المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • على هامش المشهد
  • 1717

كشف مواطن فلسطيني في إسرائيل المزيد من البراهين حول عنصرية تعامل الشرطة الإسرائيلية مع المواطنين العرب، الذين تعتبرهم أعداء حتى وإن عملوا في جهاز الشرطة.


ولفت "نبيل"، وهو اسم مستعار أطلقناه على ضابط خلع مؤخراً بزة الشرطة بعد أن خدم في سلك الشرطة الإسرائيلية 30 عاماً، إلى تجربة ثلاثة عقود، اطلع خلالها على عمق وباء العنصرية، التي لم ينج منها هو بنفسه.

في بيته التقينا "نبيل" الذي فضل حجب هويته بفعل أنظمة في الشرطة تمنع كشف معلومات "داخلية"، فحدثنا عن تجربة ثلاثة عقود قائلاً: "مع بدء عملي ضمن وحدة شرطة مرموقة وسط البلاد كنت امنع بذرائع مختلفة من المشاركة في بعض جلسات القيادة رغم مشاركة ضباط يهود اقل مني درجة ولاحقا فهمت أن تلك كانت اجتماعات تشاورية بين الشرطة وبين رجال الشاباك".

 

ولفت "نبيل" إلى انه رفض العمل في الأراضي المحتلة عام 1967 بعد اندلاع الانتفاضة الأولى منوها إلى انه كان يتمارض او يدعي الإصابة في كتفه. وأضاف "قبيل خروجي للتقاعد اطلعت على ملفي الخاص وكانت هناك رسالة في مغلف محكم الإغلاق بالشمع ولا يسمح بفتحها الا لقائد المنطقة لكنني فتحتها كوني أوشك على إنهاء العمل وإذا بالقائد المسؤول عني قد وضع ملاحظة مفادها أنني متضامن مع الشعب الفلسطيني والانتفاضة".

وأفاد "نبيل" انه كان تقدم في العام الأخير طلبا للانضمام إلى دورة تدريبية خاصة بكبار الضباط ولكنه رفض ولما استوضح الأمر ابلغ أن هناك "أسبابًا أمنية" وبعدما أصر على معرفة الحقيقة قيل له: هذا يتعلق بحقيقة وجود عم لك في الأردن. وأشار "نبيل" إلى أن عمه شيخ مسن موجود في الأردن منذ أن هجر في النكبة لافتا إلى انه بقي طيلة عشر سنوات بذات الدرجة (رتبة تاج) دون أن يرقى. وتابع: "تخرجت مجموعة من رجال الشرطة الطلاب اليهود في المدرسة البوليسية التي أشرفت عليها وبعد مدة قصيرة تجاوزوني في رتبهم ومنهم من بات قائدا علي فكانوا يخجلون مني أحيانا ويقولون: لا تهتم .. نحن مسؤولون عنك على الورق فقط .. بالنسبة لنا أنت القائد.." .

وأكد "نبيل" تفشي التمييز العنصري في الشرطة ضد رجالها العرب لافتا الى عدم وجود أي ضابط عربي في مقر القيادة العليا عدا نبيل عيساوي ضابط حركة السير. وأضاف "حتى في مقر قيادة لواء الشمال لا يوجد رجال شرطة عرب عدا عمال البناء والصيانة فكلما ارتقت مؤسسات الشرطة انقرض التمثيل العربي". وقال "نبيل" انه يوميا كان يسمع رجال الشرطة يتهكمون "هذا عمل عربي.. وفي إحدى المرات أصدرت تعليمات مشددة لرجال الشرطة في مسألة معينة فاحتج احدهم بالقول: وهل نحن في شرطة الأردن.. فأجبت: لا لو كنت في شرطة الأردن لما استقبلوك فيها..".

ويقول "نبيل": "كنت أسمع المسؤولين عن دوريات شرطة المرور يتفاخرون بأنهم لا يستوقفون السيارات إلا من نوع بيجو كون معظم سائقيها من العرب.. وفي إحدى المرات استوقفت سائق سيارة في تل أبيب لارتكابه مخالفة سير ولما هممت بتسجيل تقرير بالمخالفة قال شاكيا: وهل أنا عربي.. فقلت : لا أنا العربي.. وعندها أصيب بالذهول..".

 

إذا كان هذا هو واقع التمييز داخل الشرطة ذاتها فما بالك بتعاملها مع المواطنين العرب؟

حول ذلك روى "نبيل" سلسلة من "القصص". واستذكر ما جرى في محطة شرطة حيفا قبل سنوات فقال: "أنهى مواطن من سخنين مدة محكوميته فلاحظت انه لم يغادر مقر الشرطة بعد الإفراج عنه من السجن المجاور وكان باكيا فلما استوضحت الأمر معه قال: ليس بحوزتي نقود فاستدعيته إلى غرفتي وأعطيته 50 شاقل وطلبت من سيارة شرطة إيصاله إلى مفرق الياجور فشكرني وطلب اسمي ليكافئني فرفضت. ولما خرجت هاجمني رجال الشرطة اليهود على "فعلتي" هذه فانتقدتهم بشدة ولفت عنايتهم انه كان بوسع كل منهم تقديم شاقلين تفاديا لمشهد الرجل الباكي".

واستذكر الضابط المتقاعد انه بادر بعد منتصف إحدى الليالي إلى الاتصال بمحطة شرطة قريبة دون كشف هويته شاكيا من تساقط الرصاص في باحة بيته وإلحاقه الأضرار بسيارته منوهًا أن مصدر إطلاق النار هو عرس للجيران فأجابه الشرطي على الخط الثاني: وأنت ما دخلك بالموضوع، "فأوضحت له أن رصاصتين استقرتا في السيارة وعندها طلب أن احضر المركبة إلى مقر الشرطة، وفقط بعد إبلاغه بحقيقة كوني شرطيا أرسل دورية لإيقاف إطلاق النار"..

وروى كذلك عن شجار كبير جرى في إحدى القرى العربية في الشمال قبل سنوات تم فيه إصابة الكثيرين بجراح ومصادرة أسلحة مرخصة من رجال مقربين من السلطة شاركوا بالشجار "كنت اعرف أن بعض من صودرت أسلحتهم سيلجأون لـ"كرت الواسطة" من اجل استعادتها فاستبقت الأمر باستصدار أمر قضائي من محكمة عكا بمصادرة السلاح لمدة ثلاثة شهور وفعلا هاتفني غداة الشجار رجال امن طلبوا إعادة السلاح لأصحابه رغم استمرار الشجار وعندها أبلغته أن هناك أمرًا قضائيًا يحول دون ذلك..".

وأشار "نبيل" إلى أنه أوقف سيارته جانبا في بلدة كريات آتا قبل سنوات لتقديم الإسعاف لجرحى حادث سير وقع أمامه و"بعد دقائق وصل رجل شرطة مرور فقال وهو مترجل صوبنا: وهل القتلى من أبناء عمنا.. قاصدا العرب".

وفي "قصة" أخرى قال "نبيل" إنه فيما كان وزملاؤه يسيرون بزيهم المدني متوجهين إلى طبريا استوقفهم رجل شرطة مرور وأخذ يسأل: من انتم والى أين انتم ذاهبون ولماذا وغير ذلك من الأسئلة غير المفيدة له ولوظيفته، وعندما سألته: ما الذي تريده أنت بالضبط؟ أخذ يشتمني.. فقمت بالكشف عن هويتي فغادر المكان على الفور.. ولما عدت للعمل أرسلت شكوى خطية ضده إلى وحدة التحقيق البوليسية في وزارة القضاء- "ماحش" التي ردت برسالة جوابية أنهم اتخذوا إجراءات عقابية ضد ذاك الشرطي، لكنني فوجئت بعد أشهر برجل الشرطة ذاته قد حضر إلى مدرسة تدريب الضباط التي كنت مشرفا عليها من اجل الاستكمال في دورة هامة معدة لمن يفتح أمامهم سلم الترقي بالمرتبة..

وأكد "نبيل" انه يفكر بدفع أولاده للعمل في مختلف مجالات الحياة عدا إرسالهم للشرطة متابعا "بعد ثلاثين سنة خدمة في سلك الشرطة والله خرجت إلى التقاعد المبكر مثل الكلب.. بسبب العنصرية!".

المصطلحات المستخدمة:

كريات آتا

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات