ينقسم الإسرائيلي العادي على نفسه بين أعلى درجة من التأييد لاغتيال الشيخ أحمد ياسين وأعلى درجة من الخوف جراء انتظار الرد الفلسطيني. ويقف هذا الانقسام أيضا على أرضية صلبة من الإيمان باللاجدوى والإدراك بأن الاغتيال ليس سوى حلقة أخرى في مسلسل لا ينتهي.
وهذا ما دفع بعض المعلقين الإسرائيليين الى الحديث عن سيادة "الجنون" ليس فقط في الحلبة السياسية وإنما كذلك في صفوف الجمهور. ولكن الأدهى هو أن الجنون أصاب بعض المعلقين الذين طرحوا أنفسهم بخلاف العادة، كمحللين نفسانيين، وهكذا يكتب دافيد نافون في "يديعوت أحرنوت" أن ما يسميه بالإرهاب الفلسطيني يستفيد من "مجتمع مذعور متردد في الرد خشية عواقب فعله". ولذلك سيفرح "الإرهابيون" عندما يكتشفون أن حكومة إسرائيل تأخذ ذلك بالحسبان. ويرى وجوب استمرار العمليات الإسرائيلية لأنه "حتى إذا لم ننجح في ردعهم، فإنه محظور علينا الظهور بمظهر المرتدعين. ولكن ثمة ما هو أسوأ. ردع حكومة إسرائيل هو إنجاز تكتيكي للإرهاب، ولكن بث الذعر في المجتمع الإسرائيلي هو إنجاز استراتيجي".
وبين المعلقين الإسرائيليين من يعزو هذا التناقض القائم ليس فقط في سلوك الإسرائيلي العادي، وإنما في مواقف المسؤولين السياسيين والعسكريين، الى ذلك الشعور بالمهانة. ويعتقد إيتان هابر في "يديعوت" أيضا ان عملية أسدود بما مثلته من جرأة دفعت غريزة الانتقام والإحساس بالمهانة الى المقام الأول.
ولكن المعلقين، الذين يبدون اعتراضا على الاغتيال لسبب أو آخر، هم في تزايد مستمر. ومن المحتمل أن أي رد مؤلم من جانب "حماس" أو أي من الفصائل الفلسطينية سيشجع آخرين على رفع الصوت بشكل أعلى ضد هذه السياسة التي ترمي الى تدمير القيادة السياسية للشعب الفلسطيني. وفي هذا السياق يكتب تسفي بارئيل في "هآرتس" ان "كل عمل سخيف، سواء أكان قتل الشيخ ياسين أو القيام بقصف اعتيادي يودي بحياة سكان من القطاع بات يحظى بتبرير مشوه: محظور منح الفلسطينيين إحساسا بأنهم يطردون الجيش الإسرائيلي من غزة وأن ما حدث في لبنان لن يتكرر هنا مرة أخرى". ويرى أن في مثل هذا القول "خداع مزدوج"، لسببين هو أن الطرد كان دوما أسلوب انسحاب الاحتلال من أية أرض محتلة، والثاني يوحي بأنه "على حساب الخطة التي لم تتحقق بعد، بات مسموحا القتل بشكل حر".
ويكتب بارئيل ان "الضربة التي اقترح شارون في حينه توجيهها للبنان يقوم الآن بتنفيذها في غزة قبل الانسحاب، انطلاقا من الفهم الذي يقوم على أساس الخداع الذاتي بالقول إن المزيد من القتل سيمنع استمرار الكفاح المسلح". ويخلص الى أن إسرائيل سوف تخرج من غزة فقط "لأنه لا يمكنها الاحتفاظ بهذه المنطقة بسبب عبئها الأمني. ومن يخشى تعبير "طرد إسرائيل" يجدر به أن يعتاد عليه. فإسرائيل تخرج من غزة مطرودة".
وترى افتتاحية "هآرتس" أن وزراء إسرائيل عندما قرروا اغتيال الشيخ ياسين لم
يأخذوا بنظر الاعتبار أوضاع إسرائيل. وركزت على وجه الخصوص على الجانب الرياضي. ومعروف أن العديد من الفرق الرياضية الأوروبية اعتذرت عن القدوم لإسرائيل لأسباب أمنية. ويضاف هذا الجانب الى العديد من الجوانب الاقتصادية التي تمثلت في إضعاف حركة التسوق في المجمعات التجارية الكبرى وتردي الوضع السياحي الى أقصى حد.
ولكن كل ذلك لم يحل دون قيادة الجيش الإسرائيلي من إظهار شعور بالرضى والراحة على الاغتيال وعواقبه. وحسب الإيحاءات العسكرية، فإن المناطق الفلسطينية لم تشتعل بما فيه الكفاية، وأن العمليات الفلسطينية كانت في حدود عادية. ولكن هذه الإيحاءات والتسريبات يمكن أن تصطدم قريبا بالواقع. وهذه ليست المرة الأولى. فرئيس أركان الجيش، الجنرال موشي يعلون، أعلن عند إبرام الهدنة الفلسطينية أن الانتفاضة انتهت وأن إسرائيل حققت النصر. وفقط بعد أسابيع من ذلك عاد وابتلع لسانه. ويبدو أن ما يجري الحديث عنه كإنجاز في اغتيال الشيخ ياسين هو ما أعاد ليعلون القدرة على الكلام. لذلك ذهب الى أقصى حد عندما أشار الى أن اغتيال ياسين يشكل فاتحة لاغتيالات أخرى تقترب من كل من الرئيس ياسر عرفات والسيد حسن نصر الله.
وأياً يكن الحال، فإن الأيام والأسابيع القادمة تحمل في ثناياها تطورات هامة تتسابق في ما بينها. فالعمليات الفلسطينية تسابق خطة الفصل. وأرييل شارون لا يدري الآن كيف سيتصرف حيال التوصية الأولية بتقديمه الى المحاكمة بتهمة تلقي الرشوة وحيال موقف وزراء الليكود من خطة الفصل. ومن المؤكد أنه يشعر بقدرة أكبر على التصرف حيال الفلسطيني. فكل تصعيد ضد الانتفاضة يلقى التفهم من جانب قطاعات واسعة من الجمهور والحلبة السياسية الإسرائيلية. ولذلك ليس من المستبعد أن يدفع التصعيد في الأيام القادمة الى ذرى جديدة للتغطية على إخفاقه في مواجهة القضايا الأخرى.
وإذا كانت هناك من خلاصة جوهرية فهي أن الأيام القادمة ستشهد اختلاط الأوراق بشكل شديد بين المحلي والإقليمي والدولي في الصراع بين المقاومة وإسرائيل، وهذا يدفع الى التأني في إطلاق الأحكام.