رام الله: صدر حديثا عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار" العدد 89 من فصلية قضايا إسرائيلية ويتضمن محوراًيتناول العلاقة المعقدة ومتعددة الأوجه بين لبنان وإسرائيل، بما شهدته من الأزمات المتعددة على امتداد العقود الأربعة الماضية وما تخللها من حروب قاسية وتوغلات عسكرية وتوترات سياسية، ولحظات من التفاوض غير المباشر، ابتداء من حرب 1982 وحتى اتفاقيات الغاز الأخيرة الموقعة عام 2022.
يراقب العدد أثر العلاقة بلبنان على طبيعة "العقيدة العسكرية الإسرائيلية"، ومفهوم "الأمن القومي،" وإمكانيات مدّ النفوذ الإسرائيلي إقليميًا، مستفيداً من العديد من الدراسات والكتب التي تعالج تبعات هذه الحرب باعتبارها محطة تأسيسية، ليس فقط على علاقة إسرائيل بلبنان، وإنما على علاقة إسرائيل بمنظمة التحرير الفلسطينية.
يتضمن المحور ست مساهمات نوعية، حيث يستعرض الباحث أنطوان شلحت "الوقائع الجديدة" المتعلقة بأسباب حرب العام 1982 وتداعياتها، من خلال تقديم قراءة في العديد من الوثائق الأرشيفية التي كُشف عنها مؤخرًا، والتي قد تلقى الضوء على تفاصيل مهمة لم تكن متاحة للعامة من قبل، تتعلق بتدخل الجيش الإسرائيلي في الشؤون الداخلية اللبنانية. ويستكمل مقال فادي نحاس هذا الاستعراض من خلال توقفه، في مقالته، عند ثلاث محطات أساسية هي حرب العام 1982، حرب العام 2006، ثم اتفاقية ترسيم الحدود المائية في العام 2022، ليرصد التحولات في العقيدة الأمنية الإسرائيلية ودورها في الإقليم.
أما مقال مهند مصطفى، مدير مركز مدى الكرمل في حيفا، فإنه يركز بشكل حصري على اتفاق الغاز وترسيم الحدود المائية بين البلدين، معتبرًا أن الاتفاقية تغرق البلدين في مصلحة مشتركة قد تعمق حالة الردع العسكري بينهما أكثر مما كان عليه الأمر بعد حرب تموز 2006 وذلك من خلال رفد البعد الأمني-العسكري لمفهوم الردع بطبقة جديدة من المصالح المادية والاقتصادية التي لا مصلحة للطرفين بخلخلتها على المدى المنظور.
أما المقال الرابع فيقدم ترجمة لأحد أهم خطابات مناحم بيغين (رئيس الوزراء الإسرائيلي في فترة حرب لبنان 1982). تكمن أهمية هذا الخطاب، الذي ترجمه وقدم له د. نبيه بشير، في وقوفه عند تعريف الحرب الدفاعية التي لا تترك مناصًا إلّا المشاركة فيها،والحرب الاختيارية. ويضم العدد أيضًا، ترجمة لمقدمة كتاب 1982: الطريق الى الحرب الذي أصدره الباحث المختص في حروب إسرائيل يغال كيبنيكس. وأخيرًا، يلقى آفي شيلون الضوء في مقالته على العلاقة الخاصة بين اليمين التنقيحي والمجموعات المارونية في لبنان، وهي علاقة كانت في صميم حرب العام 1982.
بالإضافة إلى محور لبنان-إسرائيل، يضم العدد ثلاثة مقالات تتعلق بتشكيل حكومة نتنياهو السادسة اليمينية والدينية والاستيطانية. أشرف بدر يقدم قراءة نقدية في صعود حجم اليمين الديني الاستيطاني من خلال الوقوف على بنود الاتفاقيات الائتلافية والخطوط العامة للحكومة الحالية. أما مقال وليد سالم، فيحفر في جذور الردكلة الإسرائيلية والتي تتخذ شكلًا عنصريًا فاشيًا، من خلال تقديم قراءة في العوامل الداخلية والخارجية التي تظافرت بعد العام 1967 وشكلت الميكانزمات الضرورية للانزياح الإسرائيلي المستمر نحو اليمين. أما المقال الثالث، فهو ترجمة كاملة، ولأول مرة، لخطة الحسم التي عرضها بتسلئيل سموتريتش في العام 2017، حيث بات التوقيت حاليًا أكثر إلحاحًا لعرضها وتقديمها. إضافة إلى ذلك، يضم العدد زواياه الثابتة المشتملة على مختارات من الأدب، وقراءة في كتاب ومواد أرشيفية إسرائيلية.
ومما جاء في مقدمة العدد:
"ولأن التغييرات الجيوسياسية التي شهدتها المنطقة خلال العقد والنيف الأخيرين، خصوصًا في ما يتعلق بالأزمة السورية، تجعل من غير المقبول نقاش العلاقة الإسرائيلية-اللبنانية بمعزل عن كل ما يسمى "الجبهة الإسرائيلية الشمالية"، فإن هذه العدد من مجلة قضايا يجب أن يُقرأ باعتباره مساهمة في سبر غور علاقة إسرائيل بلبنان دون أن يدعي أنه يغطي كل مستويات هذه العلاقات. وعليه، نأمل أن تساهم هذه القضية في فهم أعمق للديناميكيات المعقدة التي شكلت هذا الصراع على مدى العقود الأربعة الماضية، وأن توفر أساسًا لمزيد من البحث والتحليل في هذا المجال المهم."