المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • على هامش المشهد
  • 1026

 

 

آلاف الإسرائيليين ينتقلون للسكن في المستوطنات سنويا ويعتادون على الوضع الأمني ويرفضون سيادة غير إسرائيلية

 

 

*عدد المستوطنين في الضفة الغربية (من دون القدس الشرقية) بلغ 375 ألفا، بينهم 143 ألفا يقطنون خارج الكتل الاستيطانية الكبرى*

 

 

تحيي إسرائيل في شهر شباط الحالي ذكرى مرور أربعين عاما على تأسيس حركة "غوش إيمونيم" الاستيطانية. ورغم أن الاستيطان بدأ قبل ولادة هذه الحركة، إلا أنه منذ تأسيسها، في 9 شباط العام 1974، انطلق المشروع الاستيطاني بوتيرة عالية جدا، وارتفع عدد المستوطنين من عدة آلاف قليلة في منتصف السبعينيات إلى مئات الآلاف اليوم، وانتقلوا من هامش الحياة السياسية إلى مركزها، وأصبحوا من أعمدة الجيش.

 

ووفقا لمعطيات السجل السكاني الإسرائيلي، فإنه في نهاية العام 2013 الفائت بلغ عدد المستوطنين في الضفة الغربية 375 ألفا، بينهم 15400 انتقلوا للسكن في المستوطنات خلال العام الماضي. وتعني هذه المعطيات أن نسبة الزيادة السكانية في المستوطنات هي 3ر4% بينما هذه النسبة هي 9ر1% دخل الخط الأخضر. وارتفع عدد المستوطنين في الكتل الاستيطانية، مثل "غوش عتصيون" و"حاضن القدس" و"أريئيل"، بحوالي 10500 مستوطن جديد خلال العام الماضي، ليصل عددهم إلى 231600 مستوطن. وانتقل 5000 إسرائيلي للسكن في المستوطنات الواقعة خارج الكتل الاستيطانية، التي وصل عدد السكان فيها إلى 143 ألف مستوطن. وهذه المعطيات لا تشمل قرابة 200 ألف يسكنون في المستوطنات في القدس الشرقية.

 

وفي هذا السياق، تضمن عدد صحيفة "يديعوت أحرونوت"، يوم الجمعة الماضي، محورا خاصا بعنوان "40 عاما على الحركة الاستيطانية".

 

واعتبرت الصحيفة، بناء على المعطيات والأرقام أعلاه، أن "هذه الأرقام توضح أمرا واحدا، وهو أنه إذا لم يسارع الجانبان [إسرائيل والفلسطينيون] في التوصل إلى تسوية، فإنه خلال سنوات معدودة لن يكون بالإمكان تقسيم المنطقة بين الشعبين والتوصل إلى سلام".

 

 

فيللات ورفاهية

 

تناول أحد التقارير الذي تضمنه محور "40 عاما على الحركة الاستيطانية" السكان الجدد في المستوطنات.

 

ويتبين منه أن هؤلاء المستوطنين يشكلون عيّنة من المجتمع الإسرائيلي داخل الخط الأخضر، وقبل انتقالهم للسكن في المستوطنات كانوا يسكنون في مدن مثل رعنانا والخضيرة وحيفا، ويعملون في مجالات الهايتك والعقارات والتمريض والشرطة وما إلى ذلك. وقسم منهم متدين معتدل، والآخرون علمانيون، وهم غالبا لا يتحدثون عن نزعات أيديولوجية ولا عن "أرض إسرائيل الكبرى".

 

رغم ذلك فإنهم يسكنون في الأراضي المحتلة، بعد أن أغرتهم حكومة إسرائيل بالانتقال للسكن في المستوطنات، ليسكنوا في البيت الذي يحلمون به، وهو عبارة عن فيللا واسعة وقطعة أرض بمساحة نصف دونم، وهواء نقي ومناظر خلابة ومستوى حياة مرتفع، وكل هذا لقاء مبلغ زهيد نسبيا. وإضافة إلى ذلك فإنهم يحصلون على إعفاءات في ضريبة الدخل.

 

وإحدى المستوطنات التي تجذب هؤلاء المستوطنين الجدد هي "حرمش"، الواقعة شمال مدينة طولكرم. وأقيمت "حرمش"، كمستوطنة لليهود العلمانيين، في العام 1983، وكانت تسكنها حينذاك 85 عائلة "كانت تبحث عن جودة حياة عالية". وانخفض عدد سكانها إلى 27 عائلة خلال الانتفاضة الثانية. لكن بعد أن شقت حكومة إسرائيل شارعا التفافيا، في العام 2009، "لمنع الاحتكاك مع الفلسطينيين"، ارتفع عدد السكان في هذه المستوطنة إلى 80 عائلة. ووفقا للصحيفة فإنه ستتم المصادقة قريبا على بناء 150 وحدة سكنية جديدة.

 

وفيما يتعلق بطبيعة السكان في مستوطنة "حرمش" فإن "جميعهم علمانيون، وعلى ما يبدو أنهم في الجانب اليميني من الخريطة السياسية لكنهم بعيدون عن السياسة. ويهمهم أكثر أن يتحدثوا عن زاوية الشواء في ساحة البيت، أو أشجار الفاكهة التي زرعوها مؤخرا، أو دواخين [محطة توليد الكهرباء في] الخضيرة التي يشاهدونها من شرفة البيت".

 

وقال مستوطنون انتقلوا حديثا للسكن في هذه المستوطنة "توجد هنا جودة حياة. هدوء، سكينة، أنشطة متنوعة للأولاد، هذه جنة عدن حقا. والثمن لا يمكن منافسته، ما بين 500 - 700 ألف شيكل لبيت مقام في أرض مساحتها نصف دونم، فيها 150 مترا بناء. ست غرف". ووفقا لأحد هؤلاء المستوطنين: "لا رابط بيني وبين صفة المستوطن. فإنا أسكن في بلدة حرمش، وأنا شخص من الخضيرة أراد تحسين مستوى سكنه".

 

وأجمع المستوطنون الجدد على أمرين: الأول يتعلق بالناحية الأمنية. فهم يقولون إن لديهم خوفا من تسلل فلسطيني مسلح إلى المستوطنة لتنفيذ عملية، لكنهم يرون أنهم سيتغلبون على هذا الشعور مع مرور الوقت. وقال أحدهم "إنني أشعر بالأمن أكثر هنا. ففي تل أبيب أطلقوا النار في وسط المتنزه البحري في ظهيرة يوم سبت" في إشارة إلى قتل الشاب ثائر لالا من مدينة يافا، قبل عشرة أيام، في إطار حروب العصابات الإسرائيلية. وأضاف المستوطن الجديد أن "الجدران هنا تمنحني شعورا بالأمن. والأولاد يتجولون هنا بدون خوف، بينما لم يتمكنوا في الخضيرة من الخروج وحدهم. ولدينا مجموعة ’واتس آب’ بمشاركة جميع السكان ونحن نساعد بعضنا".

 

والأمر الثاني يتعلق بالأنباء التي ترددت في وسائل الإعلام مؤخرا، وعكست سجالا في المؤسسة السياسية، حول احتمال بقاء مستوطنات تحت سيادة دولة فلسطينية مستقبلية في حال التوصل إلى تسوية إسرائيلية - فلسطينية. وأجمع المستوطنون الجدد على استبعادهم لاحتمال التوصل إلى تسوية كهذه من جهة، وعلى إصرارهم على البقاء تحت سيادة إسرائيلية من الجهة الأخرى.

 

متحف المشروع الاستيطاني

 

خلافا للمستوطنين الجدد، فإن أغلبية المستوطنين في الضفة الغربية هم عقائديون وينتمون إلى اليمين المتشدد وخاصة التيار الصهيوني - الديني. ويمكن وصف الصهيونية - الدينية بأنها التيار الذي أسس المشروع الاستيطاني بدعم من حكومة إسرائيل، التي كان يتولاها حزب العمل. وزعيما هذا الحزب، "رجلا السلام!"، إسحاق رابين وشمعون بيريس، دعما في حينه تأسيس حركة "غوش إيمونيم"، وواصل طريقهما زعيما حزب الليكود، مناحيم بيغن وأريئيل شارون.

 

وفي هذه الأثناء، يعمل تسفيكا سلونيم، وهو السكرتير العام الأول لحركة "غوش إيمونيم"، على وضع اللمسات الأخيرة لإقامة متحف في مستوطنة "كدوميم"، وسيتضمن معروضات توثق تاريخ الاستيطان منذ أربعين عاما.

