يمكن أن نستشف من تقارير الصحافة الإسرائيلية، اليوم الأحد 30/7/2006، أن هناك تواترًا إسرائيليًا لناحية تسجيل انتصارات على الورق، فيها ما يعوّض عن الإخفاق المدوّي في تحقيق انتصار عسكري ولو طفيف، وفيها ما يفتح الأعين على الرغبات الدفينة.
ومن غير الجائز عدم تسويغ هذا التواتر بكون اليوم هو أول أيام "الشوط السياسي"، الذي بكّر قدومه. لكنه في الوقت ذاته اليوم الثامن عشر من بدء العدوان العسكري الإسرائيلي على لبنان، الذي لا ينفك الزمان يباعد بينه وبين غاياته الأصلية.
تسجيل هذه الانتصارات يتم باعتبارها "جوهر" المحادثات الأميركية- الإسرائيلية، التي انطلقت مع وصول وزيرة الخارجية الأميركية، كوندوليسا رايس، بهدف أن تدفع إلى الأمام "صفقة سياسية" يكون في مقدرتها أن تبلغ غايات العدوان العسكري.
ومما نشر يتبين أن بنود هذه "الصفقة" تشمل ما يلي:
- إعلان وقف إطلاق النار فقط بعد تسليم الجنديين الإسرائيليين المأسورين لدى حزب الله إلى حكومة لبنان، تحت المسؤولية الشخصية لرئيس الحكومة اللبنانية، فؤاد لسنيورة. وتجري مفاوضات تحريرهما مع حكومة لبنان، وذلك مقابل إطلاق سراح أسرى لبنانيين فقط.
- القوة الدولية تكون مؤلفة من جنود من فرنسا، إيطاليا، اسبانيا، الهند وبولندا. ويبلغ تعدادها أكثر من عشرة آلاف. ويكون انتشارها على طول الحدود وعلى معابر الحدود بين لبنان وسوريا.
- قبل الإعلان عن وقف إطلاق النار تتعهد حكومة لبنان بجدول زمني متعلق بنزع سلاح حزب الله (شمعون شيفر، "يديعوت أحرونوت"، 30/7).
إلى هذه البنود تضيف "هآرتس" أن ثمة ثمنًا لتعاون الحكومة اللبنانية (مع هذه الصفقة). "وهذا الثمن هو خروج إسرائيل من مزارع شبعا. ويمكن التقدير بأن هذا الأمر وقف أمس في صلب محادثات رايس ورئيس الحكومة إيهود أولمرت. وترغب رايس في أن تأتي اليوم إلى بيروت مع هدية للسنيورة، كي يكون في مقدوره القول للجمهور اللبناني: أنا الذي أنجزت الانسحاب الإسرائيلي بطرق دبلوماسية وليس حسن نصر الله مع عنفه وصواريخه. وسيكون هذا، من ناحية الأميركيين، تدعيمًا مهمًا لزعيم ودّي، يمسك بمفتاح التسوية رغم ضعفه" (ألوف بن، 30/7).
ويكتب شمعون شيفر أنه في ضوء "الجهود البريطانية لتسريع وقف إطلاق النار"، فإن المقربين من رئيس الحكومة أولمرت "يرون أنهم سجلوا أمس، عقب لقاء هذا الأخير مع وزيرة الخارجية الأميركية، إنجازين دبلوماسيين هامين للغاية: الأول- أن جورج بوش وطوني بلير تبنيا فكرة أن يتخذ مجلس الأمن قرارًا بإرسال قوة تدخّل دولية إلى المنطقة حسب البند السابع لميثاق الأمم المتحدة وليس حسب البند السادس. أي أن الحديث يدور عن قوة تستطيع استعمال السلاح ضد من يخرق وقف إطلاق النار. الإنجاز الثاني- أن يستمر البحث في إقامة هذه القوة فترة من الوقت، وهكذا يتاح للجيش الإسرائيلي وقت إضافي- أسبوع على الأقل- لاستمرار الضغط العسكري على حزب الله".
علاوة على أن هذه "الانتصارات" هي على الورق، فإن ضمان خروجها إلى النور، يبقى محدودًا لجملة من الأسباب التي تتفاعل بمنأى عما يحاك في كواليس المحادثات الأميركية- الإسرائيلية.
فأولاً، صاحب القرار يظلّ مجلس الأمن، دون إغفال مراعاة كون هذه الهيئة الدولية غير مستقلة تمامًا.
ثانيًا- تركيز الحديث الإسرائيلي على الدور المعوّل على رئيس الحكومة اللبنانية الهدف منه نشر مناخ من إساءة الظنّ في دوره الوطني بل وفي مناعة لبنان السياسية والوطنية حيال الفتنة.
وهذه النقطة تحديدًا تبدو الآن في غاية الأهمية والخطورة، للأسباب التالية:
1.تشكل فضحًا لما تضمر إسرائيل أن تورّط الساحة اللبنانية الداخلية فيه، بعد عجزها عن كسر شوكة المقاومة، وبالتالي مدّ الذين يتربصون بهذه المقاومة الدوائر بالمزيد من عناصر إيقاظ الفتنة.
2.تنطوي على محاولة الهروب إلى الأمام من منطق أن الحل السياسي لا بدّ أن يعكس نتائج المواجهة العسكرية. وإذا كانت هذه المواجهة الأخيرة عاجزة، إلى الآن، عن أن تأتي بـ"إنجاز" واحد للآلة العسكرية الإسرائيلية المتباهية بتفوقها، فكيف يمكن أن لا يتماشى الحل السياسي مع ذلك؟.
3.لا يعني مصطلح "إلى الآن" أن مثل هذا الإنجاز بات سهل المنال. ولقد أجاد المعلق العسكري لصحيفة "هآرتس"، زئيف شيف، وصف الحالة بقوله: "وزيرة الخارجية الأميركية، كوندوليسا رايس، هي الشخصية التي تقود الإستراتيجية نحو تغيير الوضع في لبنان، وليس رئيس الحكومة إيهود أولمرت أو وزير الدفاع عمير بيرتس. لقد نجحت حتى الآن في الوقوف في وجه الضغط الدولي من أجل التوصل إلى هدنة، رغم أن حزب الله يحافظ على مكانته كميليشيا عسكرية تسلحها إيران وسوريا.
ومن أجل ذلك فهي بحاجة إلى أوراق عسكرية. لكن لسوء الحظ فإن إسرائيل لم تفلح في أن تزودها بها إلى اليوم. وباستثناء معاقبة حزب الله ولبنان بالنار فإن جميع أوراق إسرائيل العسكرية في هذه المرحلة تنعكس في قريتين لبنايتين قرب الحدود، تم احتلالهما من قبل الجيش الإسرائيلي. وإذا لم تتحسن الأوراق العسكرية التي في حوزة إسرائيل في سياق الحرب، فسينعكس الأمر في الحل السياسي، ومنظومة صواريخ حزب الله ستبقى في جنوب لبنان. فالحل السياسي سيعكس بالحتم الواقع العسكري في الميدان. ولقد بقيت أمام إسرائيل خيارات محدودة لاستمرار القتال. وبما أنها لم تفلح إلى الآن في تقليص حرب الاستنزاف التي يشنها حزب الله ضد مراكز السكان الإسرائيلية، بما في ذلك إطلاق صاروخ (بعيد المدى) نحو العفولة، فإن الطريق الوحيدة هي عملية سريعة للسيطرة على جنوب لبنان من أجل تصفية منظومة صواريخ حزب الله قبل أن تسلم المنطقة إلى القوة المتعددة الجنسيات. ويجوز أن في حوزتها خيارات إضافية، لكن هذه لن تؤثر على منظومة صواريخ حزب الله. إنها مسابقة ضد الزمن وضد حزب الله الذي يستعين بسوريا وإيران" (30/7).
4.بيد أن القناعة بأن الرهان العسكري الإسرائيلي قد أخفق لا ينحصر في شيف، وإن بدا لديه أكثر حدّة. بل إنها تنسحب على غيره من المعلقين العسكريين. وفي هذا الشأن يقول عمير ربابورت، المعلق العسكري في "معاريف": "الزمن ينفد. أمس ساد شعور واضح في جهاز الأمن بأن العملية في لبنان ينبغي أن تنتهي خلال أسبوع حتى عشرة أيام... ويتضح من الجدول الزمني الآخذ في التقلص أن الغايات التي ستنجز حتى وقف إطلاق النار ستكون جزئية" (30/7).
وعليه فسيكون من العسير بمكان على إسرائيل تدوير الزوايا الحادة لإخفاقها العسكري، في نطاق صيغة الحل السياسي. ومن المهم في هذه المرحلة أن لا يتبرّع طرف خارجي بأداء هذه المهمة غير الشريفة، بأبسط تعبير.