رام الله: صدر حديثاً عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار" كتاب "النكبة بالعبرية- عن النضال اليهودي ضد الصهيونية في إسرائيل"، لكاتبيه إيتان برونشتاين أباريسيو وإليونور ميرزا برونشتاين، ترجمه عن الإنكليزية مصعب بشير، ويقع في 352 صفحة.
يتشكّل الكتاب من سجال بين كاتبيه يستدعي تجربتهما السياسية -الميدانية المتمثلة في عملهما من خلال مؤسسة "ذاكرات"، على فتح النقاش حول النكبة إسرائيلياً، ومواجهة المُجتمع المُستعمِر بوقائعها ليعيد اكتشاف الحيّز عبر رؤية شظاياها، فيما يعيد الكاتبان قراءة ذاكرتهما الشخصية وموقعهما من التجربة الإسرائيلية الكولونيالية، بما يكشف هيمنة الرواية الرسمية على الوعي العام، ويضيء على التقنيات المعتمدة لتعزيزها مقابل إنكار فلسطين وطمس حكايتها.
يعلن الكاتبان انحيازهما للضحايا، لكنهما لا يدّعيان تمثيلهم، ويعيان موقعهما وميزة كونهما إسرائيليين، ويعيان موقع العبرية من "اللعبة"، ويُدرجان كتابتهما ضمن مشروع تفكيكٍ بنية إسرائيل -أو الإسرائيليين- الاستعمارية من الداخل، بهدف "تحقيق العدالة والحرية للشعب الفلسطيني، التي تشمل حق عودة اللاجئين واللاجئات، غايةً ننشدها"، كما يرد في مقدمتهما للقارئ العربي.
يكشف الكتاب وقائع مواجهة لا تقف عند نبش الوثائق والصور، إنما تتحرك في الميدان وتعيد إلى القرى المدمّرة أسماءها، رمزياً، وتعيد كَشط الأسماء على الخرائط الإسرائيلية لتُظهر فلسطين الممحوّة تحتها.
وجاء في مقدمة "مدار" حول الكتاب وندرة التجربة التي يرويها مقابل السردية الإسرائيلية القائمة على الإنكار:
"بدايةً، من طبائع الكولونيالية أن تُقيم حياةً على ركام أخرى، وأن تجتهد وهي تُطلق النار على "آخَرها" في نزع شرعيته، وإسكات روايته عن ماضيه وما تبقى من حاضره، عبر آليات معقدة ومضامين ثقافية متعالية، مغلفة بتلفيق أخلاقي مُحكم.
أما الضحية فلا تحتاج إلى شهادة جلادها لتتحقق من خسارتها، فهي لا بدّ، تتحسس الندوب على جسدها، ويكفيها نتوء الأسلاك الشائكة لتستدلّ على حدود حرّيتها المسلوبة، كما أنها تغفو عادة وهي تتهجّى مكانها "المنقرض" عن ظهر قلب.
يحتاج الانحياز إلى الضحية من داخل المجتمع الكولونيالي في العموم إلى شجاعة أخلاقية، لما قد يسفُر عنه من خسارة للامتيازات الثمينة، ثم إن الانحياز تلزمه في هذه الحالة كفاءة معرفية خاصة تتيح الرؤية من خارج "الكهف"، حيث العماء صناعة متجذرة في مناحي الحياة كافة، وعنها يتفرع كل شيء.
تحاصر خصوصية الحالة الكولونيالية الإسرائيلية المركّبة والمزمنة فرص إنتاج مشاريع معرفية وسياسية تفحص التجربة من الداخل الكولونيالي بمنظور أخلاقي منفتح على أدوات إنسانية رحيبة، وتترك بصمتها على نوعية المُنتج الانتقادي، لذا نراه يمتاز بمحدودية على مستوى الكمّ عندما يتعلق الأمر بفلسطين ونكبتها، ومن حيث النوع بقفزه عن الحدث المؤسس "النكبة"، وبانطلاق معظمه من الحرص على مصلحة القبيلة الإثنية وحاجة تلفيقاتها للصيانة المستمرة، ثم إنه يتناول الماضي مقطوعاً عن الحاضر، وبالتالي يبدو الاعتراف بالذنب، مثلاً، آلية تَطَهُّر تعبر عن ترف الإمبراطورية واطمئنانها، وليس عن فاعلية سياسية منحازة أخلاقياً للضحايا".