المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • منوعات
  • 2675

أثار احتضان حزب "الليكود" لمغني الراب اليميني المتطرف يوآف إلياسي المعروف بلقب "الظل"، الأسبوع الماضي، جدلا واسعاً في أوساط هذا الحزب خاصة وفي الساحة السياسية ـ الحزبية الإسرائيلية عامة، فيما طالبت مجموعة من أعضاء الحزب ونشطائه رئيسَ الحزب ورئيسَ الحكومة، بنيامين نتنياهو، في

رسالة خاصة وجههوها إليه، بمنع ضم "الظل" إلى الحزب "حفاظا على صورته"، إذ إنه (الليكود) "لا يُعتبر يميناً متطرفا"! بينما اعتبر أعضاء كنيست كانوا أعضاء في "الليكود" من قبل وانتقلوا إلى أحزاب أخرى أن انضمام "الظل" إلى حزب الليكود الحالي "ليس مفاجئا وليس مثيرا" (تسيبي ليفني) وأن "الظل هو الوجه الحقيقي لليكود الذي هرب منه تلامذة جابوتنسكي منذ زمن بعيد" (يوئيل حسون).

في المقابل، اعتبر عضو الكنيست أورن حزان، الذي "جنّد" مغني الراب إلى عضوية الليكود أن "انضمام الظل يعني إضافة قوة هائلة إلى الليكود"! بينما قال "الظل" إنه يخطو هذه الخطوة "لأنني أريد إعادة الليكود إلى ما كان عليه في السابق ـ يمين خالص"!

وقد قوبل انضمام "الظل" إلى الليكود باستياء وقلق كبيرين من جانب عدد من قادة الليكود الحاليين والسابقين الذين رأوا في ذلك "استمرارا لمحاولات جرّ الليكود إلى مزيد من التطرف والشعبوية التعصبية". ومن بين القادة الحاليين، برزت بشكل خاص معارضة عضوي الكنيست تساحي هنغبي وبيني بيغن، إذ أكد الأخير أن "دستور الليكود يتيح عدم الموافقة على انضمام شخص ما إلى الحزب، وينبغي تطبيق ذلك على إلياسي".

وأضاف بيغن: "من المحظور ضم شخص يمارس البلطجية ويفاخر بها ويحرّض الآخرين على سلوك مماثل. وحين يقدم ترشيحه إلى الليكود، فإنه يلقي بظله عليّ أنا أيضا".

أما الوزير وعضو الكنيست السابق دان مريدور، أحد القادة البارزين السابقين لليكود، فقد اعتبر أن "الظل يجسد فظاظة غير مقبولة. كنت أتوقع من قيادة الليكود تشكيل قدوة للسلوكيات الأخلاقية والتربوية وليس للتعاطف مع مثل هذه الظواهر. وأنا شخصيا كنتُ قد قلت في حينه: كل مَن يصوّت لفيغلين (موشيه فيغلين، عضو كنيست سابق من الليكود) أرجو أن لا يصوّت لي"!

وعبر مريدور عن قلق عميق حيال ما يحصل في "بيتي السياسي السابق"، كما يصفه، خلال السنوات الأخيرة مؤكداً "أجد صعوبة كبيرة في قبول طريق الليكود الحالية. الأمر يبدو غير جيد، إطلاقا".

يذكر أن مريدور (69 عاما) هو نجل إلياهو مريدور، أحد قادة عصابة "إيتسل" الصهيونية ثم عضو الكنيست الإسرائيلي عن حركة "حيروت" و"غاحل". وكان مريدور الابن قد أشغل منصب سكرتير حكومة مناحيم بيغن في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات، ثم انتخب عضوا في الكنيست في قائمة "حيروت" في العام 1984. وفيما بعد، أشغل منصب وزير العدل ثم وزير المالية. وبعد أن عاد إلى النشاط السياسي ضمن قائمة "الليكود" بعد "فترة استراحة" استمرت بضع سنوات، أشغل منصب نائب رئيس الحكومة والوزير المسؤول عن أجهزة الاستخبارات ولجنة الطاقة النووية. ولكن، في الانتخابات التمهيدية الداخلية (برايميرز) التي جرت في حزب الليكود تحضيرا لانتخابات الكنيست الـ 19، في كانون الثاني 2013، تعرض مريدور لحملة "تصفية" وتم اقصاؤه إلى مكان غير مضمون في قائمة مرشحي "الليكود". وعشية الانتخابات للكنيست الـ 20، في آذار 2015، أعلن مريدور أنه لن يصوّت لحزب الليكود وقائمته برئاسة بنيامين نتنياهو. ويشغل مريدور اليوم منصب رئيس اللجنة الإدارية في معهد "بتسلئيل" للفنون ومحاضر في كلية العلوم السياسية في جامعة هارفارد.

"اختلال التوازن ما بين القومي الليبرالي"!

وقال مريدور، في مقابلة مطولة نشرتها معه صحيفة "معاريف" الإسرائيلية أمس الاثنين، إن "الموازنة ما بين القومي والليبرالي كانت من سمات الليكود المميزة على الدوام. لكنني أخشى أن هذا التوازن يتغير ويختلّ الآن". وأوضح: "حينما تقف القومية وحدها، دون موازِن ليبرالي يؤكد حرية الفرد وحقوقه، فإنها تصبح قوموية (تطرف قومي)... يهمني الشأن اليهودي بالطبع، لكن اليهودية هي مسألة قيمية أيضا. إنني أرفض التوجهات التي تتصاعد وتبتغي المسّ بالكوابح المفروضة على السلطة".

وتطرق مريدور إلى تصريح وزيرة الثقافة، ميري ريغف (ليكود)، بشأن "هيئة البث العامة" الجديدة التي ستكون مسؤولة عن البث التلفزيوني والإذاعي العام (الجماهيري) في إسرائيل، وقولها إنه "لا حاجة لنا بهيئة لبث العامة إذا لم نكن مسيطرين عليها"! وقال مريدور إن هذا التصريح "يعكس الروح الحقيقية السائدة في الليكود. فهي (ريغف) لا تكذب. وهذا خطير جدا في نظري"!

وأضاف الوزير والنائب السابق إن ثمة عبارة تتكرر في الليكود تقول "آن الأوان كي نحكم". والقصد هو "الحكم دون أية قيود أو كوابح". هذه ليست ديمقراطية. لأن الديمقراطية ينبغي أن تحرسها وسائل الإعلام والمحاكم وأن تلجمها. يجب الحذر من مغبة المساس بهذه المؤسسات. فالهجوم على وسائل الإعلام سهل جدا، لكن بدون وسائل إعلام حرة ليست هنالك ديمقراطية".

وخلص مريدور إلى التأكيد على أن "منظومة القيم الكلاسيكية التي ميزت الليكود دائما تواجه مشكلة حقيقية وصعبة الآن"! وتمنى أن "لا يواصل الليكود السير في هذا الطريق الذي يسير فيه الآن".

ورأى مريدور أن إمكانية المبادرة إلى خطوة سياسية ـ حزبية في الانتخابات المقبلة للكنيست بحيث تحول دون قدرة الليكود على تشكيل حكومة جديدة هي إمكانية واردة، لأن "كل شيء مفتوح في السياسة. ففي الانتخابات الأخيرة، 75% من الشعب لم يصوت لحزب الليكود وقائمته الانتخابية. الأحزاب الكبيرة فقدت من قوتها والإمكانيات صارت أوسع وأكبر. لا أحد يستطيع أن يكون واثقا بقوته وضامنا لمكانه وموقعه الحاليين".

وردا على سؤال عما إذا كان ينوي العودة إلى الحلبة السياسية، لم ينف مريدور هذا الاحتمال تماما، وقال: "عندما أعتقد بأن في وسعي التأثير والتغيير في منظومة القيم القومية ـ الليبرالية، سأجد الطريق للعودة".

وعن احتمال تحالفه مع وزير الدفاع السابق، موشيه يعلون، في الانتخابات القادمة، قال مريدور: "في الانتخابات الأخيرة، الليكود لم ينتخبني. عندما تقترب الانتخابات ويُطرح السؤال عن عودتي إلى العمل السياسي ـ الحزبي سأقرر. الأمور تتغير بوتيرة سريعة جدا".

المفاوضات السياسية ومشكلة القيادة

تطرق دان مريدور، خلال المقابلة، إلى المفاوضات السياسية مع الفلسطينيين وآفاق الحل السياسي للصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني. وردا على سؤال عما إذا كان المجتمع الإسرائيلي "الذي ينزاح برمّته إلى اليمين، أكثر فأكثر" سيكون على استعداد للدخول إلى جولة من العملية السياسية والمفاوضات السلمية، قال مريدور: "في العام 1988 كان في إسرائيل حزب واحد فقط يرفع شعار دولتين للشعبين (هو الحزب الشيوعي)، بينما جميع الأحزاب تقريبا تتحدث اليوم عن هذا الحل. حتى ليبرمان (وزير الدفاع الإسرائيلي الحالي) يتحدث عن هذا. ولهذه السياسة أغلبية كبيرة اليوم في الكنيست وبين الجمهور. إنه تغيير كبير حصل منذ أوسلو. ولكن، في كل ما يتعلق بمنظومة القيم الديمقراطية، بالتسامح، برفعة القضاء، بحرية الإعلام، لا شك أن أغلبية الشعب انزاحت إلى اتجاه غير جيد. أما في المجال السياسي، فأغلبية الشعب اليوم ناضجة لتقسيم البلاد".

وردأ على سؤال: "لماذا لا يحصل هذا، إذن؟"، أكد مريدور أن المشكلة الأساسية هي "مشكلة قيادة"، لأن "وظيفة القيادة أن تقول العكس، أن تقف سدا منيعا أمام الكراهية وأن تقود الجمهور. على القيادة أن تتحدث ليس بمعايير واعتبارات الربح السياسي والبقاء السياسي، وإنما عليها إقناع الجمهور بما هو صحيح وجدير".

وسئل مريدور عما إذا كان يعتبر الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، "شريكا للمفاوضات"، فقال: "القول بأن ليس هنالك شريك هو تهرب وهروب من المفاوضات. أبو مان هو القائد. هو المعترف به في العالم أجمع وإليه يجب أن نتوجه. لقد قام بعدة خطوات حكيمة، مثل وقف العنف في السلطة الفلسطينية. صحيح أنه لا يستطيع فرض الحل على حماس. ومن الواضح أن الحل من جهتنا فيما يتعلق بحماس، ذات البعد ديني غير المساوم، مرتبط بترتيبات عسكرية عديدة. لكن السؤال ليس "أبو مازن"، وإنما السؤال هو: ما الذي نقترحه نحن أمام العالم؟".

إما الضم وإما الانسحاب!

في العام 2003، قدم دان مريدور إلى رئيس الحكومة السابق أريئيل شارون "خطة للانفصال عن مناطق يهودا والسامرة (الضفة الغربية) مع المحافظة على الكتل الاستيطانية الكبرى". وقال، في مقابلته مع "معاريف"، أمس: "أمامنا اليوم خياران لا ثالث لهما: إما ضم المناطق، وهو ما يشكل انتحارا قوميا بسبب المسألة الديمغرافية، وإما التنازل عن جزء من المناطق. لا خيار ثالث، سيكون بالتأكيد: الضم بدون إعطاء حق التصويت والانتخاب. هذا ليس موجودا في أي مكان في العالم"! وقال مريدور إن "الخوف الأكبر هو أن يطلب الفلسطينيون أن نضمهم إلى إسرائيل وأن يطلبوا حق التصويت والانتخاب. ماذا سنقول لهم، عندئذ؟ ... في حينه، اقترح شارون أن يدلي الفلسطينيون بأصواتهم في عمان، فكان ردّي عليه أن هذا ليس واقعيا ولا منطقيا، لأنه أشبه بمطالبتنا نحن بالتصويت في جامايكا. التصويت ليس طقساً، وإنما شيء جوهري. أحد المطالب التي رفعتها الصهيونية كانت أن يشكل اليهود أغلبية في أرض إسرائيل. لقد طلبنا الأغلبية من أجل حق التصويت الذي لا يمكن إلغاؤه أو سلبه. حتى بن غوريون لم يسلب حق التصويت من العرب، ولا حتى إبان فرض الحكم العسكري عليهم. بقي الحق في التصويت والانتخاب والترشح للكنيست محفوظا. وحين عرض بيغن مقترح خطة الحكم الذاتي، تطرق في خطاب ألقاه في الكنيست في كانون الأول 1977 إلى مسألة تصويت العرب في غزة ويهودا والسامرة (الضفة الغربية) وأعلن أن "كل عربي يطلب المواطنة الإسرائيلية سيحصل عليها، فقط كي لا نتحول إلى دولة أبارتهايد".

وقال مريدور إن رئيس الحكومة الإسرائيلية الحالي، نتنياهو، "يدرك هذا ويفهمه جيدا، لكن الائتلاف الحكومي الحالي يمنع أي تقدم في العملية السياسية. لقد شكّل ائتلافا حكوميا خلق تناقضا بين الضرورات السياسية وبين إمكانية تحقيقها. ينبغي تشكيل ائتلاف حكومي آخر".

وأكد مريدور: "حتى لو كان من غير الممكن إنهاء النزاع اليوم، فهذا لا يعفي الحكومة الحالية من مسؤولية تقديم جواب على السؤال التالي: ما هي السياسة التي نعتمدها؟... هذا لا يعفيها من مسؤولية الإقرار بأن القضية السياسية هي قضية مركزية".
وردا على سؤال آخر حول اتهام العالم بأسره، تقريبا، إسرائيلَ وتحميلها المسؤولية عن حالة الجمود السياسي الراهنة، قال مريدور: "حصل شيء مناقض تماما. خلال السنوات الخمس الأخيرة، نفذ العرب أهوالا صاعقة. أن تكون عربيا في العالم اليوم أصعب بكثير من أن تكون يهوديا. العالم الغربي لا يريدهم في مجتمعاته ولا يساعدهم. وغم ذلك، الموضوع الوحيد الذي يقف فيه العالم كله إلى جانبهم ويدعمهم هو الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني. والسبب في ذلك يعود إلى أن العالم يرى أن إسرائيل تنوي وتريد الاستيلاء على الأراضي كلها دون إعطاء أية حقوق للسكان. إنه هدف غير معقول وغير مقبول".

"ضد إقصاء العرب"!

وتطرق مريدور إلى قانون إقصاء أعضاء الكنيست، الذي سنه الكنيست مؤخرا، فقال: "أنا ضد إقصاء العرب. يجب التعامل معهم كما كنا نرغب ونريد أن يتعاملوا معنا حينما كنا أقليات في دول مختلفة. وهذا ناهيك عن أن إقصاءهم سيء من الناحية الأمنية".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات