كتب أسعد تلحمي:
تودع إسرائيل العام 2002 في أجواء مربدّة يصعب معها التكهن بما سيحمله إلينا العام الجديد. لكن يمكن الإشارة إلى تطورين هامين تقف إسرائيل، من أقصاها إلى أقصاها، وهي مشدودة أمامهما. ألأول الإنتخابات البرلمانية المبكرة المقررة ليوم الثامن والعشرين من كانون الثاني (يناير) المقبل، وهي خامس انتخابات خلال السنوات العشر الأخيرة، سنوات "الصراع على السلام" وغياب الإستقرار السياسي. والثاني هو الحرب الأميركية المقررة على العراق التي تواترت المؤشرات في الأيام القليلة الماضية إلى كونها غاية مشتهاة، إسرائيليا. ويقف أكثر من مراقب على كون الإنشداد الإسرائيلي إلى هذين التطورين وتحديدا إلى الثاني عائدين إلى حقيقة أن نتائجهما ستكون الأسطع انعكاسا على القضية الأهم التي ما زالت تؤرق إسرائيل منذ تأسيسها بل منذ أكثر من قرن من الزمن، هي القضية الفلسطينية.
بخطوات عريضة نخطو نحو دولة السيادة العرقية، التي تتنكر للحقوق الاساس لكل مواطن غير يهودي وتبني سياجا قاطعا عنصريا بين مواطني الدولة.
لم يسبق ابدا ان اغلقت صحف "الحرديم" جراء اقوال التحقير التي تنشرها ضد الدولة الصهيونية وقادتها. ولم يخطر ببال المستشار القانوني للحكومة ان يقدم الحاخام عوفاديا يوسيف وحاخامات اخرين للمحاكمة، تقطر السنهم بالعنصرية والتحريض والكراهية. كذلك الحاخام من صفد، الذي انتخب مؤخرا لمجلس الحاخامية الرئيسية، ويحظر بيع او تأجير بيت لعربي، هو مواطن محترم عندنا.
في العامين الأخيرين، منذ نشوب الانتفاضة، أكثر الساسة والمعلقون من الحديث عن تحطم التعادل التاريخي بين اليمين واليسار وعن التحول التاريخي في أنماط التصويت في اسرائيل. وأعلن كبار المسؤولين في الليكود ان الفائز في المنافسة بين ارييل شارون وبنيامين نتنياهو سيكون رئيس الحكومة المقبل. وسلمت قيادة حزب العمل بالهزيمة الكبرى الوشيكة. وكان التقدير السائد في الحلبة السياسية هو ان انتخابات عام 2003 ستبشر بعهد جديد: لا مزيد من التعادل بين المعسكرين، أو النصر الضئيل لأحدهما، وإنما ضربة قاضية، قاطعة، يوجهها اليمين لليسار. ولكن معظم استطلاعات الرأي من الاسبوعين الأخيرين تعرض صورة مغايرة. فهي تقرر ان التناسب بين معسكري اليمين واليسار ما زال هشا: إذ يحظى اليمين ب61 65 مقعدا، ويحظى اليسار ب55 59 مقعدا. وهذا يعني ان اليسار قريب جدا من الحصول على كتلة مانعة، لا تتيح لأرييل شارون تشكيل حكومة ضيقة. او إملاء شروطه لإقامة حكومة وحدة.وفي توزيع الكتل بين اليمين واليسار يتم وضع “شينوي” و”شعب واحد” في معسكر اليسار، رغم انهما يصفان نفسيهما بحزبي وسط، بسبب انهما ليسا شريكين طبيعيين في ائتلاف اليمين الضيق. و”شينوي” قريبة أكثر في مواقفها السياسية لحزب العمل من الليكود، وهي تطلق الوعود للناخبين بأنها لن تنضم الى حكومة يمينية ضيقة بمشاركة الاحزاب الحريدية. كما ان زعيم “شعب واحد”، عمير بيرتس، هو من الحمائم المعلنين، حتى وإن كان كثير من ناخبيه يميلون الى اليمين يصعب رؤيته وهو جالس في حكومة يملي فيها أفيغدور ليبرمان وآفي إيتام برامجهما.
* نموذج التعادل
والعودة البادية للتعادل بين اليمين واليسار ليست مفاجئة إن لاحظنا تذبذب أنماط التصويت لدى الناخب الاسرائيلي منذ عام 1981. ففي الانتخابات الصاخبة تلك، الاولى منذ انقلاب عام 1977، حظي معسكر اليمين بما في ذلك الاحزاب الدينية “وتامي” بأربعة وستين مقعدا، مقابل 56 لمعسكر اليسار والوسط. وانتهت انتخابات عام 1984 بتعادل تام 60 مقابل 60، كما انتهت انتخابات عام 1988 مرة اخرى بانتصار معسكر اليمين 65 مقابل 55. وانتهت انتخابات عام 92 بتعادل شبه مطلق 61 مقابل 59 لمصلحة اليسار. كما انتهت انتخابات عام 1996 بانتصار اليمين عندما فاز على خلفية موجة عمليات إرهابية فلسطينية. وبالمقابل، عندما تتمركز المعركة الانتخابية في الاسابيع الاخيرة حول قضايا الاقتصاد او أداء السلطة، نشأ تعادل مطلق أو تفوق ضئيل لليسار: وهذا ما حدث في عام 1984 عندما تركزت الانتخابات حول انفلات التضخم المالي، وفي عام 1992 التي جرت في ظل هتافات: “ايها الفاسدون لقد ضجرنا منكم”. وفي عام 1999 في الانتخابات التي تمحورت حول أداء بنيامين نتنياهو.
والأمر العجيب بشأن أنماط التصويت هو صمودها أمام هزات المجتمع الاسرائيلي. فمليون مهاجر، ومئات آلاف الناخبين الجدد، والتغييرات الجذرية في نظرة المواطنين العرب، وصعود وانهيار رؤى سياسية بكاملها، كل ذلك لم يفلح في العشرين عاما الاخيرة في تحطيم التذبذب الذي يتبدل على التوالي بين النصر الضئيل لليمين والتعادل شبه المطلق بين المعسكرين.
والتعادل في الحلبة السياسية الاسرائيلية ما زال ساريا ربما بشكل أكبر مما بدا بعد إحصاء الاصوات. وفي العقدين الأخيرين اكتشف اليمين ميله للتشرذم وللتنازع على خلفية شخصية، وهكذا، فإنه حتى في المعارك الانتخابية التي فاز اليمين فيها بأغلبية ضئيلة تلاشى خلال وقت قصير ائتلافه الطبيعي. ونشأ في الكنيست تعادل مطلق، غير قابل للاصلاح، واضطر زعيم الليكود للدعوة لانتخابات مبكرة. ويمكن ان نتعرف الى صلابة أنماط التعادل ايضا من انها مرة تلو مرة “تتغلب” على استطلاعات الرأي وعلى المنطق السليم. فمعسكر اليسار والوسط تقدم بثقة على اليمين في العام الذي سبق انتخابات عام 1984، ولكن رغم الوضع الصعب للدولة، فإن تفوق اليسار تلاشى كلما اقترب موعد الانتخابات الى ان تبدد تماما. أما اليمين فكان يتفوق بفارق عظيم على اليسار في العام الذي سبق انتخابات عام 1992، ولكن رغم الهدوء الأمني النسبي، هُزم اسحق شامير في النهاية بفارق ضئيل.
واليوم يبدو ان انتخابات عام 2003 لن تشذ عن “نموذج التعادل”. فالشرخ الايديولوجي في اليسار أخلى مكانه لمصلحة التحصن التقليدي للاسرائيليين في معسكراتهم. والأغلبية العظمى التي حظي بها اليمين في العامين الأخيرين وهي أغلبية منحته في استطلاعات الرأي سبعين مقعدا باتت تتراجع مع اقتراب موعد الانتخابات.
ويعزون في الحلبة السياسية الصعود الحاد لليسار في الاسابيع الأخيرة لاكتشاف أمر الفساد في الانتخابات التمهيدية في الليكود. ولكن لا ينبغي تجاهل ان ظاهرة “العودة الى البيت” ميزت الاسابيع الحاسمة لجميع المعارك الانتخابية في اسرائيل منذ عام 1981. ومن الجائز ان الناخبين الذين ينتمون بشكل تقليدي لمعسكر اليسار والوسط كانوا فقط ينتظرون الذريعة للعودة للمعسكر السياسي الذي انتموا اليه معظم حياتهم.
وبافتراض ان “نموذج التعادل” سيثبت نفسه ايضا في الانتخابات القريبة، فإن السؤال المركزي اليوم ليس ما اذا كان اليمين سيحصل مرة اخرى على المقاعد العشرة التي خسرها في الاستطلاعات. والسؤال المهم حقيقة هو ماذا سيكون الموضوع الأساسي الذي يشغل بال الناخبين. فإذا عادت المواضيع الأمنية للتقدم في سلم الأولويات، فإن اليمين سوف يحصل على ما بين 64 68 مقعدا، كما حدث في ثلاث معارك انتخابية منذ عام 1981، أما اذا واصلت فضيحة الليكود إشغال الجمهور فإن الانتخابات سوف تنتهي بالتعادل ستين مقعدا مقابل ستين أو بانتصار ضئيل لمعسكر اليسار والوسط، كما حدث في المعارك الثلاث الاخرى منذ عام 1981.
* بين كلاينر وبشارة
ورغم ذلك ما الذي يمكن ان يحطم الانماط التي تقررت منذ عام 1981؟ وضع يفشل فيه أحد المعسكرين بشكل قاطع في تحقيق قدراته الانتخابية. وفي كل المعارك الانتخابية منذ 1981 حرص اليمين واليسار على المحافظة على توازن شبه مطلق ايضا في هذا الميدان. وعلى سبيل المثال فقد اليسار عام 1992 حوالى مقعدين بسبب فشل “القائمة التقدمية” وقائمة المتقاعدين، ووازن اليمين ذلك بخسارة أصوات “هتحيا” والحزب الليبرالي. وفي عام 1999 فقد اليسار حوالى اربعة مقاعد بفشل قائمة المتقاعدين، والورقة الخضراء وحزب الخضر، وتقريبا خسر اليمين العدد ذاته من المقاعد بفشل “تسومت” و”الطريق الثالث” و”بنينا روزنبلوم”.
ومن الجائز انه في انتخابات عام 2003 يمكن لهذا النموذج ان يتغير. إذ ان أحد المعسكرين قد يخسر “أحقيته” في التعادل نتيجة لكارثة انتخابية تجلبها قوائم لا تستطيع اجتياز نسبة الحسم، أو لا تتنافس وثمة مبرر للتفاؤل لدى معسكر اليسار. إذ من غير المنتظر له هذه المرة وقوع أضرار من جانب قائمة المتقاعدين، التي سلبت منه منذ عام 1988 على الأقل مقعدا واحدا. كما ان “الورقة الخضراء” سوف تجتاز على ما يبدو نسبة الحسم. وتوحدت الاحزاب العربية المركزية في ثلاث قوائم يفترض ان تدخل الكنيست من دون مشاكل. والخطر الوحيد لضياع الاصوات يتمثل في “التحالف الوطني التقدمي” الذي يقوده هاشم محاميد والذي من المشكوك فيه ان يجتاز نسبة الحسم، وكذلك حال حزب الخضر و”اسرائيل الاخرى”.
ووضع اليمين أشد حساسية. فقائمتا “حيروت” بزعامة كلاينر و”أهفات اسرائيل” بزعامة يوسي كدوري، يمكن ان تتأرجحا على نسبة الحسم. وكلاينر الذي كان مرشحا ضعيفا الى ما قبل عدة شهور حظي بزخم بسبب عدة خطوات لامعة. ومع ذلك، وحسب كل الاستطلاعات، من المشكوك فيه ان يحصل على الخمسين الف صوت المطلوبة. أما “أهفات اسرائيل” فهي لغز كبير، إذ ان القوة الانتخابية للحاخام كدوري لم تختبر أبدا بشكل مستقل. وثمن فشل كلاينر وكدوري يمكن ان يصل الى اربعة مقاعد يخسرها اليمين. وينبغي لليمين ان يخشى ايضا من عدة أحزاب لا أمل لها بالفوز. وبين هذه الاحزاب “تسومت” وبقايا حزب الوسط بزعامة دافيد ماغين. والاسلوب الاسرائيلي وحشي جدا، اذ ان بضع مئات من الاصوات الضائعة قد ترجح الكفة.
وميزان استغلال القدرة يميل الآن بشكل حاد لمصلحة اليسار. وهذه الصورة قد تنقلب تماما اذا تم حظر التجمع الوطني الديمقراطي بزعامة عزمي بشارة. وتقدر قوة هذا الحزب بمقعدين الى ثلاثة مقاعد. وفي حال حظر هذا الحزب سيقاطع الكثير من ناخبين بشارة عملية الاقتراع، وثمة أساس للافتراض ان عربا آخرين من ناخبي الاحزاب الاخرى سينضمون اليهم. ومن الجائز ان القرار بخصوص بشارة سيقرر مصير الانتخابات.
(اوريه شافيت ، "معاريف")
قررت لجنة الانتخابات المركزية مساء (الاثنين 30/12) شطب ترشيح النائب العربي في الكنيست أحمد الطيبي ضمن قائمة "الجبهة الديموقراطية – العربية للتغيير"، ومنعته من خوض الانتخابات البرلمانية القادمة. واتخذت اللجنة قرارها بأغلبية 21 صوتا، مقابل 18، وامتناع اثنين عن التصويت، وذلك خلافا لموقف رئيسها القاضي ميشيل حيشين وموقف المستشار القضائي للحكومة الاسرائيلية الياكيم روبنشطاين، وعلى رغم دفاع الطيبي عن التهم الموجهة اليه امام اللجنة، التي تبنت تهمة الدعوة الى الكفاح المسلح ضد اسرائيل.
الصفحة 846 من 860