المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

المنقل لقمع الإضراب

نشرت الصحف الاسرائيلية أن ادارة السجون في اسرائيل اكتشفت وسيلة جديدة لكسر اضراب السجناء الفلسطينيين عن الطعام والذي بدأ في مطلع هذا الأسبوع، أما الوسيلة الجديدة فهي أن تنشر في سجونها رائحة شواء اللحم لاثارة شهيتهم للطعام، أي أن هذه الادارة ستوقد المناقل وتشوي عليها اللحوم، بالطبع المكتنزة شحما، وذلك في ساحات السجون لتعبق رائحة الشواء وعندها تنهار عزيمة المناضلين واصرارهم على الصمود فلا يترك أمامهم هذا العبق الا الاستجداء أمام ادارة السجن للحصول على "شيش" فتعلن الادارة عن فك الاضراب. هكذا يتصور سجانو وزير الأمن الداخلي، تساحي هنجبي، الذي قد يعارض هذه الخطوة لأنه لا يريد للسجناء الفلسطينيين ان يوقفوا الاضراب وهو القائل: "بامكانهم أن يضربوا يوما وأسبوعا وشهرا الى أن يموتوا".


كان المنقل، وهو موقد النار لشواء اللحمة، ولا يزال في اسرائيل أحد معالم الاحتفال بما يسمى "عيد الاستقلال" وعيد الفصح ورأس السنة العبرية، وهو جزء من ثقافة اليهود الشرقيين (اي العرب) وبالطبع هو مركب أساس في المطعم العربي والشرقي حتى انهم يستعملون بالعبرية كلمة المنقل العربية، والآن مثل كل معلم ثقافي وانساني يستعمل في اسرائيل كأداة قمع. المنقل لكسر اضراب السجناء الفلسطينيين، هذه هي البدعة الاسرائيلية الجديدة.


أعرف تجربة الاضراب عن الطعام في السجن، فقد كنت أضربت سبعة أيام عن الطعام في احد سجون اسرائيل العسكرية، وأعرف جيدا أن رائحة الطعام، ليس المشوي فقط، تثير الشهية وتستفز في الأيام الثلاثة الأولى فقط، ولكن بعدها تصبح رائحة الطعام، حتى اللحم المشوي، مثيرة للتقزز، فربما أن سلطات السجون العسكرية لا تعرف هذه الظاهرة، وما سيحصل بعد مرور ثلاثة أيام أن رائحة الشواء سوف تزيد السجناء اصرارا على مواصلة الاضراب.
قد يصمد سجناء الحرية بفضل اصرارهم وايمانهم بقضيتهم وكذلك بفضل المنقل الاسرائيلي، فنحوله نحن الفلسطينيين الى معلم من معالم الاستقلال.

المنقل الشرقي

في برنامج اذاعي عبري مفتوح للاصغاء الى آراء المستمعين، افتتح المذيع برنامجه بالسؤال: هل استبدل شعب اسرائيل ثقافة الكتاب بثقافة المنقل؟ وقد قدم البرنامج في يوم احتفالات الطوائف الشرقية اليهودية من شمال أفريقيا بعيد الميمونة (احتفال اليهود الذين هاجروا من المغرب العربي بعيد الفصح اليهودي) وقدم المذيع وصفا مستفيضا لدخان المشاوي الذي تصاعد فوق الحدائق العامة وكأنه حجب نور الشمس.
لم يخل طرح المذيع والعديد من المستمعين من مشاعر الاستعلاء وحتى الخوف من المنقل بصفته أحد مظاهر الثقافة الشرقية، وحتى مجرد طرح المعادلة: المنقل مقابل الكتاب، ينم عن استعلائية عنصرية لأن المنقل لا يهدد الكتاب لا في الثقافة الاسرائيلية ولا في غيرها، ولكن وضع هاتين المسألتين في كفتي ميزان هو تعبير واضح عن الموقف العنصري الصهيوني من ثقافات الشرق قاطبة، والذي اعتبرته متخلفا وحددت من مهمات الصهيونية التاريخية جلب الحضارة الغربية المتطورة اليه، ويندرج في هذا الاعتبار أيضا مجرد تسويغ مصطلح ثقافة المنقل وكأن ثقافة الشرق تنطلق من المعدة وثقافة الغرب تنطلق من العقل، وقد اتسم صراع الثقافات في المجتمع الاسرائيلي بطابع عنصري بين عرب ويهود وبين شرقيين وأشكناز بدل أن يقوم على قاعدة ثورية تقدمية وهي الصراع بين القوموية والكونية وبين الدينوية والعلمانية وهما شرطان لرؤية ثقافة الأنا والآخر من منظور ثقافي تقدمي.


قبل عدة سنوات عندما كان يتسحاك ليفي، اليهودي الشرقي من حزب المفدال، وزيرا للثقافة، أعلن أنه سيغير سلم الأفضليات في ميزانيات الثقافة لصالح الثقافة الشرقية، وقد دار نقاش عنيف بين المؤيدين والمعارضين وأبدى دعاة الثقافة الغربية تخوفا كبيرا من تغلب الثقافة اليهودية الشرقية على المجتمع الاسرائيلي ووصف بعضهم هذه المحاولة بأنها رجعة الى الوراء وضربة للثقافة الاسرائيلية ومحاولة ليس فقط لشرقنتها بل لتعريبها أيضا، مع أن هذا الوزير بعيد كل البعد عن مواقف التقارب مع العرب وحضارتهم ويمثل أكثر التيارات اليمينية تطرفا، ولا أصدق أن دعوته هذه جاءت لتنسجم مع دعوة عدد كبير من اليهود الشرقيين للعودة الى جذورهم الثقافية العربية في اطار محاولاتهم بلورة هوية ثقافية متميزة توازي قوة الثقافة الغربية الأشكنازية المسيطرة، بل جاءت دعوته هذه لدعم المؤسسات الدينية اليهودية المفدالية تحت شعار العمل الثقافي، على غرار تنظيمات شاس لزيادة انتشار المفدال بين اليهود الشرقيين على حساب شاس والليكود.
مهما كانت نتائج هذه الخطوات فان الصراع الأساس هو على طابع الدولة الثقافي، هل يكون غربيا أم شرقيا وهل تبقى اسرائيل بمثابة كولونية غربية في الشرق الأوسط أم أنها تصبح دولة شرق أوسطية، أو بمعنى أدق، دولة من دول الشرق العربي؟
هذه المسألة ليست ثقافية وحسب، بل هي سياسية وأيديولوجية، لأن الاجابة عليها تفكك أركان الدولة اليهودية القائمة على فرادة الوجود اليهودي في الشرق وعلى الدور الكولونيالي الذي التزمت به مقابل مساندتها سياسيا وعسكريا واقتصاديا من الدول الغربية ذات المصالح الامبريالية في الشرق العربي، ولذلك فان التصدي لكل مظاهر انتشار الثقافة الشرقية ينطلق من دائرة الاجماع القومي الصهيوني الواسعة التي تشمل اليسار الليبرالي وحتى اليمين المتطرف.

المنقل الأشكنازي

ان وضع المنقل مقابل الكتب وشعب المنقل بدل شعب الكتاب هو شكل من أشكال الديماغوجيا القمعية التي يحاولون بها مكافحة المد الثقافي الشرقي في المجتمع الاسرائيلي ولو كان المنقل مظهرا للثقافة الغربية لما وضعت هذه المعادلة ولربما انتشرت حولها المهرجانات مثل البيتسا الايطالية والمكدونالد الأمريكي.
بما أن المنقل أصبح أيضا جزءا من ثقافة الأكل الأشكنازي، ولا يمكن تجاهله، فقد بدأ البحث عن مصادر غربية له، وقد أصغيت بعد أسبوع فقط الى برنامج آخر في الاذاعة ذاتها واذا بمقدم البرنامج يجري مقابلة مطولة مع أحد المواطنين الخبير بالمنقل الأرجنتيني وحاوره بكثير من الإحترام عن طقوس المنقل وكيفية اعداد اللحمة والمسافة التي يجب أن تفصل بينها وبين الفحم، واذا بها ثقافة واسعة وشاملة أثارت شهية ولهف المذيع الأشكنازي وهي آتية الينا من الغرب وليس من الشرق المتخلف، وذكر الاثنان الكلمات الاسبانية التي تستعمل في طقوس المنقل الأرجنتيني لكن أحدا منهما لم يذكر أن أصل الكلمة منكل ـ كما يلفظونها ـ هو عربي. فهل تكون الحرب القادمة على المنكل مثلما كانت على الأرض والبحر والمياه؟.

المصطلحات المستخدمة:

السجون في اسرائيل, الصهيونية

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات