احتدام الصراع على منصب الزعيم الروحي لحركة شاس
*الصراع على أشده بين عائلة الحاخام يوسف وأرييه درعي من جهة وبين الحاخام شلومو عمار وإيلي يشاي من الجهة الأخرى*
أعلن الأطباء في مستشفى "هداسا" في عين كارم في القدس، خلال الأيام الماضية، أن الحالة الصحية للحاخام عوفاديا يوسف، الزعيم الروحي لحركة وحزب شاس، الذي يمثل الحريديم السفاراديم (اليهود الشرقيين)، تتراوح ما بين خطيرة وخطيرة جدا ولكنها مستقرة. فالحاخام غائب عن الوعي ويتلقى تنفسا اصطناعيا.
وكان يوسف (93 عاما) قد دخل إلى المستشفى مرات عديدة خلال الفترة الماضية، لكن الأجواء لدى قادة شاس، الذين يحيطون بسريره ويصلون من أجل أن يتعافى، تشير إلى أن الحاخام يحتضر وفي أيامه الأخيرة، وعلى أثر ذلك اندلع صراع ضار على خلافته.
ويعتبر يوسف أحد أهم الحاخامين في تاريخ إسرائيل، خاصة بعد تأسيس حزب شاس في العام 1982 ودخول نواب عنه إلى الكنيست والحكومة بعد الانتخابات العامة في العام 1984. ومنذ ذلك الحين شارك حزب شاس في عشر حكومات من أصل 13 حكومة تشكلت خلال هذه الفترة. ولكونه حزبا وسطيا، من حيث الحجم والتأثير، شكّل شاس "بيضة القبان" في عدة صراعات حزبية وسياسية، لدى تشكيل حكومات أو لدى التصويت في الكنيست على قضايا ذات أهمية عليا. و"يتهم" اليمين الإسرائيلي، على سبيل المثال، حزب شاس أنه سمح بمصادقة الكنيست على اتفاق أوسلو، بمجرد امتناع نوابه عن التصويت، وأنه لو عارض الاتفاق لما تمت المصادقة عليه. كذلك لعب هذا الحزب، تحت زعامة الحاخام يوسف، دورا في القضايا الدينية وكانت مواقفه معتدلة قياسا بالحريديم الأشكناز (اليهود الغربيين).
وبدا طوال السنوات الماضية أن هذا الحزب عمل بصورة براغماتية، بحيث سعى دائما إلى الانضمام إلى حكومات الوسط - اليسار، التي شكلها حزب العمل، أو حكومات اليمين، التي شكلها حزب الليكود، من أجل الحصول على ميزانيات لتمويل مؤسساته، وخاصة التعليمية. واهتم رؤساء حكومات إسرائيل دائما بزيارة يوسف، تحت تغطية إعلامية واسعة، على ضوء الشعبية الكبيرة التي يتمتع بها الحاخام بين اليهود الشرقيين.
لذلك فإنه ليس سهلا أن يحتل أحد مكان الحاخام يوسف، خاصة من داخل حركة شاس. وأشارت صحيفة "هآرتس" إلى هذا الأمر بأن "الحاخام يوسف لم يربّ أبدا وريثا واضحا له كي يقود الحركة من بعده".
الحاخام عمّار: متمرد
أم وريث شرعي؟
يتبين الآن، بعد تدهور صحة الحاخام يوسف، أن الصراع داخل شاس عميق جدا، وأنه أعمق من الصراع لدى تشكيل قائمة الحزب لانتخابات الكنيست الأخيرة، عندما برز الصراع بعد عودة أرييه درعي إلى صفوف الحزب، بين هذا الأخير ورئيس الحزب السابق ايلي يشاي.
ويدور الصراع الآن بين معسكرين أساسيين.
يقود المعسكر الأول الحاخام الأكبر السابق شلومو عمار. ويقود المعسكر الآخر الحاخام الأكبر الحالي إسحق يوسف، نجل عوفاديا، ومعه درعي. وسادت خلافات كبيرة بين يوسف وعمار، خلال الفترة الماضية، رغم أن يوسف كان قد دعم عمّار بشكل كبير جدا من أجل تعيينه حاخاما أكبر لإسرائيل، قبل سنوات. لكن قبيل الانتخابات الأخيرة لتعيين الحاخام الأكبر السفارادي، دب الخلاف بين الاثنين، بعدما قرر عمار دعم مرشح مقابل مرشح شاس، نجل الحاخام يوسف. ولذلك اعتبر عمار أنه تمرد على يوسف. كما أن عمار قاطع مراسم تنصيب إسحق يوسف حاخاما أكبر.
وقد يبدو هذا الخلاف شخصيا أو سياسيا، لكنه في الواقع خلاف على مصالح وعلى الكثير من المال. إذ كان مهما ليوسف وعائلته أن تعود سلالتهما إلى منصب الحاخام الأكبر. والبقاء في المنصب يعني، إضافة إلى المكانة المرموقة، استمرار أعمال العائلة في المجال الديني، مثل إعطاء شهادات الـ "كاشير" (أي الطعام والشراب الحلال بموجب الشريعة اليهودية)، التي تدر ربحا كبيرا على العائلة وفقا لتقارير صحافية إسرائيلية.
لكن الأمور انقلبت رأسا على عقب بعد دخول يوسف إلى المستشفى قبل أسبوعين، وبعد أن زاره عمار. وكشف المحلل السياسي لصحيفة "معاريف"، شالوم يِروشالمي، يوم الثلاثاء الماضي، عن أن عمار يعتبر أن يوسف عينه وريثا له كزعيم لشاس، بعد أن وصلته ثلاث رسائل من الحاخام يوسف.
ووفقا ليروشالمي، فإن الحاخام عوفاديا بعث بهذه الرسائل بواسطة كنّته، يهوديت يوسف، التي اتصلت هاتفيا بزوجة عمار، مازَال عمار، وأبلغتها بالرسائل الثلاث. وقالت الرسالة الأولى إن عوفاديا يطلب الصفح والغفران المتبادل من عمار. ودعت الرسالة الثانية عمار إلى أن يصلي من أجل أن يستعيد عوفاديا صحته. أما الرسالة الثالثة، والتي اعتبرها عمار أنها الأهم، فقد تضمنت طلبا من عوفاديا بأن يساعد عمار نجله، الحاخام الأكبر الجديد، ويرشده في عمله، الذي بدأ بمزاولته قبل ذلك بأسبوع واحد فقط.
وقوبلت هذه الرسائل، وخاصة الأخيرة، بالذهول في صفوف مؤيدي عمار. وقال هؤلاء المؤيدون إنه "بالنسبة لنا، الحاخام عوفاديا صدّق على الهرمية بشكل نهائي. والحاخام شلومو هو سيدنا الحقيقي القادم". وكان عمار قد حضر لعيادة يوسف بناء على طلب الأخير. ووفقا للمقربين منه فإن يوسف استقبله بسرور وبكاء، وقال لعمار "أنت صديق.. أنت نور العالم". واعتبروا أن الخلافات والخصومات بين الاثنين قد انتهت.
وأفادت التقارير الصحافية بأن معسكر عمار أدار حملته على مستويين. الأول من خلال المشاركة في عدد كبير من المراسم الدينية، من أجل تكريس حضور عمار ميدانيا. ومن خلال شن حملة، يشارك في قيادتها إيلي يشاي، ضد رئيس حزب شاس، أرييه درعي.
لكن المعسكر الآخر في شاس يؤكد أن الحاخام عوفاديا لم ينصب أحدا خلفا له، ووصفوا إعلان المقربين من عمار عن تعيينه وريثا بـ "الوقاحة"، خاصة وأنهم منشغلون في ذلك فيما الحاخام يرقد في المستشفى ويتألم.
وأثار النشر في "معاريف" غضبا وتوترا شديدا في صفوف معسكر درعي، وسعى إلى نزع الشرعية عن عمار وإمكانية خلافته ليوسف. وقال مقربون من درعي إن يوسف، وقبل تخديره، أعلن فعلا أنه يصفح لعمار، لكنه طلب منه ألا يعارض نجله، الحاخام الأكبر السفارادي، إسحق يوسف. وأضاف مقربون من درعي أن عمار لا يملك الصلاحية الشرعية المناسبة كي يرث يوسف، وأنه لم يترك بصمة خلال ولايته كحاخام أكبر.
واحتج المقربون من عمار على هذه الأقوال، واقتبسوا من أقوال ومقدمات كتبها الحاخام عوفاديا في كتب من تأليف عمار، ووصف فيها عمار بأنه "فارس الرعاة" و"ينبوع مصدر الحكمة"، وأن يوسف قال خلال مؤتمر ديني كبير، قبل عام ونصف العام، إنه يبارك جميع الحاخامين "وفي مقدمتهم صديقي العبقري الحاخام شلومو عمار". وشددوا على أن "من يستهزئ بالحاخام عمار إنما يستهزئ بالحاخام عوفاديا". إضافة إلى ذلك، أفادت "معاريف"، يوم الجمعة الماضي، بأن عمار بدأ، منذ حوالي الشهر، بالاستعانة بمستشار علاقات عامة، من أجل الوصول إلى مكانة الزعيم الروحي لشاس.
انقسام محتمل
في شاس
تشير التقارير الإسرائيلية إلى أن وضع درعي داخل شاس ليس جيدا مقابل المعسكر الخصم بقيادة عمار ويشاي. فإذا فقد درعي الحاخام عوفاديا يوسف، فإنه يتعين عليه أن يجد سلطة روحانية تمكنه من السيطرة على شاس. لكن لا توجد سلطة كهذه توازي سلطة يوسف أو عمار.
وقالت "هآرتس"، يوم الجمعة الماضي، إن هناك ثلاثة مرشحين لخلافة الحاخام يوسف. الأول هو عمار. والثاني هو الحاخام شالوم كوهين، عضو "مجلس حكماء التوراة" التابع لشاس ورئيس المعهد الديني اليهودي "ييشيفاة فرات يوسف". والثالث هو الحاخام الأكبر إسحق يوسف، نجل عوفاديا. لكن الأخير، وبسبب توليه منصبا رسميا، لن يتمكن من تولي منصب سياسي خلال السنوات العشر المقبلة.
لذلك يتوقع أن يسعى درعي إلى دفع كوهين إلى منصب الزعيم الروحي لشاس. لكن كوهين أطلق في الفترة الأخيرة تصريحات ضد التيار الصهيوني - الديني، وهو أمر من شأنه أن يضعف حزب شاس تحت زعامته. وكان كوهين قد وصف مؤيدي حزب "البيت اليهودي" اليميني المتطرف بأنهم "عماليق"، الذين حاربهم الرب وفقا لما جاء في التوراة. كذلك استهزأ كوهين بـ "القلنسوة المنسوجة" التي يعتمرها مؤيدو التيار الصهيوني - الديني ووصفهم كمن يعتمرون "وعاء مليئاً بالبراز".
وفي ظل التخوف من فوز معسكر عمار - يشاي، بدأ معسكر درعي بشن هجوم ضد عمار ومقربيه، ووصفوهم بأنهم "يرقصون على الدماء". وقال أحد المقربين من إسحق يوسف ودرعي لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، إن "كل ما يشغلهم [أي يشغل معسكر عمار] الآن هو صراعات الورثة، في الوقت الذي يبكي فيه كل شعب إسرائيل على الحاخام [عوفاديا]. ونحن لا نرد لأنه لا يوجد لدى أحد الوقت والقوة من أجل ذلك. وهذا استخدام سافر لحالة الحاخام. وربما يوجد لدى الحاخام عمار معرفة توراتية، لكن سلوكه لا يؤهله لمنصب قيادي. وهو استغل ثقة سيدنا والتف حول ظهره مرة تلو الأخرى".
وقال مصدر آخر مقرب من الحاخام عوفاديا يوسف للصحيفة نفسها، إن "الحاخام لم يجعلنا نعتقد للحظة أن الحاخام عمار هو الذي سيواصل طريقه. وستستمر السلالة عن طريق أبنائه، الذين جميعهم والحمد لله تلاميذ حكماء. ومن كان يعرف أصلا الحاخام عمار قبل عشر سنوات، قبل أن دعمه الحاخام عوفاديا من أجل الوصول إلى منصب الحاخام الأكبر؟ نحن نعرف أن الحاخام عمار يعمل جاهدا من أجل الـ 120 للحاخام [وهذا تعبير يتعلق بموت عوفاديا يوسف]. لكنه لن ينجح في ذلك".
ولوح المصدر نفسه بتهديد نحو عمار بقوله إن "الحاخام عمار يعرف أن اللقاءات معه مسجلة ومصورة. وفي اللحظة التي نخرج فيها التسجيلات سنرى كيف سيتعامل معها، وسيكون الأمر غير لطيف أبدا. وسيضطر إلى البحث عن ملجأ للاختباء فيه عندما يسمع الجميع كيف أن سيدنا وجه إليه كلاما قاسيا للغاية".
على ضوء هذا الصراع الشديد، يرى المراقبون والمحللون أن حركة شاس تتجه نحو الانقسام والتفكك إلى عدة جهات. ويدور الحديث داخل شاس حول التحالف بين عمار ويشاي، الذي سيأخذ نصف نواب كتلة حزب شاس في الكنيست وكذلك اسم الحزب. ويعتبر محللون أن هذا سيكون انتقام عمار ويشاي من درعي. وثمة احتمال آخر ليس مستبعدا وهو أن ينجح درعي في تشكيل "مجلس حكماء توراة" جديد، ويتمكن من أن يديره وفقا لرغبته والحفاظ من خلاله على مكانته داخل شاس.
ويؤكد المحللون أن هذه الصراعات داخل شاس بدأت قبل شهور طويلة، وربما في نهاية العام الماضي، عندما قرر الحاخام إسحق يوسف وزوجته يهوديت إخراج يشاي من قيادة شاس وتعيين درعي الذي عاد إلى الحلبة السياسية بعد سنوات طويلة قضاها خارج النشاط السياسي بسبب سجنه بعد إدانته بتلقي رشى. وقرار يوسف الابن جاء بسبب القلق على مستقبل شاس بعد رحيل الحاخام عوفاديا، وذلك بهدف تعيين رئيس للحزب وآخر للحركة لمنع تفكك شاس وانهيار مصالح الحزب وعائلة يوسف.