الممر الواقع في الطابق الأول من البناية الرئيسية لجامعة حيفا كان مليئًا بالعيون. عيون غاصت تحت الحواجب المرفوعة استهجانًا لما قرره رئيس الجامعة، بروفيسور يهودا حيوت. القصة، قبل اسبوعين، بدأت حينما بادر المؤرخ المعروف د. إيلان بابه الى تنظيم يوم دراسي يتناول حرب 1948 برؤية تحليلية بحثية مجددة. لكن، لم يتوقع أحد أن تكون هناك بعض المواضيع التي يُمنع النظر إليها مجدداً، ولو بثمن كتم الأنفاس. يجب، كما يبدو، أن تظل مغطاة بغبار الأمس. حتى القمع يفقد هنا إحدى حاجاته الهامة: الحياء.
في معرض تقييمهما لنتائج "مؤشر السلام" لشهر نيسان 2003، يكتب البروفيسور افرايم ياعر ود. تمار هيرمان، المسؤولان عن مشروع الاستطلاع الشهري، ان ثمة مؤشرات في المجتمع اليهودي تدل على الميول الى التفاؤل الحذر بما يتعلق باحتمالات انهاء النزاع التاريخي بين اسرائيل والفلسطينيين، في اعقاب الانتصار العسكري الامريكي في العراق والتغييرات في قيادة السلطة الفلسطينية. وتتغذى هذه الاجواء من تأييد الاغلبية اليهودية في اسرائيل لخطة "خارطة الطريق"، وذلك رغم ان الجمهور الاسرائيلي منقسم في ما يتعلق بالسؤال عما اذا كانت رؤية ادارة جورج بوش للمصالح الحيوية الاسرائيلية شبيهة برؤية حكومة اسرائيل لهذه المصالح. على أية حال، الرأي العام السائد هو أن الادارة الامريكية ستمارس ضغوطات كبيرة على الاطراف لكي تجبرهم على القبول بالخطة.
مهمة هي الاولى من نوعها القيت على كتيبة المدرعات النظامية التي يقودها المقدم يعقوب بنجو، من اللواء السابع. انها الكتيبة الاولى في الجيش الاسرائيلي التي توكل اليها المسؤولية عن قطاع في منطقة "خط التماس"، تشمل جزءًا فاعلا من الجدار الفاصل الجديد (الموصول بنظام انذار الكتروني). يبلغ طول المقطع الفعال، حاليا، حوالي 11 كيلومتراً، من اصل مسافة عشرات الكيلومترات ـ من "الجلبواع" في الشرق وحتى "مي عامي" (تجمع سكاني يهودي قرب ام الفحم في المثلث - المحرر) في وادي عارة، في الغرب. ورغم ذلك، فان هذا المقطع يشكل مختبر تجارب يتيح للجيش البدء في فحص انتشاره وتوجهاته القتالية على طول المرحلة الاولى من الجدار ـ من سالم شمالا، وحتى "الكَناه" (مستوطنة في الاراضي المحتلة) جنوبا ـ والتي يتوقع انجازها كليا، في غضون اقل من شهرين.
في مطلع آذار الأخير أعلن الجنرال المتقاعد أنطوني زيني عن استقالته من مهته مبعوثاً خاصًا للإدارة الامريكية للنزاع الاسرائيلي ـ الفلسطيني. عمليا، قلة هي التي تتذكر ان زيني لا يزال يتولى هذا المنصب الرسمي ـ فهو لم يعد الى المنطقة منذ العملية الانتحارية في فندق "بارك" في نتانيا ليلة عيد الفصح العبري السنة الماضية، وعملية "السور الواقي" التي أعقبتها، وخطة العمل التي وضعها تم اهمالها. خلال الأشهر المنقضية على ذلك لوقت، ابتعد زيني أكثر فأكثر ليس عن طرفي النزاع فحسب، وانما عن مرسليه في البيت الابيض والخارجية الامريكية ايضًا.
الصفحة 768 من 860