المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
صراع "البقاء في غزة". (أ.ف.ب)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 33
  • ياسر مناع

يتسم المشهد السياسي الإسرائيلي بانقسامات واضحة حول الحرب على قطاع غزة وتداعياتها، لا سيما في ما يتعلق بمستقبل إدارة القطاع، أو ما يُعرف بـ "اليوم التالي"، وكذلك مصير سكانه، حيث تتمحور النقاشات في الوقت الحالي حول ثلاث قضايا رئيسة: التهجير القسري لسكان غزة، استمرار حكم حركة حماس، وإمكانية استعادة السلطة الفلسطينية لإدارة القطاع.

في هذا الإطار، تتبنى حكومة بنيامين نتنياهو موقفًا داعمًا لمقترح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن تهجير سكان غزة، إلى جانب رفضها القاطع لاستمرار حكم حماس للقطاع أو حتى عودة السلطة الفلسطينية إليه. ورغم أن هذه المواقف تهيمن على المشهد الإعلامي، يبقى التساؤل قائمًا حول ما هي مواقف أحزاب المعارضة الإسرائيلية (خارج الحكومة) من هذه القضايا، وهل ثمّة تباينات في تصوراتها وطروحاتها؟

يستعرض هذا المقال مواقف أحزاب المعارضة في إسرائيل، وهي حزب "يوجد مستقبل" بزعامة يائير لبيد، وحزب "المعسكر الرسمي" بقيادة بيني غانتس، وحزب "إسرائيل بيتنا" برئاسة أفيغدور ليبرمان، وحزب "الديمقراطيون" بزعامة يائير غولان.

يرتكز المقال على رصد التصريحات الإعلامية والمواقف الرسمية الصادرة عن هذه الأحزاب بشأن القضايا المطروحة.

التهجير القسري لسكان قطاع غزة: بين الدعم الصريح والرفض المشروط

يمثل تهجير الفلسطينيين إحدى القضايا الأكثر إثارة للجدل في الآونة الأخيرة، خصوصًا أنها صدرت عن رئيس الولايات المتحدة، ومن هنا تكتسب أهميتها. في هذا السياق، تتباين مواقف أحزاب المعارضة بين دعم مباشر أو غير مباشر لهذا الطرح، ورفض مبدئي يعتمد على اعتبارات سياسية وأمنية أكثر من كونه قائمًا على الالتزام بالقرارات الدولية.

عند البحث في مواقف هذه الأحزاب من القضية نرى بأن "المعسكر الرسمي" بقيادة بيني غانتس لم يعلن بشكل صريح تأييد التهجير القسري، لكنه في  الوقت نفسه لم تستبعد إمكانية توطين الفلسطينيين خارج القطاع. ففي تصريح له عبر منصة "إكس"، قال غانتس إن فكرة إقامة مناطق آمنة ومزدهرة لسكان غزة خارج حدود القطاع تستحق الدراسة، معتبرًا أن نجاح هذا الطرح، سواء جزئيًا أو كليًا، لن يضر بإسرائيل بل سيحقق لها مكاسب.[1]

في ذلك نلمس موافقة ضمنية غير صريحة لفكرة تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة.

على الطرف المقابل، يتبنى أفيغدور ليبرمان، رئيس "إسرائيل بيتنا"، موقفًا أكثر صرامة ووضوحًا في ما يتعلق بضرورة تهجير الفلسطينيين من غزة. حيث يرى أن الحل الأمثل للمسألة تكمن في تحميل مصر المسؤولية عن القطاع، من خلال ترحيل سكان القطاع إلى سيناء كونها تتسع لاستقبالهم وأن من شأن ذلك إنهاء الأزمة الأمنية لإسرائيل.[2]

أما "يوجد مستقبل"، بقيادة يائير لبيد، فيتخذ موقفًا مراوغًا، حيث يرفض التهجير القسري لكنه يدعم ما يسميه بـ"الهجرة الطوعية"، معتبرًا أن تحسين الظروف الاقتصادية لسكان القطاع سيقلل من رغبتهم في مغادرة غزة، في خطته المقترحة التي أعلن عنها في 25 شباط 2025، كما دعا إلى توفير آلية تسمح لمن يرغب في مغادرة القطاع بأن يفعل ذلك بشكل منظم، واعتبر أن مصر يمكن أن تلعب دورًا في ذلك.[3]

من جهته، يتبنى يائير غولان موقفًا رافضًا لأي سياسة تهجير قسري، ويرى أن هذه الأفكار تتناقض مع المبادئ الصهيونية واليهودية. في مقال له نشرته صحيفة "هآرتس" رفض غولان المقترح الذي قدمه ترامب بشأن إمكانية ترحيل سكان غزة إلى أماكن أخرى، واعتبر أن طرح مثل هذه الأفكار يعكس هروبًا من الواقع، مشيرًا إلى أن الحلول يجب أن تستند إلى معطيات سياسية وأمنية قابلة للتطبيق بدلًا من الأوهام الأيديولوجية.[4]

استمرار حكم حماس لقطاع غزة: معضلة أمنية واستراتيجية

تُعد مسألة استمرار حكم حركة حماس في قطاع غزة من أكثر القضايا إثارة للنقاش في إسرائيل منذ اندلاع الحرب، خاصة وأن إنهاء حكمها يُعد أحد الأهداف المعلنة للحرب. في الواقع، ثمّة إجماع شبه كامل بين الأحزاب الإسرائيلية، سواء في الحكومة أو خارجها، على ضرورة إقصاء حماس عن السلطة، مع ذلك، هناك تباين حول الآليات التي يجب اتباعها لتحقيق هذا الهدف.

يؤكد يائير لبيد أن استمرار حكم حماس يشكل تهديدًا مباشرًا لإسرائيل، معتبرًا أن الحكومة فشلت في تقديم بديل فعّال. خلال حديثه عن خطته، يرى أنه بعد ما يقرب من عام ونصف العام من الحرب، فوجئ العالم بأن حماس لا تزال تسيطر على غزة. لم يقدم أحد في الحكومة الإسرائيلية الحالية أي بديل واقعي. لأسباب سياسية، دينية، وأحيانًا مسيانية، فشلت حكومة نتنياهو في اتخاذ خطوات نحو إنشاء إدارة فعالة في غزة يمكن أن تزيح حماس عن السلطة.[5] وهذا يشير إلى موقفه الرافض لبقاء حماس على سدة الحكم في غزة.

بدوره، يرى غانتس أن الحل لا يقتصر على القضاء على حماس عسكريًا، بل يجب أن يشمل إجراءات سياسية طويلة الأمد لضمان عدم عودتها إلى المشهد السياسي. ولا بد من ضرورة استبدال حكم حماس ونزع سلاح الفصائل في القطاع، بالتعاون مع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي. ويرى أيضًا أنه لا ينبغي لإسرائيل أن تحكم غزة، ولا يمكنها أيضًا السماح لحماس بالبقاء في السلطة. وهذا ما يجعل غزة في حالة من الفوضى لعقد قادم، مع تحديات إنسانية وأمنية كبيرة.[6]

أما أفيغدور ليبرمان، فيتبنى موقفًا يمينيًا متشددًا، حيث يدعو إلى الفصل التام بين غزة وإسرائيل؛ عبر إغلاق جميع المعابر ووقف إمدادات الكهرباء والمياه والوقود. كما ينتقد الحكومة الإسرائيلية الحالية، متهمًا إياها بعدم امتلاك رؤية واضحة للتعامل مع التحديات النابعة من قطاع غزة.[7]

عودة السلطة الفلسطينية لحكم غزة

من القضايا الأخرى التي تثير جدلًا في الأوساط الإسرائيلية مسألة عودة السلطة الفلسطينية لإدارة قطاع غزة بدلاً من حماس. ففي حين يرى بعض الأطراف أن السلطة قد تكون شريكًا مناسبًا لإعادة الاستقرار إلى القطاع، يرفض آخرون هذا الطرح، معتبرين أن السلطة تفتقر إلى القدرة على فرض سيطرتها، خاصة في ظل الأوضاع الأمنية والسياسية الراهنة.

يائير لبيد يعتبر أن السلطة الفلسطينية غير مؤهلة حاليًا لإدارة القطاع، لكنه لا يستبعد إمكانية تمكينها من السيطرة على غزة مستقبليًا، بشرط إجراء إصلاحات داخل مؤسساتها. وهذه المسألة جوهرية في خطته السياسية، حيث اقترح أن تشرف مصر على إدارة القطاع خلال فترة انتقالية تمتد حتى خمسة عشر عامًا، يتم خلالها إعادة تأهيل السلطة الفلسطينية.[8]

أما غانتس، فيرفض عودة السلطة إلى غزة بالشكل الحالي، معتبرًا أنها لا تملك الأدوات اللازمة لإدارة القطاع، وأنها لم تقدم أي خطة واضحة لمرحلة ما بعد حماس. ويرى كذلك  أن الدول العربية والمجتمع الدولي غير مستعدين لدعم عودة السلطة الفلسطينية دون ضمانات واضحة لاستقرار قطاع غزة.[9]

أما أفيغدور ليبرمان، فيرفض بشكل قاطع فكرة أن تتولى السلطة الفلسطينية إدارة غزة، معتبرًا أن الحل الأمثل هو تحميل مصر، وجامعة الدول العربية المكونة من 22 دولة، ومنظمة التعاون الإسلامي التي تضم 57 دولة، المسؤولية عن قطاع غزة. وبالتالي، يجب على إسرائيل إزالة مسؤوليتها عن القطاع، مع الحفاظ على حرية العمل العسكري للجيش الإسرائيلي.[10]

في المقابل، يرى يائير غولان أن عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة ضرورية لضمان الاستقرار في القطاع، معتبرًا أن البديل عن ذلك هو استمرار الفوضى، مما قد يؤدي إلى صعود قوى أكثر تطرفًا. ويعتقد غولان أن هنالك ضرورة للتعاون مع الدول العربية المعتدلة لضمان وجود سلطة فلسطينية قادرة على تحمل مسؤولياتها.[11]

ختامًا، تعكس مواقف الأحزاب الإسرائيلية المعارضة تقاطعًا واضحًا مع توجهات الأحزاب داخل الائتلاف الحكومي في بعض القضايا، وتعكس اختلافًا في قضايا أخرى. فبينما ثمّة إجماع بين مختلف الأحزاب، سواء في الحكومة أو المعارضة، على ضرورة إنهاء حكم حماس في قطاع غزة، يبرز الخلاف حول آليات تحقيق ذلك. كما تتباين المواقف بشأن تهجير الفلسطينيين، حيث تذهب بعض الأحزاب إلى دعمه بشكل مباشر أو غير مباشر، في حين يرفضه الحزب الذي يمثل "اليسار" في إسرائيل. أما مسألة عودة السلطة الفلسطينية إلى إدارة قطاع غزة، فتظل نقطة خلافية، إذ أن البعض يعتبرها حلًا ممكنًا، بينما يشكك آخرون في قدرتها على تحمل هذه المسؤولية.

 

[1] يهودا شليزنغر. "غانتس: 'غزة تتحول من مشكلتنا إلى تحدٍّ للعالم - ودولة إسرائيل ستستفيد فقط"، يسرائيل هيوم، 5 شباط 2025. تاريخ المشاهدة 7 آذار 2025. https://www.israelhayom.co.il/news/politics/article/17305887

[2] القناة 7. ليبرمان يدعم مقترح ترامب: "الحل الحقيقي لقطاع غزة موجود في مصر وسيناء"، 3 شباط 2025. تاريخ المشاهدة 7 آذار 2025. https://www.inn.co.il/news/660431

[3] إيتمار أيخنر. "خطة لبيد لليوم التالي: مصر ستتولى مسؤولية مؤقتة في غزة، وديون بقيمة 155 مليار دولار سيتم شطبها"، يديعوت أحرونوت، 25 شباط 2025. تاريخ المشاهدة 7 آذار 2025 https://www.ynet.co.il/news/article/bk41jbi51g .

[4] يائير غولان. "الترحيل ليس جزءًا من مفرداتنا"، هآرتس، 9 شباط 2025. تاريخ المشاهدة 7 آذار 2025. https://2u.pw/ZrVk3VCj

[5] إيتمار أيخنر، مصدر سبق ذكره.   

[6]   .JDNغانتس: "الجيش الإسرائيلي سحق حماس، والخطوة السياسية يجب أن تقضي عليها نهائيًا"، 3 شباط 2025، تاريخ المشاهدة 7 آذار 2025 https://www.jdn.co.il/news/2348561 /

[7] إلياهو لوكسبيرغ."ليبرمان: 'إسقاط الصفقة مع قانون التجنيد مزيج كارثي قد يمزق الشعب"، موقع سروجيم، 10 شباط 2025. تاريخ المشاهدة 3 آذار 2025. https://2u.pw/apb4xgh8

[8] إيتمار أيخنر، مصدر سبق ذكره.

[9] يهودا شليزنغر. "من سيسيطر على غزة في اليوم التالي؟ هذا ما قاله غانتس، يسرائيل هيوم، 30 كانون الثاني 2025، تاريخ المشاهدة 7 آذار 2025. https://www.israelhayom.co.il/news/politics/article/15187352

[10] إلياهو لوكسبيرغ، مصدر سبق ذكره.

[11] القناة 7 ."عضو الكنيست يائير غولان لقناة 7: 'يمكن الانسحاب من غزة وإبرام اتفاق سياسي"، يوتيوب، 28 تشرين الأول 2024. تاريخ المشاهدة 7 آذار 2025. https://www.youtube.com/watch?v=lNWSh9AKT_4&t=27s

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات