المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • مقالات وأراء عربية
  • 1184

 

1- يؤكد رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية ("أمان")، الجنرال أهارون زئيفي (فركش)، في محاضرته حول "البيئة الإستراتيجية لإسرائيل- 2005"، التي ألقاها أمام مؤتمر مركز "يافه" للدراسات الإستراتيجية في جامعة تل أبيب حول "حال الأمة"، أن هناك مجالا رابعًا يرى أنه "يشكل أيضاً عاملاً مركزياً في صياغة الأحداث والسيرورات في المنطقة"، فضلاً عن ثلاثة عوامل مركزية أخرى هي: 1) سياسة الولايات المتحدة الأميركية. 2) القوى الداخلية في الدول العربية. 3) "الجهاد" العالمي.

 

 

هذا المجال الرابع هو السياسة التي تنتهجها إسرائيل. "بيد أنني- يضيف "فركش"- لن أسهب في هذا الموضوع، وسأكتفي بالإشارة فقط، ومن خلال رؤيتي للصورة الإستراتيجية، إلى أن دولة إسرائيل ستضطر، بمرور الوقت، إلى اتخاذ مزيد من الخطوات الأحادية الجانب، وإلى أن تكون مسؤولة عن مستقبلها وبقائها".

فكرة "الأحادية" هنا، بغض النظر عن ماهية الخطوات العملية نفسها والتي لا ينبغي أن تندرج بالحتم وبصورة أوتوماتيكية في عداد الانسحاب أو تفكيك المستوطنات كما حصل أخيرًا، تحيل فورًا إلى الأكبر منها- فكرة "غياب الشريك" حتى إشعار آخر. ولا يحتاج المرء إلى عناء خارق لكي يطالع أن هذه الفكرة مبثوثة في المحاضرة من ألفها إلى يائها، وتنطوي على التوصية بأن تكون أحد الأعمدة الرئيسية في السياسة الإسرائيلية المقبلة، وهو ما بات "سرًّا مفضوحًا". ويجري ذلك في ظل ظروف "مريحة نسبيًا" في مجمل البيئة الإستراتيجية لإسرائيل التي يسهب هذا المسؤول العسكري في توصيفها.

 

وعمومًا إذا ما قبلنا استنتاجات التحليل الذي قام به "فركش"، فإنه يبدو أن الوضع الإستراتيجي لإسرائيل لم يكن قطّ على هذا الوجه من الأفضلية. وهذا ما يؤكد عليه كذلك تقرير "الميزان الإستراتيجي في الشرق الأوسط"، الذي نشره مركز "يافه" في أخريات شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2005. فإن الفارق العسكري- النوعي بين إسرائيل وجاراتها، بموجب ذلك التقرير، ازداد في السنة الأخيرة، وتعاظمت قوة ردع إسرائيل ولم يعُد يترصدها "خطر حقيقي في جوهر الأمر". بقي في الحقيقة تهديد "الإرهاب"، لكن ليس فيه خطر وجودي، وفي نهاية الأمر نجح الجيش الإسرائيلي و"الشاباك" في لجمه إلى درجة كبيرة. ربما يخبئ المستقبل أيضا تهديدا ذريا إيرانيا، لكن حتى يتحقق ذلك، كما يبدو، ستمر سنين غير قليلة.

والسؤال: إذا كانت إسرائيل قد تمسكت بالفكرة السالفة في أوضاع أخرى، فما ضمان أن لا تتمسك بها في أوضاع مريحة أكثر، إقليميًا ودوليًا؟.

 

********

 

2- في هذه الأثناء تجري محاولات محمومة لجعل "الملف النووي الإيراني" يتصدّر المشهد السياسي والإعلامي.

 

ومع أن تقييمات "فركش"، التي سبقت هذه المحاولات بقليل، تجيّش نجاح استمرار الضغط فيما يتعلق ببرنامج إيران الذري في تأجيله لسنتين على الأقل، "كنقطة ضوء" من ناحية إسرائيل، فإنها تؤكد أن "الخطورة الكامنة في استكمال برنامج إيران النووي، المدعوم بنظام محافظ ومتطرف أكثر من الماضي- والذي على ما يبدو لن ينجح المجتمع الدولي في إيقافه- تستوجب من إسرائيل الاستعداد استخبارياً وأمنياً وعسكرياً وسياسياً بشكل دائم ودؤوب، من أجل مواجهة فعّالة حيال هذا التهديد".

 

ويجمل المسؤول العسكري الموضوع بالكلمات التالية: "بعد عدّة لقاءات عقدتها مع مسؤولين كبار في أوروبا في مقدوري أن ألخّص زعمين وردا على ألسنتهم في سياق القضية الإيرانية:

الزعم الأول يقول- من غير الواضح لنا، سيدي رئيس "أمان"، لماذا ترعبنا بالتهديد النووي لأوروبا. فنحن نعيش تحت مظلة تهديد كهذا منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية.

أمّا الزعم الآخر فيقول- من الواضح في خاتمة المطاف أن حلّ المشكلة ستقومون به إما أنتم أو الأميركيين، إذن دعنا نترك هذا الموضوع جانبًا".

 

معنى هذا الكلام أن "القضية الإيرانية" ليست جديدة البتة، فإسرائيل تعيش تحت مظلة هذه القضية منذ مدّة. وهي ليست جديدة حتى فيما يتعلق بعدم استبعاد الخيار العسكري من طرف إسرائيل، والذي يلمح "فركش" إلى أن هناك شبه تسليم به من جانب أوروبا- حقًا أو افتئاتًا، لا يهم.

 

وكنّا في بداية العام قد تعرضنا تفصيلاً إلى هذا الموضوع من خلال الاستشهاد بآراء عدد من الخبراء الإسرائيليين الإستراتيجيين الذين أشاروا في شبه يقين إلى أن هذا الخيار غير مستبعد في ضوء "القناعة" في إسرائيل بأن إعلان إيران مؤخراً عن إرجاء نشاطها في ميدان تخصيب اليورانيوم هو "إرجاء مؤقت تحت وطأة الضغط الأوروبي الشديد، ولا يعكس قراراً إستراتيجيًا من لدنها بالكف عن السعي لامتلاك سلاح نووي". وهو في رأيهم "خطوة تكتيكية من جانب إيران غايتها أن ترجئ الضغط الشديد الوطأة عليها وأن تدق إسفينًا بين الحكومات الأوروبية والإدارة الأميركية في هذا الموضوع". وتابع بعضهم: في حالة تبيّن صحة هذا الافتراض فمن شأن الأزمة في الموضوع النووي الإيراني أن تصل، مرة أخرى، إلى مفترق طرق في المستقبل غير البعيد. كما رأى البعض الآخر أن الخيار العسكري ضد إيران قد يعرض للدراسة في إسرائيل (إذا لم يكن قد عرض أصلاً) فضلاً عن دراسته في أروقة الإدارة الأميركية الحالية. وأشير في هذا الصدد إلى أن التصريحات الرسمية في إسرائيل بهذا الخصوص أشد وضوحًا وصفاءً من التصريحات الأميركية الرسمية. "فلقد أعلن قادة الدولة ورؤساء الجهاز الأمني في إسرائيل، في الأشهر الأخيرة، أنهم ينتظرون نتائج الضغط الدولي على إيران، لكن إذا لم يكن ذلك كافيًا فستضطر إسرائيل إلى الاعتماد على ذاتها وإلى اتخاذ خطوات للدفاع عن نفسها".

 

ما هو الجديد إذًا؟.

 

هناك شبه إجماع في أوساط الساسة والمعلقين الإسرائيليين على أن الانتخابات الإسرائيلية القريبة (في 28 آذار 2006) هي من أهم أسباب إعادة "الملف الإيراني" إلى صدارة الاهتمام الرسمي الآن بالذات، دون التقليل من كون هذا الملف مطروحًا على الدوام على الأجندة الإسرائيلية.

 

وفي رأي محلل الشؤون الإستراتيجية رؤوبين بدهتسور ("هآرتس") فإنه "ليس هناك وضع أشد خطورة لمواطني إسرائيل، على ما يبدو، من الجمع بين الانتخابات المقتربة والمداولات حول الميزانية الأمنية. فجأة يتبين أن إسرائيل تواجه تهديدًا وجوديًا فظيعًا ووشيكًا، الأمر الذي يستوجب القيام بخطوتين اثنتين لمواجهته: زيادة الميزانية الأمنية وانتخاب أريئيل شارون".

وفي رأي بدهتسور فإن السلاح النووي والصواريخ البالستية كانا دائما فزّاعة جيدة وفعالة لبث الذعر في نفوس المواطنين. إلا أن ذلك، برأيه، مُوجه أكثر لأعضاء الكنيست والحكومة للتأثير على قرارهم بصدد الميزانية الأمنية لأنها خط أحمر، خاصة في ظل التهديدات المزعومة.

 

ومضى قائلاً: "الانتخابات الوشيكة تُسهم بنصيبها في زيادة التهديدات، ذلك لأنه لا يمكن أن يكون هناك شيء ضروري أكثر من الحاجة إلى تنصيب شخص يعرف ويقدر على مواجهة التهديدات باعتباره جنرالا سابقًا وخبيرًا في المعارك والتجارب، الأمر الذي يجعله متميزًا على منافسه صاحب البرنامج المدني- الاجتماعي الواضح. عندما تكون الصواريخ موجهة يحظر الوثوق بمن لم يكن في حياته ضابطًا مسؤولا، ولم يشرف على آلة الحرب العسكرية".

 

يظل من الأكيد بعد ذلك أن تشهد الأيام المقبلة حتى الانتخابات المزيد من محاولات نزع البعد الاجتماعي عن هذه المعركة المصيرية، خصوصًا في ضوء كون إسرائيل لا تزال محكومة بـ"وجهة النظر الحديدية" التي أرساها موشيه ديان منذ أواخر الستينيات والتي لا يمكن بمقتضاها رفع الراية الاجتماعية طالما كانت الراية الأمنية مرفوعة (وبكلماتنا المألوفة "لا صوت يعلو على صوت الأمن").

 

 

المصطلحات المستخدمة:

هآرتس, الكنيست

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات