المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

*يدرك قادة الليكود انهم كلهم أيضا يقفون على سجادة واحدة وأن أية هزة عنيفة لها سيسقطون جميعا، وهم يدركون ان هذا ما واجههم في العامين 1992 و1999 حين خسروا الحكم بسبب خلافاتهم الداخلية* نتنياهو يغلف معركته بذرائع سياسية، وسبب نجاح شارون هو عدم وجود شخصية قوية تقود المعسكر المتشدد امامه*

يتجلى عدم استقرار الحلبة الحزبية في اسرائيل في الايام الأخيرة بتأثرها المباشر بأي تطور خارجي قد يحصل، وأبرز هذه التطورات كان تدهور صحة الرئيس ياسر عرفات، الذي طرح بسرعة العديد من الاسئلة التي تتعلق بمستقبل التطورات داخل الحلبتين السياسية والحزبية. وبطبيعة الحال فإن الحلبة الحزبية الاسرائيلية هي على موعد في صباح غد الاربعاء مع المزيد من قلب الاوراق واعادة تنظيمها، مع ظهور اولى نتائج الانتخابات الاميركية، ايا كانت.

لقد تركزت الانظار في الايام الأخيرة في اسرائيل على مستقبل حزب الليكود الحاكم، بزعامة اريئيل شارون، وامكانيات واحتمالات الانشقاق فيه، خاصة مع احتدام الصراع فيه على صعيدين، الاول بين المعارضين لخطة الفصل وبين المؤيدين لها، والثاني بين وزير المالية بنيامين نتنياهو وبين شارون، إذ يشن الاول معركة لضمان هزيمة شارون في الانتخابات الداخلية على زعامة الحزب، ويغلف نتنياهو معركته بقضايا سياسية مثل فرض استفتاء شعبي وغيره.

كما كان متوقعا، فإن الأزمة في هذا الحزب، الذين يعتبر حاليا أكبر احزاب اسرائيل على الاطلاق من حيث الوزن البرلماني وايضا الشعبي، احتدمت مع اقرار الكنيست الاسرائيلي لخطة الفصل يوم 26/10/2004، وقد أدرك نتنياهو في الايام الأخيرة ان خطة شارون ستحظى بأغلبية كبيرة وبفارق واضح جدا، وهذا ما سيعزز مكانة شارون بين الجمهور العام، وايضا يقلل من حجم المعارضة له داخل حزبه، وكل هذا سيقود الى فوز شارون بولاية ثالثة في زعامة الليكود، وقيادته في أية انتخابات برلمانية مقبلة، وهذا ما لا يمكن لنتنياهو قبوله.

نتنياهو يركب على قضية الاستفتاء

سارع نتنياهو، كما يؤكد المراقبون، للبحث عن أية منصة تشوش "مسيرة فوز شارون"، واختار بسرعة مسألة الاستفتاء العام، هذه الفكرة التي ما زال يرفضها شارون، فحاول نتنياهو قيادة الحملة لفرضها على شارون، وجند لها حاخامين وأحزابا يمينية، وجنّد ايضا حزب "المفدال" الديني اليميني المتشدد، المشارك في الائتلاف الحكومي.

وامام معارضة شارون المستمرة، حاول نتنياهو في الساعات الأخيرة قبل التصويت في الكنيست على خطة الفصل ان يضغط على شارون من خلال تقليل الفارق بين المؤيدين والمعارضين للخطة، وتبين اكثر ان نتنياهو اراد الاستفادة من اصوات ستة نواب عرب معارضين للخطة هم اعضاء كتلتي "الجبهة الديمقراطية والعربية للتغيير" و"التجمع الوطني الديمقراطي"، وقد جند الى جانبه ثلاثة وزراء ونائبين لكي يصوتوا ضد الخطة، لتصبح النتيجة 61 نائبا مؤيدا ومعارضة 57 نائبا وامتناع واحد وغياب نائبة.

وقد انتبه الى هذا الأمر النواب الستة، الذي عارضوا بشدة نص خطة الفصل الذي عرض عليهم لما فيه من مضامين خطيرة على مستقبل الحل الدائم، ولكنهم ايضا يعارضون بشدة مسألة الاستفتاء العام لما فيها هي ايضا من خطورة، إذ تعطي الحق لشعب تحتل حكومته ارض شعب آخر بأن يقرر إذا ما تنسحب حكومته من الارض المحتلة أم لا.