 

وقال سلونيم إن الهدف من هذا المتحف هو أن المشروع الاستيطاني "يجب أن يدخل التاريخ وجهاز التربية والتعليم والروح الوطنية. وليس صدفة أنه توجد في أي كيبوتس ’ساحة المزارعين’ التي تروي كيف بدأوا. ويتعين عليّ أن أخلّد [المشروع الاستيطاني] لأنه كلما خلّدته أكثر ستكون جذورنا هنا أقوى. إذ أنه حتى الذين كبروا في مستوطنة ولم يخرجوا منها أبدا وتل أبيب بالنسبة له هي خارج البلاد، لا يعرفون القصة التي حدثت هنا. وهذا المتحف معد لسكان تل أبيب ونيويورك أيضا".

 

ويشمل أرشيف سلونيم آلاف الملفات التي كتب على كل منها موضوع الوثائق والأوراق التي يحويها، مثل "الحكم الذاتي"، "الجدار الفاصل"، "التماسات السلام الآن" للمحكمة العليا.

 

وقال سلونيم "إذا جاء إليّ شخص ما وطلب معرفة ماذا قال بيغن في العام 1977 حول [الاستيطان في] سبسطيا، فإني سأوجهه على الفور إلى المكان الصحيح".

 

وأخرج سلونيم رسالة كتبها شارون في العام 1976 إلى رابين، الذي كان رئيس الحكومة حينذاك، وكُتب فيها أنه "بسبب شح المياه في إسرائيل فإن علينا أن نصر على عدم السماح للفلسطينيين بأنه ينفذوا أعمال تنقيب عن المياه بدون تصريح إسرائيلي. وهذه مواضيع هامة جدا للأمن من أجل منع صدام دموي بين المستوطنين والعرب".

 

وفي سنوات الثمانين غابت حركة "غوش إيمونيم" وحل مكانها مجلس المستوطنات في الضفة الغربية وقطاع غزة. وأوضح سلونيم أنه "مع تزايد عدد المستوطنات أصبحت هناك حاجة لهيئة تنظيمية أكثر وروحانية أقل، وكانت هناك حاجة لجهاز يقف مقابل الحكومة. وغوش إيمونيم نشطت قليلا في هذا الأمر. واليوم يوجد تراجع في مستوى الروحانية المتعمقة التي ميزت القيادة الأولى، التي تشكلت بالأساس من تلاميذ وحكماء [في المعاهد الدينية اليهودية]. واليوم أصبح الأفراد أكثر براغماتية ومنشغلين بخلاصة الأمور".

 

سلونيم كان عريف المظاهرة التي جرت في القدس عشية اغتيال رابين، وهو يعرف رئيس حكومة إسرائيل، بنيامين نتنياهو، وأفكاره عن قرب. وقال إنه "لن يكون سلام هنا أبدا لأن العرب لا يريدون ذلك. نقطة. وبيبي يعرف هذا الأمر، ولذلك فإنه يلعب معهم ويطلق وعودا. وهو يراهن هنا، وأنا آمل فقط ألا يقول أحد ما في نهاية الأمر كلمة ’نعم’".

 

كذلك استبعد احتمال إخلاء مستوطنة "كدوميم" وقال إنه في حال تم ذلك "ستسفك دماء كثيرة هنا. وأنا لا أنتمي لهذه الجماعة التي تسمى شبيبة التلال، الضارة وغير الجدية، لكن لن يكون إخلاء هنا".

 

ثقافة الكذب الإسرائيلية

 

ختم الصحافي الإسرائيلي يهودا نوريئيل ملف "40 عاما على الحركة الاستيطانية" بمقال تحدث فيه عن ثقافة الكذب الإسرائيلية.

 

واقتبس من مقولة لأحد قادة "غوش إيمونيم"، ويدعى مناحيم فيليكس، بأنه "نحن لدينا حافز أقوى من ذلك القائد العسكري، الذي قد يكون مؤيدا لي في أعماق قلبه. وقد تمكنت من خداعه. وعندها تغلبنا على الجيش الإسرائيلي لأننا نحن الجيش الإسرائيلي".

 

واعتبر نوريئيل أن تأسيس حركة "غوش إيمونيم"، قبل أربعين عاما، كان من خلال "نوايا حسنة" ترمي إلى "الاستيطان في البلاد مثل الطليعيين في حينه" في إشارة إلى الاستيطان في فلسطين في النصف الأول من القرن الماضي، وأن "أفضل الأشخاص استجابوا للدعوة... وكانوا مليئين بالمُثل والقيم، فهذا هو الحلم الإسرائيلي... ومع مرور الوقت باتوا يسكنون في مستوطنة مزدهرة، ثلاثة أجيال والرابع يوشك أن يبدأ... مقاتلون ومربون، مشروع حياة حقيقي ومثير للغيرة. وكل هذا المشروع وهذا البيت واقع دائما تحت طائلة خطر الخراب. والتفكير في ذلك يسبب ليساري مثلي شعورا رهيبا بالخيانة".

 

وأضاف نوريئيل أن "دولة إسرائيل لا تعرف حدودها السياسية، ولذلك لا تعرف حدودها الأخلاقية أيضا. أو من هم مواطنوها. أو ما هي قواعد اللعبة والمنظومة القانونية التي تسري عليهم. وتتصرف الدولة كأنه لا توجد دولة، وكأننا لا نزال ذئاب شمشوم [وحدة إسرائيلية شاركت في حرب العام 1948] ولم نفعل شيئا سوى أننا ذبحنا دجاجة، وكأننا لم نخرج من الملاح [الحي اليهودي في المغرب] أو الشطعطل [البلدة اليهودية في أوروبا الشرقية]، ومن أجل بقائنا علينا أن نخدع الوحش. وبذلك فإنها تقوض سيادتها نفسها وتخلد ثقافة الكذب تجاه جميع مواطنيها".

 

وتابع أن "جميعنا مطالبون بتحويل الكذب إلى حقيقة. وقد بدأ هذا من أعلى. من المحكمة العليا وأفضل الأدمغة القانونية، من الرئيس [الأسبق للمحكمة مئير] شمغار وحتى المستشار القانوني [الأسبق للحكومة إسحاق] زامير، اللذين منحا الشرعية لما لا يمكن شرعنته. والجيش الإسرائيلي طولب بالكذب. وعلق بمهمة مستحيلة. بدلا من الدفاع عن أمن الدولة وسكانها يضطر إلى فرض نظام احتلال على سكان أجانب، مع كل التشويه النابع جراء ذلك. ولأن الحياة هي دولاب، فإنه في طريق عودته من الحاجز الذي تم نصبه للفلسطينيين، سيضطر إلى إخلاء مواطنين إسرائيليين من بيوتهم".

 

وتطرق نوريئيل إلى المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، وكتب أن قادة إسرائيل في جميع الفترات "يحلفون كل صباح باسم ثقافة الكذب. وهم يحضرون إلى المفاوضات فقط لكي يثبتوا أنه ’لا يوجد شريك’. وهم أوجدوا بصورة فعلية دولة ثنائية القومية، من خلال سياسة معلنة بأنها ’يهودية وديمقراطية’، وقطيعة مع الأقلية الفلسطينية، تلك التي تحيا داخل حدود دولة إسرائيل، وتلك التي تحيا وراء الخط الأخضر. وثقافة الكذب تستوجب بذل جهد ملحوظ من أجل خصي هيئات تتطلع إلى جلب ’الحقيقة’"، وهي الجهاز القضائي والإعلام والأكاديميا. ولفت إلى أنه "ليس صدفة أن هذه الأجهزة الثلاثة تتعرض لهجمات مكثفة من أجل ألا تخرب ثقافة الكذب".

 

وخلص نوريئيل إلى أنه "سأضع جانبا ما فعله المشروع القومي بالجار الفلسطيني. هكذا للحظة، أضع جانبا أربعين عاما من قمع شعب آخر. وسأنظر إلى المجتمع الإسرائيلي فقط. وفي أحد الأيام ستصل ثقافة الكذب إلى نهايتها. وعندها لا يمكن منع المأساة. وحتى لو بطريقة سحرية لن يضطر أحد إلى أن يُقتلع من بيته ومشاهدة خراب كل ما آمن به، فإنه لن يكون بالإمكان الصفح عن أضرار انعدام الثقة، الكراهية والتشويه الأخلاقي لجيل بأكمله. وبيننا وبين أنفسنا يتطلب الأمر عملية مصالحة وطنية عميقة. وترميم الكرامة الذاتية. لم شمل عائلات. وأنا أؤمن بذلك إيمانا قاطعا: في نهاية الأمر نحن عائلة. وفي المقابل، فإن ترميم الثقة بالدولة، التي دهست جيراننا ودبت الخلاف بيننا وبين أنفسنا وحولت الكذب إلى طريقة عمل، سيكون مستحيلا على ما يبدو".

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات