المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

صدقية شارون وكذبه بقلم: رندة حيدر من الأمور المثيرة للتساؤل: كيف يمكن ان تهتز صدقية اريئيل شارون في نظر الاسرائيليين، وان تتراجع شعبيته للمرة الاولى بهذا الحجم منذ انتخابه قبل ثلاث سنوات بسبب قضية هامشية غير ذات اهمية سياسية مثل الكشف عن وجود معرفة شخصية بينه وبين عائلة الاسير ألحنان تننباوم قد تكون اثرت على قراره الموافقة على صفقة تبادل الاسرى المثيرة للجدل مع >حزب الله<؟.

والمثير للدهشة ايضا ان المعارضة الاسرائيلية التي التزمت الصمت طوال اشهر ولم تتحرك لا عندما بدا ان جدار الفصل يتجاوز الخط الاخضر ويقتطع مناطق في قلب الضفة الغربية، ولم تعترض على سياسات الاغتيال والتوغل للجيش الاسرائيلي داخل المدن الفلسطينية والتي غالبا كانت من اهم الاسباب لعودة العمليات الفلسطينية داخل المدن الاسرائيلية وللعمليات الانتحارية؛ وانما اختارت هذه المعارضة استغلال قضية تننباوم لكي تفتح النار مجددا على شارون. لا الازمة الاقتصادية الخانقة التي يعيشها الاقتصاد الاسرائيلي ولا الركود، ولا ارتفاع معدلات البطالة وتراجع الاستثمارات الاجنبية، ولا التقليصات التي اقرتها الحكومة والتي اتت بصورة خاصة على حساب التقديمات التي تذهب الى الفئات الضعيفة والفقيرة في اسرائيل، وليس هذا كله ما دفع الاسرائيليين الى الشك في قدرة شارون وفي مؤهلاته لادارة شؤونهم الحياتية، وانما ما دفعهم الى الشك هو كونه قد كذب عليهم. واكثر من الف قتيل اسرائيلي سقط منذ تعهد شارون امام جمهور ناخبيه بأنه سيعيد الامن الى حياة المواطن الاسرائيلي؛ ومع ذلك فإن هذا لم يزعزع ثقة الناس به؛ ولكن ان يقف شارون وراء اعادة مواطن اسرائيلي تدور حول ماضيه الشبهات يبدو اهم من كل ما سبق. الضجة الكبيرة والحملة الاستثنائية التي تعرض لها شارون في الاسبوع الماضي بسبب كشف صحيفة >معاريف< عن صلته العائلية بتننباوم تشيران الى خلل ما تعانيه الحياة السياسية في اسرائيل والمجتمع الاسرائيلي في آن. فالاستقامة السياسية والمصداقية بالنسبة للاسرائيليين لهما مغزى يختلف تماما عما يعنيانه بالنسبة لسائر الناس. والا فما معنى ان يقبل الاسرائيليون بكل الاخفاقات السياسية لرئيس حكومتهم، وبكل التبريرات التي يقدمها ليدافع عن المأزق الذي تعيشه اسرائيل حاليا على اكثر من صعيد، فلا يتحركون او يتذمرون على الاضرار البالغة المادية والسياسية التي لحقت ببنية حياتهم الاقتصادية والاجتماعية جراء سياسة العنف والبطش التي تبناها شارون في حل نزاعه مع الفلسطينيين، ولكنهم تراهم يعترضون عليه لأنه كذب عليهم في امر له صلة شخصية به، او اخفى حقيقته غير ذات القيمة الامنية، على وزراء حكومته. والسؤال الذي يطرح هنا: هل الجمهور الاسرائيلي يخاف من اظهار معارضته الحقيقية لشارون كي لا يتهم بأنه يضعف الوحدة الوطنية ويقوّي الخصم، لذا فهو يستغل قضايا غير سياسية فعلا للاعلان عن استيائه؟ وهل حول شارون حربه ضد الارهاب الفلسطيني الى سلاح يقمع فيه اية معارضة سياسية له، معتبرا اياها تصب في خانة العدو والخصم، كما جرى مثلا مع جماعة موقعي وثيقة >جنيف< من الشخصيات اليسارية الاسرائيلية التي اتهمت بأبشع التهم وارغمت على الصمت، حتى الصحافة لم تعد تفرد لها مكانا على صفحاتها، وبدا انها تتجاهلها عن قصد؟ لا يقتصر الخلل والخوف من الانتقاد والاعتراض على الجمهور الاسرائيلي العريض، وانما يطال ايضا بصورة خاصة المعارضة الاسرائيلية التي لم تتحرك طوال السنة الماضية ضد رئيس الحكومة، ولم تسجل موقفا واضحا لها ضد مواقفه السياسية والاقتصادية والامنية، فإذا بها اليوم فجأة تنشط وتطالب بمحاسبة شارون والتحقيق معه في آلية اتخاذه لقرار صفقة تبادل الاسرى مع >حزب الله<. فالراهن حاليا ان المعارضة اليسارية الاسرائيلية بما فيها حزب العمل اسيرة عقدة فشل اتفاق اوسلو مع الفلسطينيين، واعتبار نفسها مسؤولة عن ادخال >الارهاب< الفلسطيني الى المدن الاسرائيلية عبر موافقتها على قيام السلطة الفلسطينية في الضفة وغزة. وبدلا من ان تتمسك هذه المعارضة بخيار الحوار والسلام كحل لا مفر منه للتوصل الى التسوية، واعتبار ذلك هو المحور الموجه لنشاطها كمعارضة قادرة على التحرك وسط الرأي العام لتحفيزه على اعادة التفكير من جديد باختيار رئيس جديد للحكومة، تراها تدخل في مواجهة مع شارون في مسائل شخصية تطال سلوكه الاخلاقي من تورطه في قضايا الرشى والفساد، الى احتمال تعريض امن اسرائيل للخطر بالافراج عن اسرائيلي تربطه به علاقات عائلية. الاسرائيليون والعالم اجمع يعرفون أن شارون لم يكن ولا في يوم من الايام نموذجا للشخصية السياسية الشفافة والمستقيمة؛ فهو لم يكن صادقا العام 1982 عندما اخفى حقيقة تطورات الحرب في لبنان عن رئيس حكومته بيغن، ولم يكن صادقا في اكثر من قضية وفضيحة فساد، ورغم ذلك انتخبه الاسرائيليون بغالبية ساحقة. لذا، فالموقف الاخير للجمهور والمعارضة من شارون هو دليل على هشاشة المعارضة اكثر مما هو مؤشر حقيقي على ضعفه السياسي، انه صورة اخرى لتردي الحياة السياسية في اسرائيل وتهافتها.

المصطلحات المستخدمة:

اريئيل, رئيس الحكومة, اوسلو

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات