قال خبراء في علاقات العمل إن من يسمع التصريحات الحماسية الصادرة عن الحكومة الاسرائيلية، مؤخرًا، بخصوص التعديلات التي تنوي اقرارها ضمن "قانون نزاعات العمل" والمتعلقة ب"الحق في اعلان الاضراب"، يعتقد للوهلة الاولى انها ستنعم على العمال بالمزيد من الدمقراطية، لأن عملية إعلان الاضراب يجب ان تمر اولا عبر "معركة انتخابية"، واجراءات تصويت يشارك فيها العمال فعليا، وفقط اكثرية بنسبة 20% فقط تضمن الاعلان عن الاضراب!، على ما تنص تلك التعديلات.
وأضاف هؤلاء أن من يقرأ الاقتراح الوزاري، الذي أقرته اللجنة الوزارية قبل حوالي أسبوعين، يكشف الحقيقة المُرة كالعلقم، لأن اقتراح التعديل القانوني هذا هدفه منع امكانية اعلان الاضراب نهائيا، بل سلب العاملين حقا اساسيا تضمنته المواثيق الدولية وحقوق الانسان.
البروفيسور روت بن يسرائيل، الخبيرة في علاقات العمل والمحاضرة في جامعة تل ابيب، تقول عن هذا التمويه الحكومي: "اذا نشب نزاع عمل بخصوص شروط عمل قسم يضم خمسين موظفا في دائرة الادعاء مثلا، فلن يكون بإمكانهم اعلان الاضراب الا اذا صوت معهم عشرة آلاف موظف يشكلون نسبة 20% من مجمل مستخدمي الدولة".. وتقول ايضا ان اقتراح القانون يشمل اجراءات نقابية تمنع دفع كامل الاجور ليس فقط للخمسين موظفا في القسم المذكور بل للخمسين الف موظف في القطاع الحكومي. وتضيف: ".. جميع مستخدمي الدولة لن يحصلوا على أجر مقابل ساعات العمل الاضافية الشاملة حتى لو لم يشاركوا في الاضراب. وهذا يهدف الى الضغط عليهم ومنعهم من التصويت مع الاضراب.. مما يعني منع اية امكانية للاضراب وهذا الامر هو مس بحريات العمل النقابي. لذلك فالقانون المقترح ينافي المعايير والمواثيق الدولية لمنظمة العمل الدولية التي تمنح حق الاضراب" (جريدة "هآرتس").
ويقول الناشط النقابي جهاد عقل إن المسؤولين الحكوميين يتحدثون عن حق التصويت، والدمقراطية، وان الاقلية (20% فقط) هي التي ستحدد الاعلان عن الاضراب، والحقيقة التي لا يعلمها الجمهور ولا يكترثون لها هي منع اية امكانية لاعلان الاضراب.. يتحدثون عن هدف دمقراطي ويقصدون فرض الدكتاتورية الشاملة في علاقات العمل.
ويضيف: الوضع اليوم هو ان فترة نزاع العمل تستمر مدة 15 يوما تجري خلالها مفاوضات لتجاوز النزاع القائم. نزاع العمل هذا يعلن بعد فشل المفاوضات التي تقوم بها اللجنة العمالية في مكان العمل او النقابة القطرية او الهستدروت كاتحاد عام للنقابات. ومع انتهاء مدة الاسبوعين بالامكان المباشرة في الاضراب، وفي كثير من الحالات، بل في معظمها لا يعلن الاضراب فورا، بل تجري عملية استنفاد لكافة وسائل الحوار والتفاوض.
أما الاقتراح الحكومي المطروح فإنه ينص على تمديد فترة نزاع العمل لمدة 30 يوما للعمال، وتقليصها لارباب العمل الى خمسة ايام، أي ان صاحب العمل بامكانه الاعلان عن "اضراب" (اي اغلاق مكان العمل) بعد خمسة ايام من نزاع العمل، وللعمال سيتطلب الامر شهرا! الا ان وزير العمل لديه صلاحيات تمنحه الحق بتمديد الفترة لمدة 60 يوما ثم 90 يوما وفي حالات خاصة الى موعد غير محدد.. بكلمات أخرى الهدف هو الغاء حق الاضراب وسلب العمال سلاحا كفاحيا يستعملونه عندما تفشل لغة الحوار مع صاحب العمل حتى لو كان الحكومة في هذه الحالة، يؤكد عقل.
الجانب الخطير الآخر في الاقتراح، برأي عقل، يتعلق بالحق الحكومي في الاعلان عن أية مرافق كمرافق "حساسة"، وبذلك فحتى لو صوّت العمال في هذه المرافق مع اعلان الاضراب فهم يُمنعون من اعلان الاضراب، لأن الوزير او الحكومة أعلنت انها "مرافق حساسة"!! ومن يراجع القائمة المرفقة باقتراح القانون يتوصل الى النتيجة الطبيعية بأن اقتراح القانون يعني منع حق الاضراب تماما. وهذا بالاضافة الى ادخال بنود تحمل في طياتها التهديد الواضح لكل عامل يعبر عن رغبته بالمشاركة في عملية التصويت على اعلان الاضراب، مثل الموافقة على الخصم من راتبه، التصريح للمدير خطيا بانه يريد المشاركة في التصويت، تقديم صيغة استمارة التصويت للادارة للموافقة عليها وغيرها من البنود الهادفة الى قمع اية محاولة لاعلان الاضراب او حتى مجرد التفكير فيه.