ومن خلال مناورة برلمانية ذكية، قرر النواب الستة وبشكل مفاجئ الامتناع عن التصويت على الخطة، الأمر الذي غير اوراق اللعبة عند نتنياهو ومجموعته، فاضطر مرغما عنه إلى تأييد الخطة لكي لا يطرده شارون من حكومته دون ان ينجز شيئا.

ومن اجل الحفاظ على ما تبقى من ماء الوجه، اطلق نتنياهو تهديدا لشارون، مفاده انه إذا لم يقرر شارون خلال اسبوعين، بمعنى حتى الاسبوع القادم، اجراء الاستفتاء العام فإنه سيستقيل سوية مع وزيرة التعليم ليمور ليفنات (تراجعت لاحقًا عن تهديدها واعتذرت لشارون).

يؤكد المراقبون ان نتنياهو بهذا التهديد وضع نفسه على شجرة عالية، يريد النزول عنها ولا يعرف كيف، فخروجه من الحكومة سيبعده عن الاضواء التي يعشقها، وسيبعده عن موقع القرار، في الوقت الذي يتعزز فيه وجود شارون بقوة على الساحة السياسية، الى جانب "تودد دولي"! له في اعقاب اقراره لخطة الفصل.

وكما ذكرنا في البداية فقد ظهرت فجأة مسألة تدهور الحالة الصحية للرئيس عرفات، وهذا الامر طرح الكثير من الاسئلة على الساحة السياسية الاسرائيلية، بضرورة او غير ضرورة، وقد يجد نتنياهو في هذا "التطور" ثغرة معينة، تساعده على اختلاق سيناريو يسمح له بالتراجع عن تهديده.

المعسكر المتشدد

في كل الأزمة التي عايشها حزب الليكود ظهر على الساحة معسكران في حالة مواجهة حادة الى جانب معسكر وسطي انتهازي يتقلب في مواقفه يقوده نتنياهو ومعه بعض القادة الذين يبحثون عن قاعدة تعزز مكانتهم في الليكود وتدفع نتنياهو الى زعامة الحزب.

أما المعسكران فهما: الاول بقيادة شارون ومعه الاغلبية الضئيلة، فشارون يريد الانفصال عن قطاع غزة، لأنه يريد انقاذ نفسه من اية مبادرات دولية اوسع، ولكي يقدم "فواتير" للاسرة الدولية تسمح له بالانقضاض على ما تبقى من اراضي الضفة الغربية لتوطيد الاستيطان فيها والقضاء على احتمال اقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات مقدرة على الحياة.

وفي المقابل هناك المعسكر المتشدد اكثر، والذي يضم نواة ايديولوجية يمينية بزعامة الوزير "المخلوع" عوزي لنداو، والى جانبه قوى اليمين المتطرف وعلى رأسهم ممثلو المستوطنين، وعناصر محسوبة على الحركات اليهودية الارهابية التي تسللت الى صفوف الليكود، وخاصة الى لجنته المركزية، ليؤثروا على الحزب من الداخل. وهذا المعسكر بالذات هو الذي يهدد بانقسام في الحزب، بعد ان لم يعد باستطاعة اعضائه القبول بتطبيق الخطة. وقد يتصاعد الموقف والخلاف مع هذه المجموعة مع اقتراب شهر آذار/ مارس، الموعد المفترض لاقرار اخلاء مستوطنات قطاع غزة وشمالي الضفة الغربية.

ولكن قد يسبق هذا بكثير احتمال ان ينجح شارون ومعه زعيم "العمل" شمعون بيريس في تشكيل حكومة "وحدة قومية"، فهذه الخطوة لا شك في انها ستزيد من الشرخ الحاصل داخل الليكود، وهذا لسببين رئيسيين، الأول هو رفض معسكر المتشددين لدخول "العمل"، بادعاء ان "العمل" سيجر شارون نحو خطوات سياسية يرفضونها، على صعيد العملية السياسية مع الفلسطينيين. اما السبب الثاني فإن هذه الخطوة ستعني ان يفقد عدد من قادة الليكود حقائب هامة، لذلك فإن شارون سيشعر بارتياح إذا ما قرر نتنياهو فعلا مغادرة الحكومة هو ووزيرة المعارف ليمور ليفنات، لانهما سيخليان حقيبتان دسمتان تبدد السبب الثاني للمعارضة داخل الليكود (هذا الاحتمال لم يعد ينسحب على ليفنات بعد أن تراجعت عن حلفها مع نتنياهو).

وما يفتقر له هذا المعسكر المتشدّد هو الشخصية الجذابة التي تكون قادرة على الوقوف في وجه شارون وتشكيل تحد له في اية منافسة مقبلة على زعامة الحزب، أو حتى قيادة معسكر اليمين.

احتمالات الانشقاق

من الصعب حاليا معرفة حجم الكتلة في داخل الليكود التي هي على استعداد لشق الحزب، فهناك تمايز بين المجموعات المختلفة، فمثلا، اليمين المتطرف والارهابي ليس قلقا على وحدة الليكود، بقدر قلقله على مكانته كقوة قادرة على الاستمرار في تحديد برنامج الليكود السياسي، ولهذا فإن هذه المجموعة ستقرر مكانتها في اللحظة الأخيرة في اي انشقاق مستقبلي بحسب مصلحتها السياسية.

في المقابل فإن عوزي لنداو، وهو على الأغلب سيستصعب البقاء في حزبه الذي ولد وترعرع فيه، الليكود، بعد ان أقر خطة الفصل، قد يختار البحث عن بيت حزبي آخر او ان يشكل اطارا حزبيا جديدا. ولكن أمام لنداو ستكون تجربة طازجة نسبيا، لشخصية أكثر كفاءة منه، وهو بنيامين بيغن، نجل رئيس الحكومة الاسبق مناحيم بيغن، فبنيامين بيغن استقال من الحكومة في اعقاب اتفاقية واي بلانتيشن (الانسحاب من الخليل)، وبالتالي خرج من حزب الليكود، وشكل حزبا جديدا أوصل بالكاد اربعة اعضاء الى الكنيست في انتخابات 1999، وسرعان ما تفتت كتلته البرلمانية بعد استقالته واعتزاله الحياة السياسية. فحتى شخصية بيغن الابن لم تكن قادرة على جذب قسم جدي من الليكود، فكيف سيكون الحال مع لنداو.

إن الشخص الذي بامكانه، نظريا، ان يقود انقساما جديا في الليكود هو نتنياهو، ولكن لنتنياهو حسابات أخرى، فهو لا يقف على ارضية فكرية واضحة وعلى اساسها يريد الانشقاق، بل ان هدفه الأعلى هو العودة الى كرسي رئاسة الحكومة. وحتى الآن، وايضا في المستقبل القريب، فإن المعادلة في اسرائيل للوصول الى كرسي رئاسة الحكومة ما زالت محصورة بين حزبي "العمل" و"الليكود"، ونتنياهو يدرك هذا جيدا، ولهذا فإنه سيبذل جهدا أكثر لاقصاء شارون عن زعامة الليكود.

انشقاق وانسلاخ جماهيري

على اية حال فإن الليكود لن يبقى على حاله، ولا بد ان يحدث فيه انشقاق معين، ولكن ليس بالقدر الذي يسدل الستارة على هذا الحزب، الذي هو واحد من اربعة أحزاب ما زالت قائمة منذ قيام اسرائيل، ومنها ما هو قائم قبل اسرائيل بعشرات السنوات.

ولكن من جهة أخرى فإن هذا الوضع وهذه الأزمة العاصفة في الحزب ستدفع بالكثير من الكوادر، ومنها الكوادر التقليدية، للوقوف جانبا، وهذا ما سينعكس ايضا على قوة الحزب البرلمانية في الانتخابات القادمة التي لا بد وان تتراجع.

يدرك قادة الليكود انهم كلهم يقفون على سجادة واحدة وأن أية هزة عنيفة لها سيسقطون عنها جميعا، وهم يدركون ان هذا ما واجههم في العامين 1992 و1999 حين خسروا الحكم بسبب خلافاتهم الداخلية، ومن بينهم من لا يتوقف عن التذكير بهذين العامين حين خسر الحكم لصالح حزب "العمل".

لقد وصل الليكود الى الحكم لأول مرة في العام 1977، حين اقصى حزب "العمل" الذي حكم اسرائيل على مدى 29 سنة متواصلة، وفقط في تلك السنوات نجح في البقاء في الحكم على مدى ولايتين متتاليتين، إذ نجح ايضا في انتخابات العام 1981، ولكنه في العام 1984 اضطر لتقاسم الحكم مع حزب "العمل" ضمن حكومة وحدة قومية. وتكرر الأمر في الانتخابات التالية في العام 1988، ولكن هذا التحالف انهار في العام 1990، وتبعه سقوط الليكود عن الحكم في العام 1992، الذي عاد اليه بقيادة نتنياهو في العام 1996، ثم سقط في العام 1999، وعاد اليه بنصف ولاية في العام 2001 بقيادة شارون، الذي قاد حزبه في انتخابات العام 2003، ونجح منذ ذلك الوقت في ان يكون الحزب الاكبر دون منازع.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات