المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

>فضيحة تننباوم< تضع شارون على مفترق طرق سياسي مهم بقلم: حلمي موسى يبدو ان فضيحة العلاقة بين أرئيل شارون ووالد زوجة العقيد الحنان تننباوم تتحول الى كرة ثلج تكبر بقدر ما تتدحرج.

ورغم أن ارئيل شارون سارع الى إنكار انه كان لهذه العلاقة أي شأن في قراره إبرام الصفقة مع حزب الله، فإن المقربين منه أوضحوا مقدار إدراكهم لخطورة هذه التهمة بالمعايير الإسرائيلية. وقد دفع إدراك الخطورة هذا بعض المعلقين الإسرائيليين للقول إن المخرج شبه الوحيد لشارون الآن يتمثل في الاندفاع قدما في خطته للانفصال عن الفلسطينيين. ومن الوجهة العملية فإن هذا المخرج يعني، بالمقابل، ان خطوات شارون السياسية ترتبط بدرجة كبيرة بوضعه الشخصي على الصعيدين السياسي والقانوني. ومن الواضح ان صحيفة >معاريف< التي أشاعت أمر العلاقة بين شارون وشمعون كوهين (والد زوجة العقيد تننباوم) تملك من الوثائق ما يهز الأساس الذي يستند إليه شارون في إنكاره التهمة. ولكن الواضح أكثر ان خصوم شارون ليسوا بحاجة لهذه الوثائق في المعركة الاعلامية ضده. فأغلبية الجمهور الإسرائيلي لم تعد تؤمن بمصداقية شارون، ليس في هذه القضية وحسب، وإنما في جملة القضايا الأخرى المتهم بها. ومع ذلك فإن هذا الجمهور منقسم جدا على نفسه في كل ما يتصل باستقالة شارون. فالاستقالة تعني عمليا تغيير الصورة الراهنة للزعامة في إسرائيل، وهذا يعني الاقتناع بوجود بديل. وحتى اللحظة يتعذر على أحد في إسرائيل الإشارة الى البديل المحتمل. ففي داخل اليمين، ليس هناك إجماع حول القائد البديل لشارون. وإذا كان هذا البديل من الليكود فإن الانقسام في صفوف اليمين حوله في تعاظم مستمر. أما في الليكود ذاته فحدث ولا حرج. وتتراوح المواقف من البديل من العودة الى بنيامين نتنياهو >بصورته المعدلة< الى القبول بإيهود أولمرت أو خوض الصراع مع وزير الخارجية سيلفان شالوم. وفي كل الأحوال يصعب القول ان الحلبة الداخلية في اليمين عموما وفي الليكود خصوصا مؤهلة لحسم قضية البديل خلال فترة قصيرة. وعدا ذلك ليس هناك من يضمن ان يكون تقبل اليمين للسياسة التي ينتهجها أي بديل أشد من تقبله لسياسة شارون. وهنا تبرز الحاجة لاستذكار ان اليمين ذاته هو الذي أسقط في حينه بنيامين نتنياهو وعرقل خطواته. غير ان البديل الحقيقي لليمين لم يولد بعد، وهو في الوسط أو اليسار. ورغم ان استطلاعات الرأي تتحدث عن تراجع طفيف في قوة اليمين وتزايد قوة اليسار، إلا ان أحدا لا يدّعي ان اليسار الإسرائيلي أو حزب العمل يشكل بديلا لحكم اليمين. ويصعب تخيل وقوف الجمهور الإسرائيلي الى جانب بديل كهذا يظهر صبح مساء سعيه المحموم للشراكة في الحكم وليس قبول التحدي وتشكيل البديل. وهذا ينطبق بشكل أساسي على حزب العمل الذي يخوض صراعا داخليا شديدا ليس فقط حول الزعامة، وإنما كذلك حول الطريق. وبالمقابل فإن حركة >ميرتس< تطلعت على الدوام الى لعب دور المحفز لحزب العمل وليس للعب دور البديل القادر على قيادة الحكم. وهكذا من الناحية العملية يمكن القول ان الظروف التي قادت شارون في حينه الى موقع زعيم الليكود، ثم الى رئاسة الحكومة لم تتغير. وتكمن هذه الظروف في مفهوم >انعدام البديل<. فما زال هذا المفهوم ساريا يكتسب صلاحية متزايدة يوما بعد يوم رغم الاخفاقات السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية. وفي هذا السياق يضع الكثيرون قضية تننباوم وعلاقتها بمصير أرئيل شارون وحكومته. والواقع ان هناك من يحاول وضع سياق آخر للأمور، خصوصا لدى المؤسسة العسكرية والأمنية. وما تحويل تننباوم الى >العدو رقم واحد للجمهور< إلا محاولة اخرى لإخفاء حقيقة الاخفاق أو حتى مسلسل إخفاقات هذه المؤسسة في كل ما يتصل بقضية تننباوم. ففي إطار >اللعبة الاستخبارية< أفلح حزب الله في ان يكون ندا للمؤسسة الامنية الاسرائيلية. ورغم محدودية هامش اللعبة فإن ذلك يشكل إزعاجا هائلا للمؤسسة الاسرائيلية التي تسوق نفسها عالميا كـ >بطلة دولية< في هذا الميدان. ويثبت صحافيون اسرائيليون ان إخفاقات المؤسسة الامنية الاسرائيلية في هذا المجال رافقت >عملية تننباوم< من البداية للنهاية. فالاستخبارات الاسرائيلية لم تفلح ليس فقط في منع حدوث الاختطاف، وإنما كذلك في معرفة تفاصيله. ولذلك لم يكن صدفة انها اضطرت لإبرام صفقة مع تننباوم نفسه بهدف الحصول منه على معلومات حول ما أدلى به لمحققيه في حزب الله. ومن المنطقي الافتراض ان تننباوم الذي عمل في شركة تاديران التقنية الاسرائيلية، وعمل خبيرا لدى >قيادة الجبهة الشمالية<، عمل كذلك على المشاريع ذات الصلة بتطوير سلاح المدفعية، وبينها المشروع المضاد لصواريخ كاتيوشا، المعروف بـ >ناوتيلوس<. ولأن هذا المشروع وسواه له علاقة بالتعاون مع أميركا ودول اخرى، فإن وقوع تننباوم في الاسر يلحق الضرر بـ >سمعة< اسرائيل في تعاونها العسكري مع هذه الدول. عموما، ورغم هامشية قضية تننباوم على الصعيد الاسرائيلي العام، فإن وقوعها على المفصل الهام في العلاقة بين السياسي والعسكري، بين المحلي والدولي، بين المصلحة الشخصية والعامة، كفيل بتحويلها في هذه الظروف بالذات الى مخفر لقضايا اكبر. وإذا استمرت الضجة والسجال حول علاقة شارون بعائلة تننباوم، وإثبات كذب شارون في ادعاءاته، فليس من المستبعد ان تغدو هذه القضية نقطة التحول في موقف الرأي العام الاسرائيلي من البديل.

المصطلحات المستخدمة:

الليكود, بنيامين نتنياهو

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات