نحو خُمس اليهود الذين هاجروا من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق إلى إسرائيل خلال سنوات التسعين الأولى هاجروا منها إلى دول مختلفة في أنحاء العالم ـ هذا ما بيّنته الحلقة الأولى من سلسلة تقارير تلفزيونية أعدتها القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي وبدأت ببثها مساء يوم الأحد الأخير، أول من أمس، تحت عنوان "إسرائيليون مع وقف التنفيذ".
وتضمنت الحلقة الأولى من هذه السلسلة لقاءات مع يهود روس هاجروا من إسرائيل إلى كندا يؤكدون خلالها: "لم نشعر يوماً بأننا جزء من المجتمع الإسرائيلي أو ننتمي إليه، برغم مرور 22 عاماً على تواجدنا بين ظهرانيه، منذ هجرتنا إلى إسرائيل".
وكان أكثر من مليون إنسان قد هاجروا إلى إسرائيل من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق في إحدى أكبر عمليات الهجرة اليهودية إلى إسرائيل، وذلك في بدايات انهيار الاتحاد السوفييتي وفي أعقابه وإعادة تقسيمه إلى دول قومية مختلفة في سنوات التسعين الأولى من القرن الماضي.
وقالت إحدى اليهوديات الروسيات التي هاجرت من إسرائيل إلى كندا: كنت في السادسة من عمري حين وصلت إلى إسرائيل. ورغم أنني حاولت، بكل قوتي، الاندماج في المجتمع الإسرائيلي، إلا أنني بقيت على الدوام "الطالبة الروسيّة"، ثم "المعلّمة الروسيةّ"! وأضافت: "حينما غادرنا جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق كان يحدونا أمل كبير بأننا نتوجه ونأتي إلى دولة يهودية للجميع، لكن خيبة أمل عميقة أصابتنا حيال عدم استيعابنا في المجتمع الإسرائيلي على قدم الاحترام والمساواة"!
وبينت الحلقة الأولى من سلسلة التقارير التلفزيونية هذه أن مئات العائلات من المهاجرين الروس، وخاصة من الأزواج الشابة، هاجرت من إسرائيل خلال السنوات الأخيرة، بعدما خدم أفرادها في الجيش الإسرائيلي، عملوا في مجالات مختلفة وتزوجوا وأنشأوا عائلات "لكننا بقينا نشعر بأننا غير منتمين إلى المجتمع الإسرائيلي حقا وبأننا لسنا جزءا طبيعيا منه"!
وفي المعطيات الرسمية، أن 15% من مجموع المهاجرين الروس إلى إسرائيل ضمن موجة الهجرة المذكورة قد غادروها مهاجرين إلى دول مختلفة في أنحاء العالم.
ورسم رونين بروفمان، مؤلف كتاب عن الهجرة الروسية إلى إسرائيل بعنوان "المليون الذي غيّر وجه الشرق الأوسط"، ملامح عامة للروس الذين هاجروا من إسرائيل فقال: "النازلون (الصفة التي تطلق على اليهود الذين يغادرون إسرائيل ويهاجرون منها) هم في سن 30 عاما، بالمتوسط، متعلمون ومثقفون لا يجدون لهم مكانا في إسرائيل"! وأضاف: "ثمة للإسرائيليين القدامى ما يشدهم إلى هنا ويبقيهم في البلاد، وهو ما ليس متوفرا للمهاجرين الروس".
تحقيق: "حركة جماهيرية تُعدّ الشارع الروسي للانتخابات"!
على صعيد آخر، كشف تحقيق صحافي نشر في أحد المواقع العبرية في إسرائيل مطلع الشهر الجاري عن "حركة جماهيرية" تأسست بعيد الانتخابات الأخيرة للكنيست الإسرائيلي (في 17 آذار 2015) تنشط في "إعداد الشارع الروسي (في داخل إسرائيل) للانتخابات البرلمانية القادمة"!
وقال التحقيق إن هذه الحركة، التي تطلق على نفسها اسم "توراة إسرائيل الروسية"، تجمع تبرعات مالية كبيرة "غامضة" من خارج البلاد، من دول مختلفة، تنظم نشاطات ميدانية واسعة وتعرض "أجندة سياسية تخدم حزب إسرائيل بيتنا، بزعامة أفيغدور ليبرمان"!
وتنطلق نشاطات هذه الحركة وأهدافها، وفق ما كشف تحقيق موقع "محادثة محلية" (سيحاه مكوميت) العبري، من "وثيقة تأسيسية" ورد في إحدى فقراتها النص التالي: "الشيفرة الوراثية (الجينيّة) ليهود الاتحاد السوفييتي السابق فريدة من نوعها وتختلف عن الشيفرة الوراثية لجميع الإسرائيليين الآخرين"! وتضيف: "دولة إسرائيل، في الأصل والأساس، هي مشروع وضعه، بادر إليه ونفّذه يهود روسيا. فقد كان الصهيونيون الروس سباقين في وضع وتحديد أهداف الصهيونية، قبل أن يعرض ثيودور هرتسل فكرته بشأن دولة اليهود على العالم، بكثير"!
ويشير التحقيق إلى أن انطلاق هذه الحركة جاء فور ظهور نتائج الانتخابات الأخيرة للكنيست الإسرائيلي والتي تمخضت عن تراجع حاد جدا في قوة حزب "إسرائيل بيتنا" بزعامة ليبرمان (وهو الحزب الأساس بين المهاجرين الروس)، إذ خسر 7 مقاعد برلمانية فهبط من 13 مقعدا في الكنيست الـ 19 إلى 6 مقاعد في الكنيست الـ 20. وأوضح التحقيق أن خمسة فقط من بين المقاعد التي فاز بها هذا الحزب في الانتخابات الأخيرة كان مصدرها أصوات المهاجرين الروس، وهي تعادل نحو 150 ألف صوت، بينما بلغ العدد الإجمالي لأصحاب حق الاقتراع من بين هؤلاء نحو 750 ألف ناخب! وهو ما شكل صدمة كبرى بالنسبة لهذا الحزب وقياداته، وعلى رأسها بالطبع ليبرمان نفسه.
وفي أعقاب ذلك، قرر ليبرمان "العودة إلى الجذور" (الروسية) التي شكلت المصدر الأساس (والوحيد تقريبا) لقوته السياسية منذ بدايات طريقه، وذلك على الرغم من أن النصف فقط من عدد أعضاء الكنيست الذين فاز بهم حزبه في الانتخابات الأخيرة هم من المهاجرين الروس.
ويعيد التحقيق التذكير بأن حزب "إسرائيل بيتنا" لا يزال، رغم تراجعه الحاد، القوة السياسية المهيمنة بين المهاجرين الروس في إسرائيل، "لكنها هيمنة في خطر"، خاصة وأن هذا الحزب يفتقر إلى جيل جديد من القيادات السياسية وهو مرهون، بالكامل تقريبا، بشخص ليبرمان نفسه.
وحيال ذلك، ظهرت في "الشارع الروسي" في إسرائيل هذه "الحركة الجماهيرية" الجديدة، بعد ثلاثة أشهر من ظهور نتائج الانتخابات الأخيرة للكنيست الإسرائيلي: حركة "توراة إسرائيل الروسية".
وقد أنشأت هذه الحركة موقعا لها على شبكة الانترنت "مقرباً جدا من حزب إسرائيل بيتنا ومن أفيغدور ليبرمان شخصيا"، كما أقامت لها "معهد أبحاث" يشوبه الكثير من الغموض وتحوم حوله علامات سؤال كثيرة، لكنهما (الموقع والمعهد) يوفران أماكن وفرص عمل كثيرة لأشخاص مقربين من ليبرمان ومرتبطين به، بينما يلف الغموض مصادر دخلهما وتمويلهما "التي تأتي، في جلها، من تبرعات خفية من خارج البلاد"! وتقوم هذه الحركة بتنظيم نشاطات جماهيرية مختلفة، تشمل مظاهرات واعتصامات ومؤتمرات يشارك فيها "الجمهور الروسي" الذي يلتقي، خلال هذه النشاطات وعلى هامشها، مع رؤساء أحزاب سياسية (يهودية) مختلفة ممثلة في الكنيست، في مقدمتها بالطبع حزب "إسرائيل بيتنا".
وترفع هذه الحركة شعارا مركزيا هو الذي يشكل الرسالة المركزية من طرفها وهي: أن "الجمهور الروسي بحاجة إلى قائد قوي يستطيع إنقاذه وتخليصه من أزماته وحل مشاكله"!
وعلى الرغم من تأكيد معدّ التحقيق أن "ليس ثمة طريقة يمكن من خلالها إثبات حقيقة أن الحركة تتلقى تعليمات مباشرة من ليبرمان شخصيا"، إلا أنه يضيف القول إن "جميع الرموز والإشارات، العلاقات الشخصية، توقيت انطلاق هذه الحركة، المكانة التي يتمتع بها ممثلو حزب إسرائيل بيتنا في الحركة وفي مجمل نشاطاتها وكذلك الرسائل التي تبثها هذه الحركة ـ جميعها، بدون استثناء، تقدم خدمة سياسية واضحة لشخص واحد بعينة هو: وزير الخارجية السابق، المستوطن في مستوطنة "نوكديم" ـ أفيغدور ليبرمان"!
الهدف المعلن: "رفع الوعي بقضايا الجمهور الروسي"!
وينقل التحقيق عن مؤسسي هذه الحركة ورؤسائها قولهم إن هدف الحركة المركزي هو "تشكيل جسم إسرائيلي عام يعمل على رفع وعي المجتمع الإسرائيلي بقضايا تهم جمهور متحدثي الروسية في إسرائيل"، لكن "نشاطات الحركة في الميدان تثبت أن التصريحات شيء والواقع شيء آخر"، كما يؤكد التحقيق، ذلك أن ماهية "التوراه" (النظرية) التي تتبناها هذه الحركة، كما يمكن الاستدلال عليها من وثائقها التأسيسية، نشاطاتها الميدانية وتصريحاتها العامة، يمكن إيجازها بعنصرين اثنين مركزيين، كما يحددهما التحقيق الصحافي: الأول ـ أن اليهود الروس (المهاجرون من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق إلى إسرائيل) "هم اليهود الحقيقيون، العِرق الأرقى، الأفضل والأكثر ذكاء وحكمة". والثاني ـ رغم تفوقهم، يتعرضون في إسرائيل للإهانة والاضطهاد!
وتبني الحركة على أن "هذين العنصرين وما يولّدان من شعور بالغبن الجماعي، ثم الشعور بالوحدة، يفترض أن يؤديا إلى نشوء حراك احتجاجي جماعي يمثل نحو مليون إنسان"، رغم أن الهدف الحقيقي الذي تسعى الحركة إلى تحقيقه ليس "تجنيد الجماهير الروسية في نشاطات احتجاجية شعبية وإخراجها إلى الشوارع، وإنما تكريس وتعميق الفهم بمدى الحاجة الماسة إلى وجود قائد قوي يمكنه العمل باسم هذه الجماهير الروسية، نيابة عنها ومن أجلها".
علاقة جنائية سابقة
ويوضح التحقيق أن ستة أشخاص يعملون بأجر هم الذين يقودون حركة "توراة إسرائيل الروسية" هذه ويترأسهم شخص يدعى ألكسندر غولدنشطاين، كان في السابق مالك موقع "إيزروس" (اختصار "إسرائيل ـ روسيا") ومحرره قبل أن يباع هذا الموقع لمجموعة "يديعوت للاتصالات" (المملوكة لصحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية) قبل بضعة أشهر.
ويضيف التقرير أن غولدنشطاين هذا، وموقعه المذكور أيضا، كانا جزءا من القضية الجنائية التي تورط فيها حزب "إسرائيل بيتنا" وكشف النقاب عنها قبل أشهر قليلة.
ونقل التحقيق عن صحيفة "ذي ماركر" أن الشرطة الإسرائيلية تحقق في شبهات جنائية تحوم حول تورط شخص يدعى ميخائيل بلكوف، كان مستشارا إعلاميا لأفيغدور ليبرمان، في جرائم غسيل وتبييض أموال. وبينما اختفت آثار بلكوف هذا، وتثار شكوك في أنه قُتل في ظروف غامضة في أوكراينا، فقد تم إلقاء القبض على غولدنشطاين ووضع رهن الاعتقال حيث جرى التحقيق معه بشبهة التورط في الفضيحة الجنائية المشار إليها.
ويسجل التحقيق أن العلاقة بين موقع "إيزروس" وحزب "إسرائيل بيتنا" تتجاوز الشبهات الجنائية، بكثير. فالموقع معروف، بين رواده وجمهور واسع جدا، بأنه يشكل بوقاً صريحا لهذا الحزب، يروج مواقفه السياسية ويسوّق أجنداته بصورة واضحة ومباشرة، من خلال تعاطفه الجلي مع أعضاء الكنيست من هذا الحزب وممثليه الآخرين ومنحهم "منصة حرّة". ويؤدي هذا الموقع مهمته هذه من خلال انتهاجه "طريقتين اثنتين: الأولى ـ توليد الشعور الدائم بالضحوية بين الجمهور الروسي في إسرائيل، والثانية ـ إظهار مدى حرص أعضاء الكنيست من هذا الحزب وممثليه في السلطات المحلية على متابعة مشاكل هذا الجمهور ومعالجتها"!
أما التجديد الذي يلاحظه التقرير في سياق عمل حركة "توراة إسرائيل الروسية" فيتمثل في "الانتقال من الكلام الإنشائي على شبكة الانترنت (كما فعل الموقع المذكور) إلى العمل الميداني المباشر"، وهو ما يمثل "ظاهرة جديدة في أوساط متحدثي الروسية في إسرائيل، إذ من المعروف أنهم لا يتميزون بالنشاط الميداني في ساحات المجتمع المدني"!
محاولات تمويهية
منذ انطلاق حركة "توراة إسرائيل الروسية"، في شهر حزيران من العام الماضي، يجتهد القيمون عليها لتمويه هويتها وحقيقة انتمائها وارتباطاتها، ويبذلون محاولات عديدة في هذا الإطار ولهذا الغرض. وقد كانت أبرز هذه المحاولات، مبادرتهم إلى الاجتماع مع رؤساء وقيادات جميع الأحزاب الإسرائيلية (اليهودية) "بغية عرض مشكلات الجمهور الروسي أمامهم ومطالبتهم بالعمل من أجل حلها".
وإلى جانب ذلك، تنظم الحركة ندوات ومؤتمرات جماهيرية عامة يشارك فيها متحدثون من قطاعات أخرى، غير الجمهور الروسي، رغم كون هذا الأخير هو "المصدر الأساس والعنوان الرئيس لهذه النشاطات".
وإلى جانب هذه النشاطات، تدير هذه الحركة "معهد دراسات إسرائيل الروسية" الذي يجري وينشر أبحاثا حول أوضاع المهاجرين الروس في إسرائيل، تولت إجراءها كلها، حتى الآن، د. إيلانه براديتس ـ يالوف، التي عملت في السابق صحافية لفترة قصيرة في القناة التلفزيونية الروسية في إسرائيل (RTVI) ثم مستشارة لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو لشؤون المهاجرين الروس بين العامين 2011 و 2012.
المصطلحات المستخدمة:
الصهيونية, يديعوت أحرونوت, دولة اليهود, الكنيست, بنيامين نتنياهو, أفيغدور ليبرمان