خرجت إسرائيل إلى هذه الحرب على لبنان بحماس واندفاع شديدين، منتشية بعدالتها، ثملة بوحدتها وجبروتها الرهيب. وقد أُعتبرت الحرب عملاً من باب التطهير وإعادة الاعتبار، فيما أعتبر أي تشكيك ولو بسيط بعدالتها بمنزلة خيانة.
دخلت الحرب أسبوعها الخامس. إنه لأمر عجب: جيشنا الهائل يقاتل منذ 29 يوما "عصابة" و"منظمة إرهابية"، والمعركة لم تُحسم بعد.
صرّحت مصادر عسكرية إسرائيلية أخيرًا، أن 400 من أصل 1200 "المخربين" التابعين لحزب الله قد قتلوا. أي: 1200 مقاتل فقط أمام عشرات الآلاف من جنودنا، المزودين بأكثر العتاد والأسلحة تطورا في العالم، وما زال مئات الآلاف من مواطنينا يقبعون في الملاجئ، وما زال جنودنا يسقطون في المعركة.
تميل الدول الكولونيالية التي تشهد عملية انحسار وتراجع- غالباً في أعقاب ضغط عسكري أو قضائي أو سياسي- إلى "صب غضبها" أحياناً على الأقليات الداخلية وإلى تعميق سيرورات كولونيالية داخلية. الشعب الكردي يشكل مثالاً على المعاناة الناجمة عن هذه العملية. هذا ما حصل في تركيا التي بُنيَت، وسط قمع الأقلية الكردية، وتدمير قرى بأكملها وإجراء تنقلات سكانية قَسْرية، وهذا ما حصل أيضاً في العراق، حيث ذاق الأكراد صنوف البطش والتنكيل على يد نظام صدام في أعقاب الانسحاب من إيران والكويت.
* من هو المنتصر في هذه الحرب؟
ما زال حزب الله، في اليوم الخامس عشر من الحرب، فاعلا ومقاتلا. هذا الأمر بحد ذاته سيُسجل في تاريخ الشعوب العربية كنصر باهر.
حين يقف ملاكم من وزن الذبابة أمام ملاكم من الوزن الثقيل، ويبقى صامدا في الجولة الخامسة عشرة، فهذا انتصار له، بغض النظر عن النتيجة النهائية.
الصفحة 707 من 859