رام الله: صدر حديثاً عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار" عدد خاص من فصلية "قضايا إسرائيلية" خصص بالكامل لتقديم قراءات معمقة لاحتلال العام 1967، عبر رصد الكثير من إحداثياته وتداعياته، وآثاره العميقة على المشهد الداخلي في إسرائيل على كافة المستويات، وتحليل أدوات الاحتلال المستخدمة في إخضاع المجتمع الفلسطيني والتحكم بتفاصيل حياته، عبر أنظمة تحرمه من الحياة العادية.
في العدد مواد أرشيفية مترجمة حديثا وغير منشورة، تقدم نموذجا على نقاشات القيادة الاسرائيلية عشية الحرب، وتبين طبيعة العلاقة بين المستويين العسكري والسياسي، وتكشف زاوية الرؤية الاسرائيلية للمشهد العربي في ذلك الوقت.
يتضمن العدد مقالاً تحت عنوان: هل بمقدور الإسرائيليين أن يكتبوا عن الاحتلال؟ يحاول فيه الكاتبان أريئيل هاندل وروثي غينزبرغ تحديد المسؤولية الملقاة على عاتق الأكاديميين الإسرائيليين بشأن إجراء الأبحاث حول الاحتلال، واذا ما كانت المسؤولية السياسية تستدعي معارضة النظام والهجرة من البلاد، وفرص معالجة الثغرات والعقبات التي يضعها الاحتلال نفسه عند إجراء هذه الأبحاث.
ويكتب الباحث هجار كوتيف تحت عنوان "الحواجز" تحليلا عميقا للحواجز كفكرة وكأداة إخضاع، وما يقترن بها من نظام مُحكم يقوم على تقييد التنقل والحركة، بحيث تترسخ الحواجز كآلية تهيمن على الواقع السياسي والمشهد البصري في فلسطين، وتفرز تأثيراتها الواسعة على حياة الفلسطينيين بجميع نواحيها، كاشفا عن المفارقة بين ظاهرها كأداة تنظيم، وباطنها الذي يخدم الفوضى.
وفي العدد مراجعة لموقع المستوطنات في أروقة المحكمة العليا الإسرائيلية، لدافيد كريتشمر، خلصت إلى أن المحكمة العليا لم يكن من عادتها أن تصدر أحكامها بحق الحكومة، وأنها عمدت إلى إضفاء صفة شرعية على الإجراءات التي تنطوي على صفة قانونية تشوبها الشكوك، وإن كانت مراجعاتها فرضت بعض القيود على السلطات. .
ويكتب مهند مصطفي حول "مشاريع الضم في السجال الإسرائيلي الراهن: جدلية المواطنة والأرض" مركزاً على عودة سجال الضم من جديد في السنوات الأخيرة، بسبب التغييرات التي حصلت على المشهد السياسي والأيديولوجي الإسرائيلي من جهة، والتغيرات التي حصلت على البيئة الإقليمية والدولية من جهة أخرى.
وفي العدد مقال بعنوان خمسون عاما على 1967 – الحركات المناهضة لسياسة الاحتلال لميخائيل فارشافسكي - ميكادو
يحاول رصد بروز وتطوّر الحركات الإسرائيلية المناهضة لاحتلال 1967، والنقاشات الأساسيّة التي دارت داخل هذه الحركات، والدوافع التي حركّت قياداتها وكوادرها، كما يحاول أيضاً تحليل أسباب صعودها ثم اندثارها بالكامل وغياب تأثيرها على الدولة والمجتمع في إسرائيل.
وفي العدد دراسة تفصيلية تحت عنوان "خمسون عاماً على احتلال الجولان - الحركة الوطنية السورية في الجولان في مواجهة سياسة الاحتلال الإسرائيلي 1967 - 2016"، لثائر أبو صالح ترصد التحولات الإستراتيجية في السياسة الإسرائيلية تجاه سكان الجولان السوري المحتل، في مواجهة نمو الحركة الوطنية السورية في الجولان على مدار سنوات الاحتلال.
ويتضمن العدد مقابلة خاصة/ مع المؤرخ يغئال عيلام، ومقالاً تحت عنوان مفهوم الاستعمار الاستيطاني - نحو إطار نظري جديد لوليد حباس، ودراسة لتحولات الفن الصهيوني في الثلث الأول من القرن العشرين، أنجزها فارس شوملي إلى جانب مراجعات في أحدث الاصدارات الإسرائيلية.
ومما جاء في مقدمة العدد: "رؤية الاحتلال في سياقه الأوسع تمكننا من فهم صيرورته الحاليّة. لم يعد هذا الاحتلال عسكريا، لم يعد أيديولوجيا ولَم يعد مؤقتاً. لم يعد عسكرياً لأن الذي يشق الطرق السريعة وسكك القطارات ويبني الجامعات وينقل نصف مليون مستوطن فإنه لا يقوم بذلك لأمر له علاقه بالعسكر أو الأمن. ولَم يعد أيديولوجيا لأن القوى التي تشارك وتتبنى الاستيطان والسيطرة على الأرض والموارد لم تعد مجرد يمين ديني مسياني، إنما أوساط من المركز سياسيا، وحيتان الاقتصاد التي تطمع في أراضٍ رخيصة، وفئات فقيرة تحصل على ظروف معيشة أفضل وإعفاءات ضريبية وبيوت واسعة. وحين يجتمع هذان العاملان فإن النتيجة هي أن إسرائيل لم تعد تتعامل معه على اعتبار أنه مؤقت.
كل هذا يغري بالقول إن الخط الأخضر قد زال وأصبح بنياً كلون الأرض. إلا أن لون الخط لا ترسمه إسرائيل وحدها، وإذا كان الفصل الأخير في رواية أميركا قد كتب فإن الفصل الأخير في رواية فلسطين لم يكتب بعد، ويجب توخي الحذر الشديد في فهم السياسة باعتبارها المحصلة الحتمية للتحليل التاريخي ومقتضيات المنطق.
هناك منطق سياسي في فكر أولئك الذين يصرون على تغليظ الخط الأخضر وترسيمه آخذا بعين الاعتبار القرارات الدولية وقرارات مجلس الأمن، الا أن الوقت لا يعمل لصالح هؤلاء ولا يوجد مبرر أن يقبل الفلسطينيون هذا السقف ما دامت إسرائيل لا تقبل به حداً لها.
تقضي التبادلية بأنه إما أن يكون الخط الأخضر حداً للطرفين أو أنه ليس حداً على الإطلاق. الخط الأخضر اليوم هو خط أخضر للفلسطينيين فقط، أما بالنسبة لإسرائيل ومستوطنيها فلا وجود له، فلتكن هذه التبادلية فكرة قد تكون مؤهلة كي تسترشد بها الاستراتيجية الفلسطينية."