المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • على هامش المشهد
  • 1346

 

إسرائيل - سورية: السيناريوهات والفرص والمخاطر الكامنة

 

 

وجهة نظر فريق بحث من

"كلية الأمن القومي" الإسرائيلية

 

 

 

تعريف: هذا المقال ورد في نطاق دراسة مطولة صدرت مؤخرا عن "كلية الأمن القومي" الإسرائيلية، يستعرض ويحلل فيها فريق أبحاث من خريجي الكلية، فوج العام الدراسي المنصرم (2011- 2012)، بشكل مسهب ومفصل، الوضع الجيو- سياسي للدولة السورية. ويركز فريق معدي الدراسة - الذي عمل بتوجيه وإشراف البروفسور أرنون سوفير، الخبير الإسرائيلي المعروف في شؤون الجغرافيا والديمغرافيا وشؤون البيئة والمياه- في نطاق هذه الدراسة، وخاصة الجزء الذي ننقله هنا، على المواضيع والسيناريوهات المحتملة التي يمكن أن يتمخض عنها "النزاع الداخلي" المستعر في سورية، والتي يرى معدو الدراسة أنها تنطوي على أهمية استراتيجية حاسمة، وعلى فرص ومخاطر كامنة في سياق مستقبل وآفاق النزاع والعلاقات بين إسرائيل وسورية، ومجمل البيئة الاستراتيجية للدولة في الأعوام المقبلة.

 

 

مقدمة

 

يحيل الوضع الجيو سياسي- الاستراتيجي الراهن لسورية، التي تجتاحها حرب أهلية طاحنة منذ ما يزيد عن العامين، إلى استنتاجات واضحة لا تقبل التأويل. فهذه الدولة تعاني - فضلا عن العنف والقتال المستعرين بين قوى النظام الحاكم وبين فصائل المعارضة المسلحة الساعية إلى الإطاحة بالحكم العلوي بقيادة الرئيس بشار الأسد- من مشاكل وأزمات جمة وخطيرة، منذ أمد طويل، ليس أقلها النقص الشديد في المياه والكهرباء والغذاء، والتناقص المستمر، منذ ثمانينيات القرن الماضي، في مخزون النفط والطاقة، والذي يلحق ضررا جسيما باقتصاد الدولة. إلى ذلك فإن التغيرات المناخية، وانعدام الاستقرار الاجتماعي، الداخلي والإقليمي، ومشاكل النزوح الداخلي وغيرها، تفضي كلها إلى مزيد من التبعية الاقتصادية (لسورية) لدول أخرى وإلى مزيد من الضعف، والذي يعتبر نتاجا لسياسة مستمرة منذ عشرات السنين، تقوم على تجاهل المسائل والمشكلات الديمغرافية والاقتصادية في هذا البلد، والتي يمكن الافتراض بأنها لن تزول بسرعة. مع ذلك، فإنه ما زال من المبكر الاستنتاج بأن الدولة السورية باتت آيلة إلى التفكك والانهيار المحتوم على المدى القريب. صحيح أن معظم أجهزة الدولة تشهد تفككا مستمرا ومتزايداً، وأن علاقاتها تتسم بالتعقيد والتدهور مع العديد من جاراتها، وأنها باتت غارقة في مستنقع إضرابات وصراعات داخلية، غير أن السيرورة العنيفة التي تمر بها الدولة السورية حاليا يمكن أن تستمر لفترة طويلة، كما أنه لا يجوز الاستخفاف بما تمتلكه من قوة عسكرية.

 

من هنا، فإن السؤال المطروح هو: ما هي المسائل التي تتسم بأهمية بالغة، فيما يتعلق بالوضع في سورية، بالنسبة إلى إسرائيل والشرق الأوسط برمته؟!

 

إسرائيل- سورية: الوضع

الراهن وآفاق المستقبل

 

تقبع في صلب العلاقات بين إسرائيل وسورية، عدا عن الرغبة التاريخية لدى دمشق في "محو الكيان الصهيوني" من الخريطة، العديد من المواضيع والقضايا الشائكة. ولعل من أهم هذه المواضيع مطالب سورية الإقليمية (استعادة هضبة الجولان التي احتلتها إسرائيل في حرب العام 1967، وجزء من المناطق الحدودية المنزوعة من السلاح)، ومسألة توزيع وتقاسم المياه بين الدولتين. ويدور الحديث هنا على مصادر المياه في هضبة الجولان، والتي هي جزء من حوض وروافد نهر الأردن، إضافة إلى مسألة استغلال مياه بحيرة طبريا. فضلا عن ذلك هناك أيضا مسألة اللاجئين الفلسطينيين المتواجدين في الأراضي السورية، والتي تشكل كما هو معروف إحدى المسائل الخلافية بين الدولتين في أية تسوية سلمية مستقبلية للنزاع في الشرق الأوسط.

 

هذه المواضيع والمسائل كافة تمثل في الحقيقة مصدر قلق وإزعاج لأمن إسرائيل القومي، ومع ذلك فإن سورية هي التي تعاني في واقع الأمر من نقص في المياه، ومن مشاكل مع اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في مخيمات على أراضيها منذ العام 1948، وهي التي ستتكبد أكبر الخسائر في أية مواجهة عسكرية جديدة مع إسرائيل. غير أن ميزان الرعب القائم بين الدولتين، لم يحل دون قيام سورية، على امتداد السنوات، باستخدام طرف ثالث (مثل المنظمات الفلسطينية المسلحة في الماضي، وفيما بعد- وحتى الآن- منظمة "حزب الله" الشيعية اللبنانية) من أجل الضغط على إسرائيل بغية تحقيق مطالبها (أي مطالب سورية).

 

ومما لا شك فيه أن السقوط الممكن للنظام السوري الحالي بقيادة بشار الأسد، من شأنه أن يغيّر بصورة دراماتيكية الواقع الجيو سياسي بين سورية وإسرائيل، بيد أنه ليس من المضمون على الإطلاق أن يكون هذا الواقع، واقعا أفضل بالنسبة إلى إسرائيل، مما كانت عليه الحال في السابق.

 

سيناريوهات محتملة

 

في ضوء التحليل السالف للوضع الجيو سياسي- الإستراتيجي الراهن الذي تمر به الدولة السورية، يمكن لنا حاليا الإشارة إلى أربعة سيناريوهات محتملة، سيكون لها تأثير مباشر على طبيعة ومستقبل العلاقات بين إسرائيل وسورية:

 

· السيناريو الأول: من المتوقع وفقا لهذا السيناريو أن يتمكن نظام الرئيس بشار الأسد من تجاوز أزمة الصراع الدائر في سورية، وأن يستمر حكمه لسنوات عديدة أخرى. وفي هذه الحالة سيكون الرئيس الأسد ملزما بتوظيف واستثمار جل جهوده وطاقاته في تقوية وتوطيد أركان ودعائم نظام حكمه، وفي العمل على استعادة وتعزيز شرعيته في الساحة الدولية بشكل عام.

 

ومن المرجح، بناء على هذا السيناريو، أن يتجنب النظام السوري بقيادة الأسد، الدخول في أية مواجهة عسكرية مع إسرائيل، كما أنه من المتوقع، من جهة أخرى، تراجع وانخفاض حجم المساعدات التي يقدمها النظام السوري لـ "حزب الله" حليفة الرئيس في لبنان.

 

ومع أن هذا السيناريو، لن يؤدي إلى تغيير في الفرضيات الأساس التي تنطلق منها إسرائيل في التعاطي مع سورية، لكنه ربما يعني ازدياد فرص واحتمالات استمرار الهدوء على امتداد الحدود الإسرائيلية- السورية.

 

· السيناريو الثاني: ينطلق هذا السيناريو (وكذلك السيناريوهان التاليان) من فرضية مؤداها أن نظام الأسد آيل إلى السقوط والزوال، وأن الحكم المركزي سوف ينهار، وبالتالي ستعيش سورية فترة طويلة من انعدام الاستقرار والصراعات الداخلية، الأمر الذي من شأنه أن يضعف هذه الدولة أكثر، لكنه يمكن أن يؤدي إلى تعزيز وتنامي القوى المتطرفة في هذا البلد، سواء القوى السنية أو الشيعية، كما ومن المحتمل أن يزداد النفوذ والتأثير الإيرانيين في سورية. من هنا، فمن المتوقع، في ضوء هذا السيناريو، أن تزداد احتمالات وقوع مناوشات حدودية واستفزازات وتحرشات ضد إسرائيل من جانب قوى ومجموعات متطرفة تتواجد وتنشط حاليا داخل الأراضي السورية. صحيح أن هذا السيناريو لا يضمر في ثناياه، من الناحية العملية، تصعيدا للتهديد العسكري ضد إسرائيل من جانب سورية (بل ولربما ينحسر هذا التهديد إلى حد كبير)، إلا أن الحدود المشتركة بين الدولتين ستكون أقل "هدوءا".

 

· السيناريو الثالث، ينطلق من فرضية مؤداها أن يحل نظام حكم سني مكان النظام العلوي في سورية، لكن هذا النظام سيتمسك بالمحافظة على وحدة تراب الدولة السورية ومنع تفككها إقليميا، مع المحافظة في الوقت ذاته على مركزية الحكم بدرجة لا تقل عن النظام الحالي. وبطبيعة الحال فإن مثل هذا النظام الجديد سيفقد على الأقل جزءا من الدعم الذي تقدمه إيران إلى سورية، بيد أنه من المحتمل أن يتبع نهجا أشد حزما تجاه إسرائيل، وقد يجد ذلك تعبيرا له في محاولة استعادة مرتفعات الجولان بالقوة، فضلا عن أنه سيكون في مقدور سورية، في ظل هكذا نظام، خلق مصاعب أمام النشاطات الحرة التي تقوم بها إسرائيل على حدودها الشمالية مع لبنان.

 

· السيناريو الرابع يتنبأ بقيام نظام ديمقراطي مستقر، إلى هذا الحد أو ذاك، في سورية (بعد رحيل أو سقوط نظام بشار الأسد) يتبنى توجها مؤيدا للغرب. ومثل هذا التطور لن يكون قطعا في صالح إيران و"حزب الله" لكنه لن يضمر بالضرورة دعوة أو استعداداً لإبرام معاهدة سلام مع إسرائيل، إذ أن مثل هذا السيناريو سيشجع في حال تحققه أطرافاً وجهات دولية مختلفة على ممارسة الضغط على إسرائيل، وكذلك على النظام السوري الجديد، من أجل الدخول في مفاوضات بهدف التوصل إلى تسوية سلمية للنزاع بين الدولتين، وصولا إلى إبرام معاهدة سلام فيما بينهما.

 

من هنا، وكخلاصة لما تقدّم، لا بد من القول بأن المسائل التي تتسم بأهمية جيو استراتيجية في سياق الموضوع السوري، لا تنحصر إذن في سؤال من قبيل: "ما الذي سيحدث بعد الإطاحة بنظام حكم الرئيس بشار الأسد؟"، وإنما: هل سيبقى نظام الحكم في سورية مركزيا، استبداديا؟! هل ستؤول الأمور إلى إمساك الأغلبية السنية بزمام الحكم في هذا البلد؟ أم أن الدولة السورية آيلة في خضم، وفي ضوء النزاع الداخلي الراهن، إلى التفكك والانقسام إلى كيانات إقليمية، عرقية ودينية وطائفية مختلفة؟! مما لا شك فيه أن حكم الأقلية المفروض على الأغلبية في أية دولة لا بد من أن يفضي في نهاية المطاف إلى حرب أهلية وسفك دماء وتصفية حسابات في أعقاب رواسب متراكمة منذ عشرات، أو مئات السنوات، ومثل هذه الحرب الداخلية، ستنعكس بالضرورة أيضا على الدول المجاورة، التي ربما ستنشأ لديها رغبة أو أطماع في أن تأخذ لنفسها حصة من أراضي وموارد هذه الدولة المثخنة بالحروب والنزاعات الداخلية.

 

عموما وفي كل ما يتعلق بسورية يبدو أن "الربيع العربي" تحوّل إلى "شتاء مكفهر ومظلم"، في الوقت ذاته يتعين على إسرائيل، المتموضعة في المركز الجغرافي للأحداث، أن تكون يقظة أكثر من أي وقت مضى لما يدور من حولها.

 

[ترجمة وإعداد: سعيد عيـاش]

 

 

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات