بقلم: أنطون شلحت
طبقا لاستطلاعات الرأي الإسرائيلية الأخيرة، التي ظهرت في نهاية الأسبوع الفائت، لا يزال رئيس الوزراء الاسرائيلي أريئيل شارون يتمتع بشعبية عالية وكذلك بثقة الجمهور الإسرائيلي، على رغم التحقيقات ذات الخلفية الجنائية التي يجريها البوليس مع نجليه، الأكبر عضو الكنيست "عومري" والأصغر "غلعاد"، حول قضايا رشى وفساد تطول شارون الأب برشاشها، وعلى رغم التزام النجلين حتى الآن جانب الصمت المطبق الذي يدلل، وفق ما تعتقده غالبية الجمهور الإسرائيلي، على أن لأسرة شارون ما تواريه عن أعين الناس وهيئات "الحفاظ على القانون" في إسرائيل، حسبما أكد 59 بالمئة من المستجوبين في استطلاع "يديعوت أحرونوت" (أجراه معهد "داحف" بإدارة الأخصائية مينا تصيمح، وشمل 500 شخص يمثلون السكان البالغين في إسرائيل، مع هامش خطأ نسبته القصوى 4،5 بالمئة - 8/8/2003).
ويُظهر الإستطلاع في "يديعوت" أيضا أن 64 بالمئة من الإسرائيليين أجابوا بـ "لا" على السؤال فيما إذا كان يتعين على شارون، حيال تلك التحقيقات، أن يعتزل رئاسة الوزراء، مقابل 30 بالمئة أجابوا بـ "نعم" على السؤال نفسه. وزادت نسبة الذين قالوا إن التحقيقات مع الشارونين لن تؤدي لاعتزال شارون الأب في المستقبل المنظور إلى 67 بالمئة، مقابل 23 بالمئة قالوا إنها ستؤدي إلى اعتزاله القريب.
غير أن استطلاع "معاريف"، الذي أجرته الصحيفة مع معهد "هغال هحداش" ("الموجة الجديدة") للاستطلاعات، أظهر أن المعطى شأن تأييد استمرار شارون في منصبه غير الثابت البتة، طالما أن التحقيقات لم تبلغ منتهاها بعد، وأن ما نشر حتى الآن ضده لا يزال في إطار الشبهة فقط. فقد قال 63 بالمئة من المستجوبين (شمل الاستطلاع 605 أشخاص من السكان البالغين في إسرائيل مع هامش خطأ نسبته القصوى 4 بالمئة - 8/8/2003) إنه في حالة ثبوت كون شارون ارتكب مخالفات ضد القانون في القضايا التي تدور حولها تحقيقات البوليس فأنهم يؤثِرون أن يعتزل منصبه كرئيس الوزراء، مقابل 26 بالمئة فقط قالوا إنهم يفضلون أن يواصل تقلد هذا المنصب. كما تؤكد عدم ثبات المعطى السالف في استطلاع "يديعوت" النسبة الضئيلة (21 بالمئة) في استطلاع "معاريف" التي تعتقد، بموجب حدسها البحت ووفقا لما نما إلى علمها من وقائع القضايا الخاضعة لتحقيق البوليس، بأن شارون غير متورط في قضايا فساد، مقابل نسبة 79 بالمئة تعتقد بأنه متورط في قضايا كهذه (44 بالمئة) أو لا تعرف فيما إذا كان مترطاً أم لا (35 بالمئة). بل يمكن القول إن في استطلاع "يديعوت" معطى آخر في ترجيح التوكيد نفسه يتمثل في اعتقاد 55 بالمئة من المستجوبين بأن تحقيقات البوليس تؤثر سلباً على جوهر الممارسات التي يؤديها شارون بصفته رئيساً للوزراء.
لعل الخلاصة المطلوبة من هذه المعطيات هي أن حكومة شارون تسير، من الآن فصاعدًا، فوق رمال متحركة تبدو معها مسألة استقرارها أو عدمه مرتبطة أكثر شيء بالوقت ومجريات تحقيقات البوليس.
ويعزو سيفر فلوتسكر، في "يديعوت"، الثقة العالية التي لا يزال شارون مستأثرًا بها في أوساط الرأي العام الإسرائيلي إلى تكرس نمط من التسامح بين هذه الأوساط إزاء الذين يرتكبون مخالفات تتعلق بتمويل حملاتهم الانتخابية، يحيل بدوره على شعور عام بأن جميع الساسة في إسرائيل وخارجها غير منزهين عن فعل الأمر نفسه. هذا في جهة واحدة. وفي جهة أخرى، طالما أن تحقيق البوليس ما زال جارياً ولم يتوصل إلى أي نتائج ملموسة بعد، فإن محاسبة شارون تبقى مشروعاً مؤجلاً، مثله مثل عديد من المشاريع الإسرائيلية المؤجلة، التي تكشف عن طبيعة هذا المجتمع. في الوقت نفسه فإن الأجندة الإسرائيلية لا تزال متمحورة حول كيفية الخروج من المواجهة الحامية مع الفلسطينيين وكيفية الخروج من الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة. في هذين البندين تحديدا فإن شارون، في اعتقاد الجمهور الإسرائيلي، لم يقل كلمته بعد.
1- المواجهة مع الفلسطينيين
يؤكد استطلاعان أن الهدوء الطارئ على العلاقة مع الفلسطينيين "هدوء مؤقت". وهذا المنحى يتماشى تماما مع ما تروج له الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وفي طليعتها وزير "الأمن" شاؤول موفاز.
يعتقد 71 بالمئة من الإسرائيليين، في استطلاع "يديعوت"، بأن العمليات الاستشهادية الفلسطينية ستتجدد بعد أسابيع معدودة (هل تذكرون تصريحات موفاز في هذا الصدد؟). وفقط واحد من بين كل خمسة يبدو متفائلا حيال المستقبل.
وبدوره يشير فلوتسكر إلى أن خوف الإسرائيليين من هذه العمليات أصبح غائماً لكنه لم يتبدد تمامًا. وقد قال 61 بالمئة، أيضًا إنهم يخشون من أن يكونوا هم أنفسهم أو أحد أفراد أسرتهم "ضحايا" لهذه العمليات. ومع أن هذه النسبة تناقصت عن النسبة التي أظهرها استطلاع مماثل في شهر آذار/مارس (68 بالمئة) إلا أنها لا تزال عالية.
أما في استطلاع "معاريف" فقد قال 81 بالمئة إن وقف إطلاق النار بين إسرائيل والفلسطينيين، الذي بدأ العمل به قبل أكثر من شهر، غير محافَظ عليه البتة، من طرف الجانب الفلسطيني طبعا(!)، أو أن الحفاظ عليه يتم في نطاق ضئيل (34 بالمئة و47 بالمئة على التوالي)، في حين أن 15 بالمئة فقط قالوا إن الحفاظ عليه والالتزام به هما على نطاق كبير. وقال 51 بالمئة إنهم لا يستمتعون بالعطلة الصيفية لأولادهم (41 بالمئة) ولا يعرفون فيما إذا كانوا مستمتعين بها أم لا (10 بالمئة).
2- الأزمة الاقتصادية
الأوضاع الاقتصادية المتدهورة حظيت بسؤال واحد فقط في استطلاع "معاريف"، ولم تحظ بأدنى التفاتة في استطلاع "يديعوت". وقد قال 70 بالمئة إن إسرائيل لا تسير حاليا في الطريق الصحيحة لمعافاة أوضاعها الاقتصادية (59 بالمئة) وإنهم لا يعرفون فيما إذا كانت تسير في الطريق الصحيحة أو غير الصحيحة (11 بالمئة). فقط 30 بالمئة قالوا إنها سائرة في الطريق الصحيحة.
