المدير العام الأسبق لوزارة الخارجية الإسرائيلية: منذ فترة طويلة لم تكن هناك خلافات عميقة إلى هذه الدرجة بين إسرائيل وأميركا
كتب بلال ضاهر:
وصلت حدة الخلافات بين إسرائيل والولايات المتحدة حول الموضوعين الفلسطيني والإيراني إلى حد لم تشهد مثله منذ سنوات طويلة، وتخلل ذلك تلاسن، إن صح التعبير، بين رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، ووزراء في حكومته من جهة، وبين الإدارة الأميركية، وخاصة وزير الخارجية، جون كيري من جهة أخرى.
ووصف نتنياهو اتفاقا محتملا بين الدول العظمى وإيران بأنه "اتفاق سيء"، وقال إن الدول العظمى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، متحمسة جدا للتوصل إلى اتفاق مع إيران، معتبرا أن الاتفاق المطروح لن يمنع إيران من الوصول إلى قدرة لصنع قنبلة نووية في غضون ثلاثة أسابيع، على حد قوله خلال مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، أول من أمس الأحد. ورد كيري على نتنياهو بأنه ليس مطلعا على تفاصيل المحادثات مع إيران وأنه بعد توقيع الاتفاق معها "سيكون بإمكان نتنياهو الاعتراض على الاتفاق".
وفي هذه الأثناء، أكد الوزير الإسرائيلي لشؤون الاستخبارات، يوفال شتاينيتس، وجود خلاف حقيقي بين إسرائيل والولايات المتحدة حول إيران والاتفاق المتوقع بينها وبين الدول العظمى والذي من شأنه تخفيف العقوبات الدولية. وأضاف أنه لا يوجد فرق كبير بين تقديرات إسرائيل وتقديرات الولايات المتحدة بشأن التأثير الاقتصادي لتخفيف العقوبات على إيران "لأن تقديرات واشنطن هي لنصف سنة مقبلة وتقديرات إسرائيل لسنة مقبلة".
وتأتي أقوال شتاينيتس في أعقاب انتقادات وجهتها إليه وزارة الخارجية الأميركية، بعد أن قدر أن حجم التسهيلات بالعقوبات على إيران التي تخطط لها الإدارة الأميركية تصل إلى 40 مليار دولار. ووصفت الخارجية الأميركية تقديرات شتاينيتس بأنها "غير دقيقة ومبالغ فيها ولا تستند إلى الواقع". وقال شتاينيتس للإذاعة الإسرائيلية إن الاتفاق المتوقع مع إيران هو "اتفاق سيء ولا يحل المشكلة" حول البرنامج النووي الإيراني، معتبرا أن اتفاقا كهذا "قد يقود في نهاية الأمر إلى استخدام وسائل أخرى" في تلميح إلى هجوم عسكري ضد إيران.
كذلك يدور الخلاف بين الجانبين حول الموضوع الفلسطيني، وقد برز ذلك بعد تحذير كيري من انتفاضة فلسطينية ثالثة. ورد وزير الدفاع الإسرائيلي، موشيه يعلون، على ذلك بالقول إنه "لا ينبغي التخوف من تهديدات بانتفاضة ثالثة"، معتبرا أنه "لا يوجد أي مؤشر في الجانب الفلسطيني يقود إلى تسوية ولذلك يبدو أننا لن نحل الصراع على أساس اعتقاداتنا وسيتم التوصل إلى حل مع مرور الوقت".
من جانبها قالت وزيرة العدل ورئيسة طاقم المفاوضات الإسرائيلي، تسيبي ليفني، إن تحذير كيري نابع من أنه مهتم بمصلحة إسرائيل وأن "كيري مؤمن بأن اتفاق سلام مع الفلسطينيين هو أمر مصيري بالنسبة لإسرائيل وأمنها، وهو يحذر من أن الهدوء السائد اليوم هو هدوء مؤقت".
وكان وزير الخارجية الأميركي قد انتقد إعلان إسرائيل عن أعمال بناء جديدة في المستوطنات في موازاة إطلاق سراح الدفعة الثانية من الأسرى الفلسطينيين، قبل أسبوعين. وقال كيري، في مقابلة مشتركة أجراها معه تلفزيون فلسطين والقناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي، إن الإعلان عن بناء 5000 وحدة سكنية في المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية "يبعث برسالة بأنك غير جدي حيال عملية السلام".
ونفى كيري مزاعم نتنياهو بأنه تم الاتفاق على تنفيذ أعمال بناء جديدة في المستوطنات مقابل إطلاق سراح الأسرى، وقال إن الاتفاق كان إطلاق سراح أسرى مقابل تجميد الفلسطينيين توجههم إلى الأمم المتحدة ومؤسساتها في الوقت الحالي. وشدد على أن البناء في المستوطنات يضع صعوبات أمام تقدم المفاوضات.
وتساءل كيري خلال المقابلة "هل تريد إسرائيل انتفاضة ثالثة؟ فإذا لم نجد الطريق لصنع السلام ستتزايد عزلة إسرائيل وتتصاعد حملات نزع الشرعية عنها". وأضاف أنه "إذا لم نحل هذا الأمر فإن العالم العربي والفلسطينيين سيبدأ بدفع الأمور باتجاه آخر، والأمر الأخير الذي تريده إسرائيل هو العودة إلى العنف، ولذلك عليهم أن يوقفوا ذلك (الاستيطان) وعليهم التفكير بهذا الواقع".
من جانبه توقع قائد الجبهة الوسطى الأسبق للجيش الإسرائيلي، عضو الكنيست عمرام متسناع، نشوب انتفاضة فلسطينية ثالثة في الفترة القريبة المقبلة وأن تكون مختلفة عن الانتفاضتين الأولى والثالثة. وقال للإذاعة العامة الإسرائيلية، يوم الخميس الماضي، "إننا نقترب من انتفاضة ثالثة، وستتميز بأعمال عنف متطرفة أقل، وستُستخدم خلالها أساليب أخرى مثل توجه الفلسطينيين للأمم المتحدة ومظاهرات جماهيرية ومطالب بمقاطعة إسرائيل". وأشار متسناع، الذي كان الحاكم العسكري للضفة الغربية خلال الانتفاضة الأولى، التي اندلعت في نهاية العام 1987، إلى أن إسرائيل أطلقت تسمية انتفاضة على الانتفاضتين الأولى والثانية بعد اندلاعهما بفترة طويلة نسبيا.
وأوضح المدير العام الأسبق لوزارة الخارجية الإسرائيلية والمحاضر في قسم العلوم السياسية في الجامعة العبرية في القدس، البروفسور شلومو أفينيري، في حديث لـ "المشهد الإسرائيلي"، حول مدى تأثير الخلافات بين حكومة إسرائيل والإدارة الأميركية على العلاقات بين الدولتين، قائلا إن "العلاقات بين الدولتين تستند إلى أنه في معظم الأمور، سواء في المستوى الإستراتيجي أو في المستوى التكتيكي، يوجد توافق، لكن في عدد من الأمور لا يوجد توافق حولها بين الدولتين. فليس سرا أنه منذ العام 1967 لا يوجد توافق بين إسرائيل والولايات المتحدة حول سياسة الاستيطان. وبالتأكيد، فإنه فيما يتعلق بالموضوع الإيراني، هو موضوع آخر يوجد فيه، من جهة، توافق بشأن الهدف الإستراتيجي، والأميركيون يقولون، باستقامة، إنهم ملتزمون بأن إيران لن تصل إلى قدرات لتطوير سلاح نووي. وهم يقصدون ذلك. لكن من الجهة الأخرى توجد خلافات. وأنا لست خبيرا في السلاح النووي، ومما أفهمه أنه توجد خلافات في المستوى التكتيكي حول كيفية التوصل إلى حل للموضوع النووي الإيراني، وهل سيتم التوصل إلى ذلك من خلال فرض عقوبات على إيران، وما يتبلور الآن هو أنه لن يتم رفع معظم العقوبات. أم أنه ينبغي، كما يطالب نتنياهو وحكومته، تشديد وتعميق العقوبات. وفي أوضاع كهذه، واضح أن هذه الخلافات، وهي جدية جدا، تطمس حقيقة وجود أساس توافقي إستراتيجي واسع بين إسرائيل والولايات المتحدة، وبضمن ذلك توافق حول إيران، ولكن هناك فروق في التعامل مع الموضوع".
(*) "المشهد الإسرائيلي": المعارضة الإسرائيلية تتهم نتنياهو بأنه بالغ في صدامه المعلن مع الإدارة الأميركية. ماذا تعني هذه الاتهامات، هل يوجد قلق في إسرائيل؟
أفينيري: "هذه مسألة تتعلق بتقدير الوضع. وسيكون هذا موقف معقول أن تقول إنه لا مصلحة لإسرائيل بالتشديد على الخلافات مع الولايات المتحدة. لأن هذا بحد ذاته يحدث حراكا سلبيا. ومن الجهة الأخرى، إذا كانت النية، مثلما يقول نتنياهو، هي محاولة منع التوصل إلى اتفاق بين الدول العظمى وإيران، والذي يرى نتنياهو أنه اتفاق سيء، فإنه بقدر ما تكثر من الانتقادات يتزايد الاحتمال بمنع توقيع اتفاق كهذا. وما تفعله المعارضة في إسرائيل هو أمر شرعي، خاصة وأن هذه هي مهمتها".
(*) لنفترض أن حكومة إسرائيل قررت شن هجوم عسكري منفرد ضد إيران، مثلما تهدد إسرائيل بين حين وآخر، هل بإمكانها الإقدام على خطوة كهذه فيما الولايات المتحدة ترى أنها خطوة غير صحيحة؟
أفينيري: "في الحقيقة لا أعرف الإجابة".
(*) أليست هذه مسألة مبدئية مرتبطة بالعلاقات بين الدولتين؟.
أفينيري: "هذا مرتبط بالسؤال حول ماذا يعني هجوم كهذا وما هي عواقبه. وأعتقد أن حكومة نتنياهو ستفعل كل ما في وسعها لكي لا تكون في وضع تقدم فيه على خطوة تتناقض بالكامل مع الموقف الأميركي. وعدا ذلك فإن كل شيء سيكون في إطار التكهنات".
(*) رئيسة حزب ميرتس، عضو الكنيست زهافا غالئون، قالت للإذاعة الإسرائيلية، أول من أمس الأحد، إنه عندما يصعّد نتنياهو لهجته ضد إيران، فإنه، عمليا، يصرف الأنظار عن الموضوع الفلسطيني. هل تعتقد أن نتنياهو لا يريد عملية سياسية مع الفلسطينيين؟
أفينيري: "لا أعتقد أنه يصرف الأنظار عن الموضوع الفلسطيني، رغم أن لدي شكوكا كبيرا حيال استعداد نتنياهو ليس للتفاوض فهو مستعد للقيام بذلك، وإنما فيما إذا كانت حكومته مستعدة لتقديم تنازلات لصالح الجانب الفلسطيني من أجل التوصل إلى اتفاق. وفي المقابل فإني لست واثقا بتاتا مما إذا كان الجانب الفلسطيني مستعدا لتقديم تنازلات هامة بالنسبة لإسرائيل. ولذلك فإنني متشكك في ما إذا كانت حكومة نتنياهو بتركيبتها الحالية قادرة على تقديم تنازلات، مثلما أنا متشكك في ما إذا كان الجانب الفلسطيني قادر على تقديم تنازلات من جهته على ضوء الانقسام الحاصل بين السلطة الفلسطينية وحركة فتح وبين حماس، من أجل التوصل إلى حل دائم. ومن الجائز جدا أنه في حال عدم التوصل إلى اتفاق نهائي فإن ثمة إمكانيات أخرى، مثل اتفاقيات مؤقتة أخرى وخطوات أحادية الجانب".
(*) كيف تنظر إلى تحذيرات وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، من أن فشل المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين سيقود إلى انتفاضة فلسطينية ثالثة؟ ما الذي دفع كيري إلى التحدث بحدة كهذه؟
أفينيري: "الاحترام لكيري في مكانه، لكني أعتقد أنه ارتكب خطأ هنا. وأعتقد أيضا أنه يجب القيام بكل محاولة ممكنة من أجل دعم جهود كيري [في دفع المفاوضات]. وأنا أريد أن أراه ينجح في تحقيق مسعاه هذا. لكنه أخفق هنا، بتصريحاته هذه، ربما لأنه فقد أعصابه قليلا. وعندما تهدد السلطة الفلسطينية أو [كبير المفاوضين الفلسطينيين] صائب عريقات، بأنه إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق ستنشب انتفاضة، فإن هذا تهديد يتم إطلاقه في الوقت الذي تجري فيه المفاوضات. ولا أعتقد أنه يتعين على إسرائيل التعامل مع تهديد كهذا. لكن هذا جزء من المفاوضات بيننا وبين الفلسطينيين. وعندما يهدد وزير الخارجية الأميركي بانتفاضة، فإنه يرتكب خطأ، وحتى أني أعتقد أنه أضر باحتمالات المفاوضات، لأن إسرائيليين كثيرين، من الذين يعارضون نتنياهو، لم يحبوا هذه التصريحات من كيري. كذلك فإن كيري تراجع عن أقواله لاحقا، ويبدو أنه أدرك أن بالغ قليلا".
(*) هل هذه هي المرة الأولى التي يتحدث فيها وزير خارجية أميركي بهذه الحدة ضد إسرائيل؟
أفينيري: "لا. لقد حدثت مثل هذه الأمور من قبل. ففي فترة حكومة إسحق شامير قال وزير الخارجية الأميركي في حينه، جيمس بيكر، للإسرائيليين إنه ’إذا أردتم التحدث، فأنتم تعرفون رقم هاتفي’. لكن صحيح أنه منذ سنوات طويلة لم تكن هناك خلافات عميقة إلى هذه الدرجة، ليس حول الموضوع الفلسطيني فقط وإنما حول الموضوع الإيراني أيضا. وحكومة إسرائيل والإدارة الأميركية ليستا متفقتين الآن حول هذين الموضوعين".
(*) ما هو المنطق الذي يوجه حكومة إسرائيل عندما تقرر توسيع المستوطنات، بما في ذلك ما يسمونها بـ "المستوطنات المعزولة" والبؤر الاستيطانية العشوائية، في الوقت الذي تجري فيه مفاوضات مع الفلسطينيين؟
أفينيري: "كمن يعارض أي توسيع للمستوطنات، لا يمكنني أن أستبعد أن الإعلان عن توسيعها هو تكتيك ليس سيئا من أجل ممارسة ضغوط على الفلسطينيين، مثلما يتحدث الفلسطينيون عن انتفاضة محتملة كتكتيك يستخدمونه خلال المفاوضات".
(*) لكن الإعلان عن توسيع المستوطنات يتم تنفيذه على أرض الواقع، ومن خلال سلب ومصادرة المزيد من الأراضي الفلسطينية.
أفينيري: "ليس لدي نقاش مع هذا الموضوع ولذلك أعارضه. لكن لا يمكن تجاهل أنه خلال المفاوضات ينفذ كل واحد من الجانبين خطوات تكون جزءا من الضغوط التي يمارسها في المفاوضات".
(*) يبدو أن الحفاظ على الائتلاف الحكومي والحفاظ على "الكرسي" بالنسبة لنتنياهو أفضل من الحفاظ على مصلحة قومية إسرائيلية بالانفصال عن الفلسطينيين وعدم تحويل إسرائيل إلى دولة ثنائية القومية. هل الجمهور الإسرائيلي يوافق على ذلك؟
أفنيري: "أعتقد أنه لا يوجد تناقض لدى نتنياهو بين الرغبة في الحفاظ على سلامة الائتلاف وعلى مكانته كرئيس للحكومة وبين التوصل إلى اتفاق، وفقا لرؤيته، أو عدم التوصل إلى اتفاق. وأعتقد أن نتنياهو مؤمن بصدق، وفقا لوجهة نظره وأيديولوجيته، بالهدف الذي يسعى إليه وهذا يجعل استعداده لتقديم تنازلات هامة في المفاوضات، في هذه المرحلة، ليس كبيرا. لكن ينبغي الأخذ بالحسبان أنه عندما يتحدث أحد ما حول أمور ما فإنه لا يتحدث لأسباب تكتيكية فقط، وإنما لأنه مؤمن بها. وفيما يتعلق بالرأي العام في إسرائيل، فإنه منقسم. من جهة، توجد أغلبية كبيرة تؤيد حل الدولتين. ومن الجهة الأخرى فإنه بين أولئك الذين يؤيدون حل الدولتين، توجد أغلبية ترى أن هذا الحل لن يتحقق الآن لأن الخلافات بين الجانبين عميقة جدا. وليس واضحا كيف سيتعامل الجمهور الإسرائيلي بغالبيته مع احتمال فشل المحادثات".