أجرت وحدة التحقيقات مع رجال الشرطة ("ماحَش") في النيابة العامة الإسرائيلية (والتابعة، رسميا، لوزارة العدل)، خلال العام المنصرم 2016، تحقيقات جنائية "تحت طائلة التحذير" في 773 ملف شكاوى قُدِّمت إليها ضد أفراد من الشرطة الإسرائيلية، أغلقت منها 543 ملفًا (ما يعادل أكثر من 70 بالمئة من مجموع الشكاوى التي جرى التحقيق فيها في ذلك العام) ، بينما انتهت 230 منها (ما يعادل 30 بالمئة) بتقديم أفراد من الشرطة إلى محاكمات جنائية أو تأديبية، وهو ما يعكس زيادة طفيفة في نسبة الشكاوى والملفات التي استطاعت وحدة "ماحش" التوصل في نهايتها إلى قرار يثبت صدق الشكوى وصحتها، من منظورها هي ـ 68 المئة في العام 2016، مقابل 66 بالمئة في العام الذي سبقه، 2015.
وتشير "ماحش"، في تقريرها التلخيصي للعام الماضي، إلى أن هذه الأرقام تتطرق إلى الشكاوى وملفات التحقيق التي اتخذت قرارات بشأنها في العام 2016، وليس التي تسلمتها أو تم فتحها خلال العام نفسه.
وبيّن تقرير "ماحش"، الذي صدر ونُشر يوم الاثنين الماضي (13 شباط)، أن "وحدة التحقيقات مع رجال الشرطة" اتخذت خلال العام 2016 قرارات تتعلق بـ 1552 شكوى ضد أفراد الشرطة، من بينها 773 شكوى أجري فيها "تحقيق تحت طائلة التحذير" مع واحد أو أكثر من رجال الشرطة، بينما رأت "ماحش" أن الشكاوى الأخرى (779 شكوى ـ أي أكثر من نصف مجموع الشكاوى التي قُدمت إليها في تلك السنة) "لم تستدعِ فتح تحقيقات تحت طائلة التحذير مع رجال الشرطة".
وأوضح تقرير "ماحش" أن نحو 68% بالمئة من الملفات التي جرى التحقيق فيها تحت طائلة التحذير "وصلت إلى نهايتها باستيضاح الحقيقة"، وهي الملفات التي "أظهرت التحقيقات فيها بينات يمكن اعتمادها لتقديم أفراد الشرطة إلى محاكمات، جنائية أو تأديبية، أو التي استدعت التحقيقات فيها ـ في المقابل ـ إغلاق الملف لعدم توفر الأدلة، أو لانعدام التهمة أو لعدم الملاءمة للإجراءات الجنائية".
وأشارت "ماحش" إلى أنه "في عدد كبير من الملفات التي اتخذت قرارات بشأنها، جرى التحقيق مع أكثر من شرطي واحد كمشتبه بهم (في الملف الواحد) وأن قرارات "ماحش" في الملفات التي أجرت فيها تحقيقات خلال 2016 توزعت على النحو التالي: تقديم لوائح اتهام جنائية في 14 بالمئة من الملفات (110 ملفات)؛ تقديم لوائح اتهام تأديبية، في "المحكمة التأديبية" التابعة للشرطة نفسها، في 16 المئة من الملفات (120 ملفًا)؛ إغلاق 18 بالمئة من الملفات (140 ملفًا) "لانعدام تهمة" وإغلاق 20 المئة أخرى من الملفات (150 ملفًا) "لأن حيثيات القضية لا تستدعي تقديم لائحة اتهام، جنائية أو تأديبية" وإغلاق 26 بالمئة من الملفات (200 ملف) "لعدم توفر الأدلة"!
وظهر من تقرير "ماحش"، أيضا، أن نحو 75 بالمئة من الملفات التي قُدمت فيها لوائح اتهام، جنائية أو تأديبية، انتهت في العام 2016 بإدانة رجل/ رجال الشرطة جنائيًا أو بقرار "بأن الشرطي قد ارتكب مخالفة جنائية" (دون إدانة جنائية قضائية!)، بينما انتهت 5ر3 بالمئة من تلك الملفات بتبرئة رجل/ رجال الشرطة من أية تهمة، جنائية كانت أم تأديبية. أما الملفات الأخرى (نحو 22 بالمئة) فقد انتهت بـ "صفقات" مختلفة شملت: التحويل إلى محاكمات تأديبية داخلية في جهاز الشرطة نفسه (5ر4 بالمئة من الملفات)؛ تعليق الإجراءات بحق رجال الشرطة المشتبه بهم (1 بالمئة)؛ إلغاء لائحة الاتهام كليًا (13 بالمئة من الملفات).
ومن بين المعطيات اللافتة الأخرى في تقرير "ماحش" التلخيصي ما يتعلق بنتائج إجراءات الاستئناف التي تقدم بها مواطنون في أعقاب قرارات "ماحش" تحويل ملفات معينة إلى المعالجة التأديبية، وليس الجنائية. ويفيد التقرير بأن 3 بالمئة فقط من هذه الاستئنافات تم قبولها واعتبارها محقة، وذلك من أصل 275 استئنافا كهذه ـ أي، تم قبول 8 استئنافات كذه فقط!
ماحش و"فائض النشاط الشرطي"!
أقيمت "وحدة التحقيقات مع رجال الشرطة" ("ماحش" هو اختصار اسمها بالعبرية) في العام 1992، بغية إنشاء جسم مستقل عن الشرطة وغير تابع لها تناط به مهمة التحقيق مع أفراد الشرطة المشتبه بهم بارتكاب مخالفات. وقد خول القانون "ماحش" صلاحية التحقيق في المخالفات التي يرتكبها أفراد الشرطة والتي تزيد عقوبتها المحددة في القانون الجنائي الإسرائيلي عن ست سنوات من السجن الفعلي.
ومنذ إنشائها، تحقق "ماحش" وتقدم لوائح اتهام ضد أفراد الشرطة في تشكيلة واسعة من المخالفات الجنائية، بما فيها المخالفات التي تتعلق باستخدام رجال الشرطة ـ ضمن تنفيذ مهماتهم ـ قوة "غير معقولة" أو "غير مبررة" ضد مواطنين، مخالفات الفساد، مخالفات جنسية، مخالفات ضد ممتلكات وغيرها.
وفي تقديمه للتقرير السنوي الحالي، اعتبر رئيس "ماحش"، المحامي أوري كرمل، أن المسؤولية الملقاة على كاهل هذه الوحدة "هي مسؤولية جسيمة ومعقدة: فنحن مُلزَمون بمحاربة الجنوح البوليسي بحزم وصرامة، وبالسعي إلى كشف الحقائق من منطلق لا يعرف التسامح حيال العنف الزائد عن الحاجة، حيال التنكيل وسوء المعاملة وحيال سوء استخدام القوة والصلاحيات... وهذا كله استنادا إلى الوعي العميق بالحاجة إلى المحافظة على ثقة الجمهور الواسع بأجهزة تطبيق القانون وأذرعها المختلفة، وخاصة عندما يدور الحديث عن مشتَكين ينتمون إلى فئات مستضعفة في المجتمع تعاني من فائض النشاط الشُرطيّ"!
وأضاف كرمل: "في المقابل، نحن ملزَمون أيضا بتجنب التطبيق المبالَغ فيه، بالحرص على عدم "رمي الطفل مع مياه الشطف" وبأن نتذكر أن استدعاء شرطي أدى واجبه وفق القانون في نشاط عملياتي معقد إلى التحقيق لدى "ماحش" من دون أساس معقول للاشتباه قد يردع دوائر واسعة من أفراد الشرطة النزيهين عن تأدية مهماتهم التي تتطلب احتكاكا قريبا وقويا مع السكان، من خلال تعريض أنفسهم وحيواتهم للخطر أحيانا، في مجتمع متصدع ومتقطب".
واعتبر كرمل أن فحص "موضوع استخدام القوة خاصة، وأداء رجال الشرطة عامة، من خلال نظرة ضيقة تقتصر على القانون الجنائي قد يؤدي إلى حرف الانظار والانتباه عن المسؤولية الشاملة التي تقع على كاهل القيادة العليا للشرطة عن ممارسة أفراد الجهاز وسلوكياتهم".
وشكا كرمل من قلة القوى البشرية المهنية العاملة في "ماحش" ("بضع عشرات فقط"!) متخذًا من هذا النقص ذريعة ومبررًا لعدم فتح تحقيقات في شكاوى عديدة تُقدّم إلى "ماحش" ضد أفراد الشرطة على خلفية ارتكابهم مخالفات مختلفة "لأن التحقيق في كل شكوى توجه شبهة ما إلى شرطي، من غير زيادة القوة البشرية المهنية، سيؤدي إلى إهدار موارد التحقيق، ثم المس بنجاعة عمل الوحدة"!
إغلاق ملفات دون أي تحقيق!
يذكر أن "ماحش" كانت أغلقت في السابق العديد من ملفات الشكاوى ضد أفراد الشرطة الذي تورطوا في قتل فلسطينيين من مواطني إسرائيل، أبرزها ملفات قتل الشهداء الـ 13 في "هبة أكتوبر 2000" وغيرها.
وتعكف "ماحش" هذه الأيام على التحقيق في جريمة قتل المواطن يعقوب أبو القيعان في قرية أم الحيران في النقب يوم 18 كانون الثاني الأخير، والذي أطلق رجال الشرطة نيران كثيفة عليه وهو يقود سيارته، بينما كانت قوات كبيرة من الشرطة قد اقتحمت القرية لهدم بيوتها وتهجير أهلها، في إطار مخطط حكومي لإنشاء مستوطنة يهودية على أنقاضها تسمى "حيران".
وكانت صحيفة "هآرتس" قد نشرت (في 5 آب 2016) تحقيقًا مطولا عما يبدو، من التقرير، أنه "نهج" رسمي تعتمده "ماحش" يتمثل في إغلاق ملفات شكاوى حول إطلاق رجال الشرطة الإسرائيلية النار على "مخربين" من دون إجراء أي تحقيق مع أي من أفراد الشرطة المتورطين، أو المشتبه بتورطهم، ودون استجواب أي من شهود العيان على تلك الجرائم!
وأورد تحقيق "هآرتس" عدة حالات تنمذج على هذا "النهج" وتؤكده، وخاصة في القدس الشرقية، من بينها جرائم قتل الشبان الفلسطينيين: فادي علون (19 عاما)، مصطفى خطيب (17 عاما)، معتز عويسات (16 عاما) وأحمد أبو شعبان (22 عاما) ـ في تشرين الأول 2015؛ محمود أبو خلف ـ في شباط 2015.
وأكد تحقيق "هآرتس" أنه في العديد من هذه الحالات لم تجر وحدة "ماحش" أي تحقيق مع أي من أفراد الشرطة أو "حرس الحدود" المشتبه بتورطهم في هذه الجرائم، وإنما اقتصر استجوابهم على الشرطة نفسها فقط، وأنه بالرغم من ذلك، أعلنت "ماحش" أنه "لا يظهر من البينات ومن الإفادات وجود شبهة معقولة لارتكاب أية مخالفة جنائية من قبل أي من أفراد الشرطة"!
وأورد التحقيق حالات أخرى "لا تتعلق بإطلاق النار على مخربين" (!)، من بينها أربع شكاوى عن الاعتداء الذي تعرض له أربعة فلسطينيين يعملون في "الهلال الأحمر" من قبل رجال الشرطة الإسرائيلية في شهر كانون الأول 2015، وهي شكاوى تقدمت بها إلى "ماحش" منظمة "أطباء لحقوق الإنسان" الإسرائيلية. وبعد أربعة أشهر من تقديم تلك الشكاوى، تلقت المنظمة ردًا من "ماحش" يبلغها بـ"إغلاق الملفات" (الأربعة) بالذريعة نفسها: "بعد فحص الشكوى وجميع ملابساتها، توصلنا إلى الاستنتاج بأن حيثيات القضية لا تبرر فتح تحقيق جنائي"!! وأضاف رد "ماحش": "استنتاجنا المذكور جاء، أيضا، بسبب عدم التعاون من جانبكم خلال التحقيق"!
ونقل تحقيق "هآرتس" تعقيب البروفسور عميحاي كوهين، أستاذ القانون في "كلية كريات أونو" والباحث في "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية"، الذي وجه انتقادات حادة لـ"ماحش"، وخاصة "باعتمادها، كثيرا، على الاستنتاجات الداخلية التي يتم التوصل إليها في الشرطة نفسها في كثير من الحالات"! وقال عميحاي: "إن العبرة المركزية التي استخلصها الجيش في الأعوام الأخيرة هي أن التحقيق الداخلي الذي تجريه الوحدة العسكرية المعنية لا يمكن أن يشكل مرتكزًا للقرار بشأن ما إذا كان ينبغي إجراء تحقيق جنائي أم لا"!