بنك إسرائيل يخفض الفائدة البنكية وتوقعاته للنمو خلال العام الجاري
*الفائدة البنكية ترسو عند 1% والقرار يثير جدلا في الأوساط الاقتصادية *البنك يريد وقف تدهور سعر الدولار أمام الشيكل *التقارير الوردية لا تقنع بنك إسرائيل فيطالب بتقليص الميزانية العامة للعامين 2015 و2016*
يدخل حيز التنفيذ اليوم الثلاثاء، الأول من تشرين الأول، قرار بنك إسرائيل المركزي القاضي بتخفيض الفائدة البنكية الأساسية إلى مستوى 1%، بعد أن استقرت على مدى الأشهر الأربعة الماضية عند مستوى 25ر1%، وبذلك تكون الفائدة البنكية قد انخفضت في غضون 24 شهرا (عامين) بنسبة 25ر2%، والعنوان الأبرز لهذا القرار هو وقف تدهور سعر صرف الدولار أمام الشيكل.
في المقابل، فإن التقارير الوردية التي صدرت في الأسابيع الأخيرة عن سلطة الضرائب ووزارة المالية ومكتب الإحصاء المركزي بشأن مداخيل الضريبة العالية وتقليص العجز، لم تقنع بنك إسرائيل الذي طالب بتقليص إضافي في ميزانية الدولة للعامين 2015 و2016.
وكانت اللجنة الخاصة بالفائدة البنكية في بنك إسرائيل المركزي قد اتخذت قرارها بتخفيض الفائدة البنكية بنسبة 25ر0%، لترسو عند 1%، بعد أن لم تتخذ اللجنة أي قرار على مدى الأشهر الأربعة الماضية، سوى الابقاء على مستوى الفائدة. وقد فسّر المحللون تصرف اللجنة في الفترة السابقة، على أن البنك لا يريد اتخاذ خطوات هامة قبل تعيين محافظ جديد لبنك إسرائيل، وهي مسألة تتعثر، وحتى الآن ليس واضحا من سيكون المحافظ الجديد.
وكان الدافع الأول المعلن من بنك إسرائيل لهذا القرار هو لجم انخفاض سعر صرف الدولار أمام الشيكل، إذ انحدر إلى ما دون 5ر3 شيكل، وقد تراجع سعر صرف الدولار أمام الشيكل في العام الأخير بأكثر من 12%، وكان القطاع الخاسر الأكبر هو قطاع الصادرات، الذي تراجع مردود انتاجه بالعملة المحلية.
ولم تنجح سلسلة من الخطوات التي أقدم عليها بنك إسرائيل في الأشهر الأخيرة في لجم تدهور سعر الدولار، وأبرزها استمرار شراء مئات ملايين الدولارات، إذ حسب التقديرات فإنه منذ مطلع العام الجاري ارتفع احتياطي إسرائيل من العملات الأجنبية بنحو ثلاثة مليارات دولار، وهو أقرب إلى 81 مليار دولار، بدلا من 28 مليار دولار في ربيع العام 2008.
يذكر أن بنك إسرائيل أعلن في مطلع العام الجاري، أنه ابتداء من منتصف العام الجاري ستبدأ مسيرة رفع الفائدة، وأنه مع نهاية العام الجاري ستكون 75ر1%، ولكن هذا لا يبدو واقعيا، على ضوء تخفيض الفائدة في مطلع الربع الأخير من هذا العام.
وكانت إسرائيل، على مدى عشرات السنين، من الدول التي تعتمد نظام الفائدة البنكية العالية مقارنة مع الدول المتطورة، إلا أنه في ربيع العام 2007، ومع بدء استفحال الأزمة الاقتصادية العالية، وخاصة في الولايات المتحدة، وبدء مسلسل تدهور قيمة صرف الدولار أمام الشيكل، بدأ بنك إسرائيل المركزي في تخفيض الفائدة البنكية بوتيرة عالية، وانخفضت من مستوى 5ر4% في ذلك العام إلى مستوى نصف بالمائة (5ر0%) في مطلع العام 2009.
وبقيت عند هذه النسبة إلى شهر أيلول من ذلك العام (2009)، إذ بدأ محافظ البنك السابق ستانلي فيشر في عملية رفع متسارع للفائدة البنكية، وفي شهر أيلول من العام 2010 وصلت الفائدة البنكية إلى مستوى 75ر1%، وسرّع البنك وتيرة رفع الفائدة، لترسو في شهر حزيران من العام 2011 عند 25ر3%، وبقيت على هذه النسبة أربعة أشهر، لتنخفض من جديد ابتداء من شهر تشرين الأول من العام ذاته- 2011.
وحينها عاد الدولار ليسجل انخفاضا حادا في قيمته أمام الشيكل، وشرع بنك إسرائيل في تخفيض الفائدة تدريجيا بنسبة 25ر0% في كل مرّة، إلى أن رست ابتداء من هذا الشهر عند 1%، إذ أن تخفيض الفائدة البنكية ابتداء من العام 2007 ساهم في رفع سعر الدولار، ولكن بشكل مؤقت وليس ثابتا.
تخفيض التوقعات
ورفع الضرائب
وكان بنك إسرائيل المركزي قد استبق قرار تخفيض الفائدة البنكية بتقرير تضمن تخفيض توقعاته للنمو الاقتصادي في العام الجاري، على الرغم من كل "التقارير الإيجابية" التي ظهرت على مر الأسابيع الأخيرة. وبحسب التوقعات الجديدة، فإن النمو سيسجل ارتفاعا بنسبة 6ر3% بدلا من 8ر3% حسب التوقعات السابقة، وفي المقابل، فقد رفع البنك توقعاته للنمو في العام المقبل- 2014- إلى 4ر3% بدلا من 2ر3% حسب التوقعات السابقة.
ويقول البنك إن ما يرفع النمو في العامين الجاري والمقبل، هو البدء باستخراج وتسويق الغاز الطبيعي من الحقول في البحر الأبيض المتوسط، ولولا ذلك لكان النمو أقل بكثير، وهذا نابع من انخفاض حركة التجارة العالمية، والأزمات الاقتصادية التي تعصف بعدد من الدول المتطورة في العالم، وخاصة التي تعد عناوين أساسية للصادرات الإسرائيلية في أوروبا وأميركا الشمالية.
إلى ذلك، فإن بنك إسرائيل دعا الحكومة في تقرير صدر في الأيام الأخيرة، إلى الاستعداد لتقليص ميزانية الدولة مجددا في العامين 2015 و2016، بقيمة 4 مليارات دولار، وهذا على الرغم من أن سلطة الضرائب أعلنت أن مداخيل الخزينة من الضرائب في العام الجاري حتى الآن، أعلى من المتوقع حتى هذه الفترة من العام، وتوقعت السلطة أن هذه الوتيرة ستستمر في العام المقبل، ما يعني تقليص حجم العجز في الميزانية العامة.
ويرى البنك أنه من أجل أن تحافظ الحكومة على هدف العجز 5ر2% فلا تخترقه إلى ما هو أعلى، عليها أن تقلص الميزانية العامة بمقدار 4 مليارات دولار: 3ر1 مليار في العام 2015 و7ر2 مليار في العام 2016، إما من خلال التقليص المباشر، وإما من خلال رفع الضرائب.
ردود الفعل
وفي إطار ردود الفعل، قال رئيس اتحاد نقابات المستقلين والمصالح الاقتصادية الصغيرة إيهود رتسابي إن بنك إسرائيل قرر أن لا ينتظر تعيين محافظ بنك جديد، وإنما العمل منذ الآن لتشجيع النمو الاقتصادي، وهذا قرار هام ومبارك من شأنه أن يخفف أعباء الاعتمادات المالية على المصالح الصغيرة والمستقلين، ويساهم في الحفاظ على استقرار مالي، فالنمو المنخفض والتضخم الضعيف وارتفاع قيمة الشيكل شكلت عوامل ثلاثة دفعت في اتجاه اتخاذ قرار تخفيض الفائدة.
وتابع رتسابي قائلا: إن ما رأيناه في نصف العام الجاري من ارتفاع كبير في الاستهلاك الفردي كان حالة لمرّة واحدة استبقت رفع ضريبة المشتريات في مطلع الشهر السادس من العام الجاري، ومن ثم عادت وتيرة الاقتصاد تتحرك في وتيرة بطيئة.
وقالت الخبيرة الاقتصادية في شركة الاستثمارات "بساغوت" أييليت نير إنه لو أن سعر صرف الدولار لم ينخفض أمام الشيكل، لكانت الفائدة البنكية اليوم عند مستوى 75ر1%، ولذا من الصعب التوقع بأن مستوى الفائدة الحالي كاف من أجل رفع قيمة الدولار في هذه المرحلة.
ويتوقع الخبير الاقتصادي يوسي فرايمان بأن تخفيض الفائدة حاليا سيساهم في رفع قيمة الدولار، ولكن هذه الخطوة لا يمكن أن تكون وحيدة من أجل إحداث تغيير جدي في مسألة ارتفاع قيمة الشيكل أمام الدولار، بل هناك حاجة لسلسلة من الخطوات التي تضمن أرباحا لقطاع الصادرات، المتضرر الأساس من انخفاض قيمة الدولار أمام الشيكل.
أما على مستوى المحللين الاقتصاديين، فيقول المحلل الاقتصادي في صحيفة "يديعوت أحرونوت" سيفر بلوتسكر إن إعلان الكثير من المحللين أنهم فوجئوا من تخفيض الفائدة البنكية تحول إلى تقليد دائم، وهذا ما حصل مع إعلان بنك إسرائيل، ومفاجأتهم هي المفاجئة، لأنه لم يكن مفر أمام بنك إسرائيل من تخفيض الفائدة البنكية، على ضوء تدهور سعر صرف الدولار أمام الشيكل، ففي العام الأخير انخفض سعر صرف الدولار أمام الشيكل بنسبة 5ر12%، كما انخفض سعر صرف اليورو في نفس الفترة بنسبة 5%، وهذه النسب العالية جدا كانت بمثابة ضربة للمصدرين الذين منهم، إذا لم يكن كلهم، من باتوا يسجلون خسائر، وهذا ما ساهم في لجم النمو الاقتصادي. وبذلك، حسب بلوتسكر، فإن تخفيض الفائدة البنكية هو خطوة إنقاذ ضرورية لقطاع الصادرات.
غير أن المحلل الاقتصادي إيتان أفريئيل، من صحيفة "ذي ماركر"، انتقد قرار بنك إسرائيل بحدة، واعتبره مجرد خطوة كي لا يفهم الجمهور وكأن ما يهم بنك إسرائيل هو الدفاع فقط عن الصناعيين، ورفع قيمة الدولار.
وأضاف قائلا إن بنك إسرائيل يدعي أن تخفيض الفائدة البنكية جاء من أجل وضع التضخم في المجال الذي حددته السياسة الاقتصادية، أي ما بين 1% إلى 3%. وقال إنه لا يوجد أي مبرر لتخفيض الفائدة، إذا كان هذا أحد الأهداف، لأن التضخم في الأشهر الثمانية الأولى من العام الجاري يلامس نسبة 2%.
وشكك أفريئيل في ما إذا كان تخفيض الفائدة بهذا القدر من شأنه أن يساهم في رفع النمو، لأن المستفيد من تخفيض الفائدة أساسا هم الصناعيون وأصحاب العمل لأنهم يخفضون بذلك تكلفة العمل.
يذكر أن بنك إسرائيل كان قد واجه في السنوات الماضية انتقادات من مؤسسات مالية دولية، بادعاء أنه يتدخل في سوق العملات الأجنبية، إلا أن هذه الانتقادات لم يقبلها محافظ بنك إسرائيل ستانلي فيشر الذي غادر منصبه في منتصف العام الجاري في ختام ثماني سنوات في عمله، وقال إن البنك سيتدخل في كل وقت يراه مناسبا من أجل منع أضرار لقطاع الصادرات، الذي يستوعب نسبة عالية من العاملين في إسرائيل، وأكد أن الخسائر فيه من شأنها أن تؤدي إلى فصل الكثير من العاملين.