بيد أن الثقة التي يتمتع بها شارون في أوساط الرأي العام الإسرائيلي ناجمة، فضلا عما تقدم، وربما في الجانب الأكثر إثارة، عن تضاؤل ثقة الرأي العام هذا في أي زعيم آخر من المرشحين لخلافته داخل حزب "لليكود".
لقد طرح استطلاع "يديعوت" الأسماء التالية: بنيامين نتنياهو (وزير المالية) وشاؤول موفاز (وزير "الأمن") وإيهود أولمرت (وزير التجارة والصناعة والقائم بأعمال رئيس الوزراء) وسيالفان شالوم (وزير الخارجية) وليمور ليفنات (وزيرة التربية والتعليم). وكانت النسبة العالية من نصيب الإجابة الذاهبة إلى أي من هؤلاء غير مرغوب فيه من قبل الجمهور لخلافة شارون (35 بالمئة).
أما استطلاع "معاريف" فقد طرح الأسماء نفسها، مضافا إليها اسم مئير شطريت (الوزير في وزارة المالية). وهنا أيضا كانت النسبة الأعلى من نصيب الإجابة القائلة إن أيا من هؤلاء غير أثيرٍ لدى الجمهور لخلافة شارون أو أن المجيب لا يعرف (46 بالمئة).
داخل ذلك بقي بنيامين نتنياهو المرشح الأوفر حظاً، حيث قال 27 بالمئة في استطلاع "يديعوت" إنهم يرغبون في أن يكون خليفة شارون كرئيس الوزراء، في حين قال 22 بالمئة في استطلاع "معاريف" إنهم يرغبون بذلك. وترتفع نسبة الراغبين بأن يكون نتنياهو خليفة شارون في أوساط مصوتي "الليكود" إلى 48 بالمئة في استطلاع "يديعوت" و 38 بالمئة في استطلاع "معاريف".
ويظهر في الاستطلاعين أن المنافس الجدي الوحيد لنتنياهو هو وزير "الأمن" شاؤول موفاز (20 بالمئة في استطلاع "يديعوت" و 21 بالمئة بين مصوتي "الليكود").
يقول حيمي شاليف، من "معاريف"، إنه لدى إصاخة السمع إلى الهمسات والوشوشات المتزايدة في الوسط السياسي فأن الانطباع العام هو أنه مقبل على اعتزال منصبه في غضون فترة قريبة. إذا ما حصل ذلك فعلا فإن حرب الوراثة في "الليكود" قد بدأت بصورة غير رسمية. والشيء الأكيد الآن أنه لا مناص من عودة نتنياهو إلى رئاسة الوزراء الإسرائيلية.
يبدو من السابق لأوانه الآن الدخول في تكهنات حول طابع الدرب السياسي الذي سيسلكه نتنياهو. وهذا ما يستنكف عنه أيضا المعلقان على الاستطلاعين. لكن شاليف يورد ملاحظة هامة في هذا الشأن مؤداها أنه على رغم عدم إيمان غالبية الجمهور بطول عمر وقف إطلاق النار بين إسرائيل والفلسطينيين، فإن هذا الجمهور يؤثر الآن ("بعد أن ذاق طعم الهدوء") الدبلوماسية أولا. ويدلل على ذلك الإشارة إلى أن نسبة 23 بالمئة فقط (استطلاع "معاريف") دعت إلى إلغاء وقف إطلاق النار ردًا على التطورات التي أعقبته، مثل العملية الفدائية قرب مستوطنة "غيلو"، بينما قال 65 بالمئة من الإسرائيليين أنه "ينبغي على إسرائيل ممارسة ضغط سياسي على الفلسطينيين"، من خلال الاحتفاظ على الإتفاق المذكور. وتبلغ نسبة المؤيدون للحفاظ على هذا الإتفاق بين مصوتي الأحزاب اليمينية 58 بالمئة، في حين ترتفع نسبة الداعين إلى إلغاء الإتفاق بينهم إلى 36 بالمئة.