجهتها بشكل مطلق.

وبوسع العرب عموماً، والفلسطينيين خصوصاً، ان يعربوا فقط عن املهم في ان لا يستغل بوش زيارة شارون من اجل تقديم المزيد من المكافآت له. وهذه المكافآت اليوم لم تعد تنحصر في الموقف من السلطة الفلسطينية او من ترسيخ "الفجوة النوعية" بين اسرائيل والدول العربية، وإنما كذلك في تحقيق اهداف اسرائيل والاعتداء على دول عربية. وبعد إتمام الغزو الاميركي للعراق يعرض شارون مصلحة اسرائيل في تدمير المشروع النووي الايراني وإلغاء حالة الممانعة العربية. فهل يقود بوش "حملة صليبية" اخرى، سياسية او عسكرية، ضد دول عربية جديدة؟.

 

المصطلحات المستخدمة:

باراك

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات