"المشهد الإسرائيلي" – خاص
كانت ولاية رئيس الحكومة الإسرائيلية، ايهود أولمرت، عاصفة بالأزمات التي مرت بها إسرائيل بدءا من صعود حركة حماس إلى الحكم، مرورا بحرب لبنان الثانية ومحاولة انتزاع شرعيته جرائها، وبعدها السعي للتوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين واستئناف محادثات سلام مع سوريا وانتهاء بتحقيقات جنائية ضده بشبهة ارتكابه مخالفات فساد خطيرة أدت لإعلانه الاستقالة اليوم الأحد – 21.9.2008.
بدأ أولمرت ولايته في رئاسة الحكومة الإسرائيلية، كقائم بأعمال رئيس الحكومة السابق ارييل شارون، في مساء الرابع من كانون الثاني العام 2006 بعدما تم إدخال شارون على عجل إلى المستشفى بسبب إصابته بجلطة دماغية حادة أدخلته في غيبوبة عميقة لم يصح منها حتى اليوم. وبعد ثلاثة أسابيع من توليه منصب رئيس الوزراء بالإنابة، جرت الانتخابات التشريعية الفلسطينية في 25 كانون الثاني و أسفرت عن فوز حماس بأكبر عدد من المقاعد في المجلس التشريعي الفلسطيني. وكان هذا الحدث الأول الذي تعين على أولمرت مواجهته وبعد ذلك رفضت إسرائيل الاعتراف بحكومة تشكلها حماس، إلا في حال اعتراف حماس بإسرائيل وبالاتفاقيات الموقعة بين الجانبين ونبذ العنف.
وفيما كان أولمرت يشغل منصب رئيس وزراء مؤقت دخل في مواجهة مع المستوطنين بعدما أمر بإخلاء البؤرة الاستيطانية العشوائية "عامونا" في الضفة الغربية، ووقعت خلال عملية الإخلاء مواجهات عنيفة بين قوات الأمن الإسرائيلية وآلاف المستوطنين، وبعدها امتنع أولمرت عن إخلاء بؤر استيطانية رغم تعهد إسرائيل بذلك.
وعندما تبين أن شارون لن يعود إلى وعيه ترأس أولمرت قائمة حزب كديما في انتخابات آذار 2006 وفاز هذا الحزب ب29 مقعدا في الكنيست ما أتاح له تشكيل الحكومة الإسرائيلية كونه أصبح رئيس أكبر الأحزاب الإسرائيلية.
وفي 4 أيار 2006 أعلن أولمرت عن تشكيل حكومته بالتحالف مع أحزاب العمل وشاس والمتقاعدين وعيّن تسيبي ليفني وزيرة للخارجية وقائمة بأعمال رئيس الحكومة، ورئيس حزب العمل في حينه عمير بيرتس وزيرا للدفاع و صديقه المقرب أبراهام هيرشزون وزيرا للمالية.
وبدأت ولاية حكومة أولمرت وسط توقعات كبيرة داخل إسرائيل، فمن جهة خاض أولمرت الانتخابات ببرنامج سياسي مبني على "خطة الانطواء" التي في صلبها تنفيذ انسحاب أحادي الجانب من الضفة الغربية و"إنهاء الاحتلال"، ومن الجهة الأخرى سادت توقعات بأن حكومة أولمرت الجديدة جاءت مع "أجندة مدنية" على ضوء تعيين بيرتس وزيرا للدفاع رغم أنه يفتقر بالكامل للخبرة الأمنية والعسكرية.
لكن بعد شهر ونصف الشهر على تشكيل الحكومة الجديدة وقع حدثان قلبا حسابات أولمرت رأسا على عقب: ففي 25 حزيران أسر مقاتلون من حركة حماس وفصيلين آخرين الجندي الإسرائيلي غلعاد شليط واقتادوه إلى قطاع غزة، وفي 12 تموز أسر مقاتلون من حزب الله الجنديين الإسرائيليين ايهود غولدفاسير وإلداد ريغف واقتادوهما إلى لبنان.
وفي أعقاب أسر غولدفاسير وريغف اندلعت حرب لبنان الثانية وأغارت الطائرات الحربية الإسرائيلية على لبنان ودمرت أجزاء واسعة فيه خصوصا في جنوبه وفي معقل حزب الله في الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت وأدت إلى مقتل أكثر 1200 لبناني. وفي المقابل أطلق حزب الله نحو 4500 صاروخ باتجاه شمال إسرائيل أسفرت عن مقتل قرابة 50 مدنيا وألحقت بإسرائيل أضرارا كبيرة، كما قُتل 120 جنديا إسرائيليا. وكشفت هذه الحرب نقطة الضعف الأساسية لإسرائيل وهي الجبهة الداخلية المدنية التي لم تستعد إسرائيل من قبل لحمايتها.
وأدت حرب تموز إلى زلزال سياسي وعسكري في إسرائيل أسفر عن استقالة رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، دان حالوتس، في مطلع العام 2007 في أعقاب سلسلة تحقيقا عسكرية داخلية واستقالة بيرتس في شهر نيسان 2007 في أعقاب صدور التقرير الجزئي للجنة فينوغراد التي حققت في إخفاقات القيادة الإسرائيلية خلال الحرب وأكدت على أن هذه القيادة "فشلت في الحرب". وفي أعقاب التقرير الجزئي للجنة فينوغراد تعالت أصوات أحزاب اليمين في إسرائيل مطالبة أولمرت بالاستقالة، ودعت تظاهرة جرت في تل أبيب وشارك فيها نحو 150 ألفا أولمرت إلى الاستقالة، وانضمت ليفني إلى هذه الأصوات وطالبت أولمرت بالتنحي لكنها عادت وتراجعت عن هذا المطلب.
وفي غضون ذلك انتخب حزب العمل رئيسا جديدا له بعد بيرتس هو رئيس الوزراء الأسبق، رئيس الأركان الأسبق ايهود باراك الذي مدّ حبل نجاة لأولمرت عندما أعلن بعد انتخابه بأنه سيطالب أولمرت بالاستقالة بعد صدور التقرير النهائي للجنة فينوغراد. لكن بعد صدور التقرير النهائي في كانون الثاني العام 2008 لم يدع باراك أولمرت الى الاستقالة.
كذلك أدت حرب لبنان الثانية إلى أمر هام آخر وهو القضاء على "خطة الانطواء" وفكرة الانسحابات الأحادية الجانب كونها لم تحقق الأمن لإسرائيل.
من جهة أخرى، و خلال ولاية أولمرت تحسنت العلاقات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. وفي شهر آب العام 2007 تم التوقيع على اتفاق لاستئناف التنسيق الأمني بين الجانبين، وفي تشرين الثاني 2007 عقد مؤتمر أنابوليس في الولايات المتحدة الذي انطلقت منه المفاوضات على قضايا الحل الدائم بين الجانبين.
وفي المقابل تواصل تصعيد التوتر بين إسرائيل وسوريا وسادت احتمالات اندلاع حرب بين الجانبين. ووصل هذا التصعيد أوجه عندما أغار الطيران الحربي الإسرائيلي على موقع دير الزور في شمال شرق سوريا ودمره. وادعت إسرائيل لاحقا أن سوريا استخدمت هذا الموقع لبناء مفاعل نووي بمساعدة كوريا الشمالية.
وفي أيار الماضي صدرت بيانات عن مكتب أولمرت وديوان الرئيس السوري بشار الأسد ومكتب رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان تحدثت عن استئناف محادثات السلام غير المباشرة بين سوريا وإسرائيل وبوساطة تركية.
وفي خضم هذا الانفراج السياسي بين إسرائيل وسوريا كشفت النيابة العامة الإسرائيلية عن أنها تجري تحقيقا ضد أولمرت بشبهة حصوله على رشاوى مالية من المليونير الأميركي اليهودي موريس تالانسكي. وأوصت الشرطة الإسرائيلية مطلع الشهر الحالي أمام النيابة العامة بتقديم لائحة اتهام ضد أولمرت بشبهة ارتكابه سلسلة أعمال فساد.
ولم يتمكن أولمرت في غضون ذلك من تحقيق اتفاق مع الفلسطينيين بسبب الفجوات الكبيرة بين مواقف الجانبين، كما دفع أولمرت أعمال البناء في المستوطنات خصوصا في القدس الشرقية وحولها، كما لم ينجح في نقل المفاوضات مع السوريين لتصبح مفاوضات مباشرة.
رغم ذلك فقد وضع أولمرت في الأشهر القليلة الماضية عددا من الحقائق السياسية أمام الإسرائيليين أهمها أن عدم التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين سيقضي على دولة يهودية في إسرائيل، وأن السلام مع سوريا مشروط بانسحاب كامل من الجولان. وتعتبر هاتان الحقيقتان "إرث اولمرت" لرئيس الوزراء الذي سيخلفه بعد استقالته من منصبه اليوم.