يبدأ البرلمان الاسرائيلي الجديد عمله حاملا على ظهره تركة ثيقلة تنقل اليها بالوراثة عن البرلمان السابق، الذي انتهت مدة ولايته قبل موعدها بكثير، بعد ان قرر حزب "العمل" الخروج من حكومة الوحدة الوطنية واسقاط حكومة شارون الاولى، لأسباب كثيرة كان أبرزها موضوعين: اقتصادي وسياسي.
ويبدأ البرلمان الجديد عمله دون ان يكون من الواضح ما اذا كان شارون سينجح في جهوده لتشكيل حكومة وحدة وطنية مع "العمل"، الذي يواصل التمسك بقراره عدم الدخول في شراكة سياسية مع "الليكود" في ظل غياب افق على المسار السياسي مع الفلسطينيين.
ويجابه البرلمان الجديد سلسلة طويلة من القضايا الحساسة والمتأزمة التي تتطلب الحل السريع، وبرأسها الأزمة الاقتصادية الشديدة التي تمر بها اسرائيل في السنوات الاخيرة، في ضوء استمرار الصدامات الدموية مع الفلسطينيين.
وقد انعقدت الكنيست الاسرائيلية الجديدة بكامل هيئتها يوم الاثنين 17 شباط، في حفل افتتاح رسمي حضره الرئيس الاسرائيلي موشيه قصاب واكثر من الف ضيف، بينهم قادة الشرطة والجيش وقضاة المحكمة العليا ورؤساء السلك الدبلوماسي والحاخامات الكبار ورؤساء اسرائيل السابقون ورؤساء الحكومات السابقون، ورؤساء الكنيست السابقون وكذلك نواب ووزراء في برلمانات وحكومات سابقة.
وافتتح الرئيس الاسرائيلي موشيه قصاب جلسة الكنيست الاحتفالية واستغل خطابه للدعوة مجدداً الى <<الوحدة والمصالحة الوطنية>> بين مختلف الاحزاب والتيارات الممثلة في البرلمان الجديد. ودعا قصاب الى <<الدفاع عن الديموقراطية ومكانة الكنيست، والحفاظ على حقوق الفرد والدفاع عن معتقداته وآرائه، ومنع استغلال الديموقراطية بشكل سيء>>.
وفي معرض دفاعه عن فكرة الوحدة دعا قصاب الى ارساء دستور لاسرائيل يتم التوصل اليه بالاتفاق والاعتراف بالخصوم السياسيين، دون تجاهل ما هو قائم من خلافات واختلافات على الحلبة السياسية والحزبية الداخلية. وقال: <<الوحدة لا تعني التنازل عن المعتقدات ووجهات النظر. لا احد ينوي أو يريد اقامة دولة فيها إكراه ديني او اقتلاع الثقافة اليهودية>>. واضاف: <<لا توجد خلافات على الهدف، هناك خلافات حول طرق تحقيقه>>.
ودعا قصاب الدول العربية للمساعدة في تأهيل اللاجئين الفلسطينيين وقال <<ان اسرائيل ستساعد في ذلك>>. وادعى قصاب ان ذلك لا يتناقض مع المفاوضات. وهاجم الدول العربية التي زعم انها تموّل الشبان الفلسطينيين الذين ينفذون عمليات انتحارية في اسرائيل، قائلا إنها بذلك تلحق الضرر بالموضوع الفلسطيني>>.
وفي ختام كلمته دُعِيَ عضو الكنيست شمعون بيريس الى منصة رئاسة البرلمان الجديد لأداء القسَم وتسلّم رئاسة الكنيست الى حين انتخاب رئيس جديد لها من المتوقع ان يتم يوم الاربعاء 19 شباط. وقد رشح "الليكود" لهذا المنصب عضو الكنيست روبي ريفلين.
والقى شمعون بيريس كلمة امام البرلمان الجديد دعا فيها الشعب الفلسطيني <<لوضع حد للارهاب وسفك الدماء، بالتعاون مع الجمهور الاسرائيلي>>.
ومباشرة بعد الانتهاء من يمين القسم الذي اداه 120 نائبا في البرلمان الاسرائيلي السادس عشر، تجدد الصراع على رئاسة لجان الكنيست المختلفة، وبخاصة الهامة والحساسة منها، مثل لجان: الخارجية والامن، والدستور والقانون، والاقتصاد.
ويتوقع المتابعون أن يتم انتخاب رئيس لجنة المالية السابق عضو الكنيست يعقوب ليتسمان ("يهدوت هتوراه") لنفس المنصب الى ان يتم الاعلان عن تشكيل الحكومة الجديدة. وفي ذلك تلميح واضح الى ان ارئيل شارون مستعد لابقاء رئاسة لجنة المالية بيد "يهدوت هتوراه" مقابل الحصول على تأييدها لائتلافه الحكومي من خارج الحكومة. ووافقت قيادة الحزب الاشكنازي "الحريدي" على دعم حكومة شارون مقابل رئاسة اللجنة بشكل دائم.
* "المحسوبية" تتمأسس في الكنيست الـ 16
ومع فوز الليكود في الانتخابات التشريعية بهذا العدد الكبير من النواب والوجوه الجديدة، تفتح ابواب البرلمان الاسرائيلي امام نواب غير اعتياديين، من النجل الأكبر لرئيس الوزراء ارئيل شارون إلى عنصر سابق في أجهزة الأمن الداخلي (الشين بيت) متهم بجريمة قتل، مرورًا بنادلة شابة.
وفي حين رحب بعض المعلقين بهذه الوجوه الجديدة في الكنيست معتبرين انها خير دليل على وضع الديموقراطية في اسرائيل، دانت الصحافة ظاهرة المحسوبية التي باتت متجذرة على حد قولها في الثقافة السياسية الاسرائيلية.
ونواب الليكود الـ 38 هم المدرجة اسماؤهم في صدارة لائحة مرشحي الحزب للنيابة التي اعدتها اللجنة المركزية. غير ان عناصر من اوساط الاعمال المشبوهة اخترقت على ما يبدو هذه اللجنة وقد شابت فضائح رشاوى وعمليات شراء اصوات اختيار المرشحين واقتضت فتح تحقيق.
وحمل الامر شارون على الغاء نظام انتخاب المرشحين للنيابة.
واعتبر العديدون بمثابة فضيحة حقيقية دخول ايهود ياتوم (54 عاما) الى الكنيست، وهو مسؤول سابق في الشين بيت، اتهم بتحطيم رأس فلسطينيين قبض عليهما على قيد الحياة، بعد ان خطفا حافلة اسرائيلية في جنوب تل ابيب عام 1984 وهددا بقتل ركابها.
وحالت هذه القضية دون ارتقاء ياتوم الى مناصب مسؤولية مثل منصب مستشار شارون لشؤون مكافحة الارهاب. غير انه بدأ بفضل "الليكود" الآن صفحة جديدة كنائب.
من جهة اخرى، انتخب داني ياتوم شقيق ايهود ياتوم والرئيس السابق للموساد (اجهزة الاستخبارات) على اللائحة العمالية. وقد عرف هو ايضا اوقاتا عصيبة عام 1997، حين تحولت عملية خطط لها لتصفية مسؤول في حركة "حماس" في الاردن خالد مشعل الى كارثة حقيقية.
غير ان الاكثر غموضا بين النواب الجدد في الكنيست يبقى بالتأكيد عومري شارون، نجل رئيس الوزراء. فهو بقامته الضخمة ورأسه الحليق وثيابه الرياضية والقرط المتدلي من اذنه، بعيد الى اقصى حد عن الصورة النموذجية للنائب الاسرائيلي.
ميزة عمري شارون الوحيدة هي انه ابن رئيس الوزراء، وقد اكتسب في ظل والده صفات المندوب المكلف المهمات السرية والحساسة في المنطقة.
ودهش العديدون حين علموا ان والده كلفه القيام بمهام عدة لدى الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، العدو اللدود الذي طالما رفض شارون التفاوض معه.
وقد تقبلت الاوساط السياسية "عمري الشاب الطموح" طالما ان طموحاته اقتصرت على التردد على مقاهي تل ابيب الرائجة. لكن مع بروز "عمري النائب"، عادت الاتهامات بالمحسوبية الى الظهور.
ومن بين نواب الليكود ايضا نعومي بلومنتال، النائبة السابقة لوزير البنى التحتية المتورطة في فضيحة شراء اصوات في انتخابات الليكود والتي كانت بالامس منبوذة.
اما النائبة الاصغر سِناً عنبال غافرئيلي (27 عاما)، فهي نادلة سابقة ادرجت على لائحة مرشحي الليكود للنيابة متقدمة على احد ابرز شخصيات الحزب، رئيس بلدية القدس الغربية ايهود اولمرت.
واتهمت الصحافة شوني غافرئيلي والد النائبة، وهو رجل اعمال مرتبط بحسب المعلومات الصحافية باوساط الاعمال المشبوهة، بانه هو الذي اوصلها الى الكنيست للحصول على ضغط من اجل تشريع فتح كازينوهات القمار في اسرائيل، وهو ما يطالب به منذ سنوات.
وسيضم الكنيست الجديد ايضا ميخائيل غورلوفسكي الذي لم يعرف من العمل السياسي سوى قيادة سيارة افيغدور ليبرمان، احد زعماء اليمين المتطرف، حتى قبل شهرين.
وادرج غورلوفسكي في المرتبة السابعة والعشرين على لائحة مرشحي الليكود، وهي المرتبة المخصصة لممثل عن المهاجرين اليهود من روسيا. ودخل الكنيست في ظل الانتصار الساحق الذي حققه الليكود.