بعد أن انقشعت سحب الغبار التي أثارتها حرب الـ 33 يوماً، التي خاضتها إسرائيل ضد "حزب الله"، أخذت تنجلي شيئاً فشيئاً نتائج هذه الحرب.
والحقيقة البادية للعيان هي أن منظمة "حزب الله" تمتنع عن شنّ هجمات "إرهابية" ضد قوات الجيش الإسرائيلي المنتشرة حتى الآن في جنوب لبنان، وذلك حتى لا تعطي إسرائيل ذريعة لخرق اتفاق وقف إطلاق النار. يبدو إذن أن منظمة "حزب الله" تحتاج لوقف إطلاق النار أكثر من إسرائيل، علماً أن الأخيرة بحاجة ماسة جداً، كما نعلم جميعاً، لمثل هذا الاتفاق.
شاهدت ذات مرة في مسرحية سياسية مشهدا يمكنه أن يعلمنا درسا: وقف على المسرح بعض الأشخاص وقالوا عبارات كلها تنتهي بكلمة "ولكن". مثلا: "بعض أصدقائي المقربين هم من اليهود ، ولكن..."، "لا أكنّ أي شيء ضد السود، ولكن..."، "أنا أمقت العنصرية مقتا شديدا، ولكن...".
كما هو مألوف في إسرائيل عادة، فقد انبرى المحللون والمعلقون والخبراء الإستراتيجيون والباحثون عن التقصيرات وغيرهم ليقدموا تحليلاتهم وتصوراتهم واستنتاجاتهم في شأن الحرب الأخيرة (على لبنان). وفي دولة كل الشعب فيها جيش، ليس مستغرباً أن يتحوّل التعبير عن الآراء وخوض الجدل ونقاش الصالونات في الأمسيات وفي أيام الجمعة إلى ثقافة عامة. اليوم يجري كل شيء حسب إيقاع وسائل الإعلام التي "أبدعت" حتى أكثر من الجنرالات، في تحليل حروب الماضي وليس الحرب الأخيرة فقط.
غداة الحرب سيبدأ توجيه الطعنات من الخلف.
الكل سيتهم الكل. سيتهم الجنرالات أحدهم الآخر، والسياسيون سيتهمون بعضهم البعض وسيتهمون الجنرالات أيضا. وبالأساس: الجنرالات سيتهمون السياسيين.
في كل الدول وفي كل الحروب، عندما يخفق الجنرالات، تنشأ أسطورة "الطعنة من الخلف": لولا قيام المستوى السياسي بإيقاف الجيش، لكان الجيش سيحقق نصرا كبيرا، باهرا وتاريخيا.
الصفحة 706 من 859