المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1760

أصبح واضحاً الآن، أن المسؤولين السياسيين في حكومة إسرائيل كانوا ينتظرون بفارغ الصبر انتهاء مراسم تأدية الرئيس الأميركي الجديد، دونالد ترامب، اليمين الدستورية واستلام مهام منصبه رسميا، حتى يعلنوا على الملأ أنهم لا يقيمون أي وزن أو اعتبار للمجتمع الدولي ويتحدّون الشرعية الدولية، جاهِرين بكل ما كانوا مضطرين إلى "مداراته" وكتمانه من قبل عن آرائهم، مواقفهم، طروحاتهم ونواياهم السياسية الحقيقية، إذ يتخذون من ترامب الآن "ظهراً متيناً" يتيح لهم إطلاق ما كتموه، اضطراراً.

هذا ما أثبته رئيس ووزراء الحكومة الإسرائيلية بتصريحاتهم وقراراتهم المختلفة خلال اليومين الماضيين، التاليين لدخول ترامب إلى البيت الأبيض، والتي جاءت لتوجه صفعة مدوية إلى "مؤتمر باريس الدولي للسلام في الشرق الأوسط" الذي عقد في العاصمة الفرنسية، باريس، الأسبوع الماضي، ولقادة الدول الذين شاركوا فيه ولما اتخذوه من قرارات وما تبنّوه في نص بيانهم الختامي (طالع عن ذلك ص 7).

وكانت هذه التصريحات والقرارات قد سبقت حتى المحادثة الهاتفية التي جرت، أمس الأول الأحد، بين الرئيس الأميركي، ترامب، ورئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، والتي أكد خلالها ترامب "التزامه غير المسبوق بأمن إسرائيل" ـ حسبما قال البيان الصادر عن البيت الأبيض حول المحادثة، مضيفاً أن "السلام بين إسرائيل والفلسطينيين يمكن تحقيقه، فقط من خلال التفاوض المباشر بين الجانبين" وأن "الولايات المتحدة سوف تتعاون مع إسرائيل للتقدم نحو هذا الهدف"!

وقال المتحدث بلسان البيت الأبيض إن الجانبين اتفقا على أن يقوم رئيس الحكومة الإسرائيلية، نتنياهو، بزيارة رسمية إلى واشنطن خلال شهر شباط المقبل، على أن يتم تحديد موعدها النهائي في وقت لاحق.

وفيما يتعلق بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، قال المتحدث إن "الولايات المتحدة تجري الخطوات الأولية بشأن نقل السفارة"، بينما رفض ترامب نفسه الإجابة عن سؤال حول هذا الموضوع وجهته إليه مراسلة صحيفة "وول ستريت جورنال".

واعتبر وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان (رئيس "إسرائيل بيتنا") بداية عهد الرئيس الأميركي الجديد، ترامب، فرصة مواتية للتعبير عن حقيقة ما يفكر به وما يريده بشأن النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني، وهو الذي كان أعلن، أيضاً، "تأييده لـحل الدولتين" في أكثر من مناسبة.

فقد قال ليبرمان، خلال لقاء جمعه مع جنرال أميركي أمس الأول الأحد، إنه "لا أمل في التوصل إلى تسوية ثنائية بين إسرائيل والفلسطينيين... حاولنا التوصل إلى تسوية كهذه طيلة 24 سنة خلت، لكن لا فائدة... لن يصل هذا النزاع إلى نهايته إلا في إطار تسوية إقليمية شاملة"!

أما الدور المركزي الأكثر حيوية الذي "يجب أن تضطلع به الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط الآن وخلال الفترة المقبلة"، حسب ليبرمان، فهو "إقامة تحالف ضد الإرهاب، يشمل الدول العربية المعتدلة وإسرائيل لمحاربة الإرهاب الإسلامي المتطرف". وفي رأيه، أن نجاح مثل هذا التحالف "سيشكل قاعدة للتوصل إلى تسوية إقليمية شاملة بين إسرائيل والدول العربية، تشمل أيضا حل المسألة الفلسطينية في إطار تبادل للأراضي والسكان"!

وقال نتنياهو لوزراء حزبه (الليكود)، في جلستهم التي سبقت جلسة الحكومة الأسبوعية يوم الأحد وبحثت مشروع "قانون ضم مستوطنة معاليه أدوميم": "ليس هنالك من هو أكثر حرصاً على الاستيطان مني ومن حكومة الليكود. سنواصل رعايته وتطويره، بحكمة ومسؤولية، لما فيه مصلحة الاستيطان ومصلحة دولة إسرائيل".

وشنّ وزير العلوم، أوفير أكونيس، هجوما حاداً على الوزير نفتالي بينيت (رئيس "البيت اليهودي") على خلفية الضغوط التي يمارسها لإقرار مشروع القانون المذكور "على نحو متسرع"، ثم توجه إلى نتنياهو قائلاً: "أنا أيضا أعارض حل الدولتين، وهذا هو موقف الليكود، خلافا لما تطرحه أنت"! فردّ نتنياهو قائلاً إن "أكونيس لا يفهم حقيقة موقفي في مسألة إقامة دولة فلسطينية. ولو كنتَ تصغي بالتفصيل لموقفي، لما عارضتَه"! ثم أوضح: "ما أنا مستعد لإعطائه للفلسطينيين هو ليس دولة تماما مع كل الصلاحيات، وإنما دولة ناقصة. ولهذا السبب، الفلسطينيون لا يوافقون"!

يذكر أن نتنياهو كان قد أعلن، للمرة الأولى، تبنيه لفكرة "حل الدولتين" خلال خطاب ألقاه في "جامعة بار إيلان" (في رمات غان) في العام 2009، إذ ادعى بأنه يؤيد "إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح، إلى جانب دولة إسرائيل اليهودية"! لكنه تنصل من خطابه هذا، في خضم المعركة الانتخابية التي جرت لانتخاب الكنيست الإسرائيلي في آذار 2015، معلناً إنه "إذا ما تم انتخابي، فلن تقوم دولة فلسطينية"! وهو ما عاد وتراجع عنه لاحقا، بعد الانتخابات وبعد فوزه و"الليكود" بها، حين كرر "التزامه بحل الدولتين"! وفي أعقاب الانتخابات الرئاسية الأخيرة في الولايات المتحدة، عاد نتنياهو وتحدث عن "تأييده لحل الدولتين" معلناً أنه "سينسق الأمر مع الرئيس ترامب"!

وفي جلسة المجلس الوزاري المصغر، التي أعقبت جلسة الحكومة، أبلغ نتنياهو الوزراء بأنه قرر "إزالة كل القيود السياسية أمام خطط البناء في القدس الشرقية". وأفادت بعض الأنباء أن إعلان نتنياهو هذا كان أحد العوامل التي أقنعت وزراء حزب "البيت اليهودي" بالموافقة على تأجيل إقرار مشروع ضم معاليه أدوميم، الذي أكد نتنياهو دعمه له "إذ من الواضح أن هذا ما سيكون (معاليه أدوميم تحت السيادة الإسرائيلية) في أي اتفاق سلام مستقبلي"، لكنه فضل إرجاءه "لتجنب مفاجأة الإدارة الجديدة في واشنطن".

وقد وجد إعلان نتنياهو هذا تجسيداً فورياً على الأرض، إذ أقرت "اللجنة المحلية للتنظيم والبناء" التابعة لبلدية القدس، صباح اليوم نفسه، إصدار تراخيص لبناء 566 وحد سكنية جديدة في مستوطنتي "راموت" و"رمات شلومو"، الواقعتين خلف "الخط الأخضر" في القدس الشرقية. وكانت هذه اللجنة قد بحثت إصدار هذه التراخيص قبل أسبوعين، لكنها أرجأت قرارها "خشية بيان استنكار من جانب إدارة أوباما" و"ريثما يدخل الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض"!

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات