المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

اتسعت في إسرائيل، خلال الأيام الأخيرة، الدعوات للشروع بمفاوضات مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن)، قبل التفكير بتطبيق خطة رئيس الحكومة ايهود اولمرت، الداعية لفرض حدود من جانب واحد مع الضفة الغربية. وقد صدرت مثل هذه الدعوات في الأشهر الأخيرة، ولكن في هذه الأيام فإنها باتت تخترق الائتلاف الحكومي الجديد. وتقول معلومات صحافية إسرائيلية ان الخلاف في وجهات النظر في هذه القضية لا يتوقف عند قادة حزب "العمل"، اكبر شريك لحزب "كديما" في حكومة اولمرت، وإنما وصل الى الوزير شمعون بيريس أيضا.

وتزامن هذا النقاش مع زيارة اولمرت الأولى، كرئيس للحكومة، الى واشنطن، ومع دعوة الرئيس الفلسطيني أبو مازن الى إجراء استفتاء عام حول وثيقة الأسرى الفلسطينيين، التي تدعو، ضمن أمور أخرى، الى إقامة دولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران 1967. فاولمرت، حسب المصادر السياسية الإسرائيلية، تنبه، قبل وصوله الى عتبات البيت الأبيض، الى انه سيكون مطالبا بإجراء لقاء مع الرئيس أبو مازن، ويجمع المراقبون الإسرائيليون على ان لقاء شرم الشيخ، الذي جمع أبو مازن بوزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني، وزميلها في الحكومة شمعون بيريس، قد مهد لزيارة اولمرت الى واشنطن.

كذلك فإن اولمرت أعلن أمام البيت الأبيض انه يريد لقاء الرئيس أبو مازن، ولكن المحللين الإسرائيليين شككوا في جدية مثل هذا اللقاء، إذ يقول المحلل السياسي في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية ألوف بن، الذي رافق اولمرت الى واشنطن: "لقد وعد أولمرت (الرئيس بوش) بلقاء أبو مازن، إلا أن مساعدي اولمرت (خلال الزيارة) سارعوا للتهدئة وإبلاغ الصحافيين بقولهم ان اولمرت لا يبني أية آمال على المفاوضات مع أبو مازن، ففي نهاية الأمر يجري الحديث عن فترة زمنية الى حين الشروع بالمخطط الأحادي الجانب".

وأعلن ديوان رئاسة الحكومة الإسرائيلية إن اولمرت سيلتقي الرئيس أبو مازن ليس قبل منتصف شهر تموز/ يوليو القادم، بعد ان يلتقي الرئيس المصري حسني مبارك، والفرنسي جاك شيراك، ورئيس الحكومة البريطانية توني بلير خلال الأسبوعين القادمين، وبعد أن يلتقي المستشارة الألمانية في الأسبوع الأول من تموز/ يوليو، والملك الأردني عبد الله الثاني.

إلا أن كلمة الرئيس أبو مازن في افتتاح مؤتمر الحوار الوطني الفلسطيني فاجأت الساسة الإسرائيليين، ومن بينهم النائب عامي ايالون، الذي اعتبر ان أبو مازن سيسحب البساط من تحت مخطط اولمرت الأحادي الجانب، بمعنى ان اولمرت سيكون مطالبا بإجراء اللقاء بأسرع مما اعتقد، خاصة وان الإعلام الإسرائيلي يخلق رأيا عاما مساندا لعقد اللقاء، ليمتد بالتالي الى الحلبة السياسية بقوة، وليصل الأمر الى طاولة حكومة اولمرت.

خلاف مع بيريس

كانت أولى معالم الخلاف بين اولمرت وأطراف حكومته قد ظهرت لدى الوزير شمعون بيريس، وهو أيضا من حزب "كديما" الذي يتزعمه اولمرت. فقد ذكرت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية ان خلافا في وجهة النظر والموقف من الرئيس الفلسطيني أبو مازن، يتعمق في الأيام الأخيرة بين اولمرت وبيريس. ففي حين يعتبر اولمرت ان الرئيس أبو مازن ليس قويا بالقدر الكافي ليكون شريكا، وانه لا يحارب ما تصفه إسرائيل بـ "الإرهاب"، ولا يمنع انتشار المجموعات المسلحة، فإن بيريس يعلن العكس، ويقول بشكل علني ان الرئيس أبو مازن هو شريك مناسب، "وقوته تتعزز ولا يضعف، وحركة حماس بدأت تضعف، فهي لم تنتصر ولن تنتصر"، حسب أقوال بيريس.

وتقول مصادر سياسية مقربة من اولمرت إن هذا الخلاف بين الاثنين، إنما "يضر" بالحملة الإعلامية والسياسية التي يقودها اولمرت ووزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني في الآونة الأخيرة، ويسعى اولمرت من خلالها الى إقناع العالم بأن لا قوة لدى أبو مازن، وهو غير قادر على إدارة المفاوضات، وبالتالي فإنه لا مفر من المبادرة لإجراء أحادي الجانب.

وانتقدت مصادر في حزب "كديما" مواقف بيريس، إلا أنها ألقت باللوم على اولمرت لأنه لم يعقد اجتماعات دورية لوزراء حزبه لتنسيق المواقف. واعترف مكتب الوزير بيريس بوجود خلافات في وجهات النظر، إلا أنه قلل من شأن حدتها، وقال إن الخلاف هو حول الاستنتاج بضرورة إجراء مفاوضات مع أبو مازن، حسب ما ذكره مكتب بيريس.

من جهة أخرى وحال إلقاء أبو مازن كلمته أمام مؤتمر الحوار الوطني، ودعوته للاستفتاء، صدرت ردود فعل من قيادة الائتلاف الحكومي. فقد قال عضو الكنيست إفرايم سنيه، رئيس كتلة حزب "العمل" الشريك الأكبر في الحكومة، ان الرئيس أبو مازن أثبت انه العنوان الصحيح للمفاوضات وعلى الحكومة ان تباشر في التفاوض معه.

وقال زميله في الحزب، الرئيس الأسبق لجهاز الأمن العام، "الشاباك"، النائب عامي ايالون، إن "بيان الرئيس أبو مازن، والإنذار الذي وضعه أمام الفصائل الفلسطينية هو خطوة هامة جدا، إن أبو مازن يؤكد أنه قائد حقيقي ويمد يده لرئيس حكومة إسرائيل، وعلى اولمرت أن يثبت جدية نواياه، وأن يؤيد علنا دعوة أبو مازن لعقد لقاء فوري معه".

ولم يتوقف ايالون عند هذا الحد، بل وبعد لقائه الرئيس أبو مازن في رام الله يوم السبت الأخير، خرج بانطباع "ان مبادرة أبو مازن ستسحب البساط من تحت خطة اولمرت"، بمعنى أنها ستحرج إسرائيل، لأن العالم سيسألها عن سبب رفضها إجراء مفاوضات، طالما أن الحديث يجري عن مفاوضات حول الأراضي المحتلة منذ العام 1967.

ويقول ايالون، في حديث لموقع "واينت" الإلكتروني الإسرائيلي، "إن الفلسطينيين منشغلون الآن في نقاش داخلي، وصعب جدا، وعلينا ان نتعقب هذا النقاش نظرا لأهميته القصوى، فمبادرة الرئيس أبو مازن لإجراء استفتاء عام حول إقامة دولة في حدود 1967، الى جانب الحوار الداخلي، سيكونان نهاية فكرة الحل الأحادي الجانب، فإذا رأينا بعد شهرين ان الشعب الفلسطيني منح أبو مازن الحق بإجراء مفاوضات على أساس وثيقة الأسرى الفلسطينيين، وان يصل الأمر الى حد إقامة حكومة وحدة وطنية بين حماس وفتح، فعلينا (في إسرائيل) أن نفهم أن هذا هو نهاية فكرة الحل الأحادي الجانب، ويلزمنا الأمر بإجراء تقييم جدي للوضع القائم".

وتابع ايالون قائلا "إن الحوار الفلسطيني حول وثيقة الأسرى هو حوار داخلي لا شأن لنا به، ولكنه بالغ الأهمية لأنه سيحدد وجهة المجتمع الفلسطيني، وسيحدد ما إذا كانت القيادة الفلسطينية ستتجه نحو المفاوضات، ومستوى العمليات الفلسطينية، ولكن الأمر الأكثر أهمية ان هذا الحوار سيحدد جدول الأعمال في إسرائيل، فلا يمكن الفصل بين الحوار الفلسطيني والحوار الإسرائيلي الداخلي".

وادعى ايالون ان الجهة الوحيدة المعنية بالحل الأحادي الجانب هي حماس، "فحركة فتح تعارض بشدة هذا الحل وكذا الأمر بالنسبة لأبو مازن، بينما ترى حماس أن خطوة كهذه تعزز مكانتها". وأضاف "لدي انطباع ان مبادرة أبو مازن لإجراء استفتاء شجاعة جدا، إذ سيكون على حماس ان تتعامل مع الوضع الناشئ، فمن الواضح انه في حال إقرار هذه الوثيقة التي أعدها كبار الأسرى الذين أعرف عددا منهم، لن يكون ذلك بالأمر السهل لرئيس الحكومة الفلسطينية اسماعيل هنية، لأنه لن يكون بمقدوره رفض الوثيقة".

أبعد من أزمة ائتلافية

لكن هذا النقاش، الذي بدأ يصدر عن أسماء لها وزنها في الساحة السياسية الإسرائيلية، لن يتوقف عندها. فمثلا سيكون زعيم حزب "العمل" ووزير الدفاع، عمير بيرتس، مطالبا هو الآخر بالإدلاء برأيه، وهو يحجم عن هذا حتى الآن، فحزب "العمل" أعلن انه سيصر على إجراء مفاوضات أولا مع القيادة الفلسطينية، وهذا يلتقي مع التصريحات العلنية التي يطلقها اولمرت، ولكن جدية اولمرت ستكون على المحك، لأنه لن يكون بإمكانه التوجه الى مفاوضات حول خطته الأحادية الجانب، بل سيكون مطالبا بتقديم طرح جديد أمام القيادة الفلسطينية.

وفي المقابل فإن جميع البيانات الصادرة عن اولمرت ومحيطه تتركز في الخطة الأحادية الجانب، بمعنى أنه لا يعد أية خطة بديلة في حال تم فتح باب المفاوضات مع الجانب الفلسطيني. وسيحاول اولمرت استغلال العامل الزمني من خلال المماطلة، فعند الإعلان عن تشكيل حكومته جرى الحديث بداية عن أن أولمرت سيلتقي الرئيس الفلسطيني فور عودته من واشنطن، وهذا أيضا ما أعلنه الوزير شمعون بيريس، بعد انتهاء لقاء شرم الشيخ، لكن البيان الأخير الصادر عن ديوان رئاسة الوزراء الإسرائيلية يشير ضمنا الى أن لقاء كهذا سيعقد ليس قبل نصف تموز/ يوليو، وهنا فإن اولمرت قد يسعى الى انتظار فرص جديدة "تسمح" له بتأجيل إضافي للقاء، مثل التدهور الأمني، ومثل وقوع عملية، وما الى ذلك.

وتتوقع الجهات الإسرائيلية أن يواجه اولمرت طلبا أوروبيا وعربيا لفتح قناة حوار ومفاوضات مع الرئيس أبو مازن، أما هو من جهته فإنه سيحاول إقناع الزعماء بأنه "لا جدوى من لقاء كهذا".

إلا أن السؤال الأكبر في هذا الجانب هو أنه إذا ما تهرب اولمرت من لقاء أبو مازن، او قيامه بلقاء بروتوكولي فقط، فهل سيؤدي ذلك إلى أزمة ائتلافية مع حزب "العمل"؟ وإن الإجابة على هذا السؤال، وفق الظروف القائمة، هي ان حزب "العمل" لن يبادر في هذه المرحلة، على الأقل، الى نسف الائتلاف الحكومي بسبب الملف الفلسطيني. فحزب "العمل" يحظى في الائتلاف القائم بمكانة جيدة من الناحية الحزبية على الساحة الإسرائيلية، وهو يعرف ان لأولمرت بديلا في اليمين الإسرائيلي، كذلك فإن "العمل" يعرف انه أقلية في حكومة اولمرت، فكتلة "شاس" الدينية الأصولية تتحفظ أصلا من الخطة الأحادية الجانب لكونها تتضمن إخلاء لبعض المستوطنات الصغيرة النائية في الضفة الغربية، وفي حال انضمت كتلة "يهدوت هتوراة" الأصولية الأشكنازية للحكومة، فإنها ستنضم أيضا الى المتحفظين من الخطة، أما كتلة "المتقاعدون" التي لها سبعة مقاعد، فقد رهنت كل عملها السياسي بخطط وبرامج حزب "كديما"، كما نص على ذلك اتفاق الائتلاف بين الحزبين.

معنى ذلك أنه إذا قرر "العمل" التوجه الى معركة من أجل العودة إلى طاولة المفاوضات فإنه لن يجد القوة البرلمانية الائتلافية الكافية والكفيلة بالضغط على اولمرت. ولذا فإن الضغط الأقوى والفعال أكثر على اولمرت سيكون ضغطا دوليا، ويبدو أن ما سيساعد على ظهور هذا الضغط هو إعادة ترتيب الأوراق في الساحة الفلسطينية الداخلية. فإذا كانت مبادرة الرئيس أبو مازن من المتوقع لها ان تحرج اولمرت، فإن تطبيقها أو ظهور موقف فلسطيني موحد قد يضطر اولمرت إلى ترتيب أوراقه من جديد.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات