المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

وجهة نظر فلسطينية

يؤثر تواصل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بشكل مباشر وكبير على تطور الديمقراطية في المجتمعين. إسرائيل بلد فيه آلاف النابهين في حقول عديدة. ومع ذلك فمنذ عام 1974 كان جميع رؤساء الوزارات في إسرائيل من القادة العسكريين. إيهود باراك وبنيامين نتانياهو وإسحق شامير كانوا إما جنرالات أو/و من الأعضاء ذوي الرتب في القوات الخاصة الإسرائيلية أو أجهزة الاستخبارات. هذه هي العسكرة بأجلى معانيها. من الواضح جدا اليوم أن إسرائيل واقعة تحت تأثير انقلاب صامت حيث يهيمن العسكر على السياسة وعلى نسيج الحياة الديمقراطية ونوعيتها.

وعلى من يشك في الأمر أن يطالع كتابا جديدا باسم "الحروب لا تقوم هكذا"، بقلم موتي غولاني، يفصل تقاليد السلطة في إسرائيل. "منذ إنشاء دولة إسرائيل في عام 1948، كان زعماؤها يؤثرون بشكل عام استعمال القوة لحل المشكلات التي لا تكون جميعا من المسائل المصيرية". هذا ما كتبه غولاني، حسبما نقلت عنه جريدة هآرتس. عواقب هذا النهج بادية للعيان في النظام السياسي الإسرائيلي، حيث يقوي الوضع العسكري المستمر في إسرائيل السلطة التنفيذية على حساب التشريعية. لدى إسرائيل نظام ديمقراطي، يمكن للمرء أن يسميه الديمقراطية الإثنية، حيث تكون اليد العليا "للقبلية". والطريقة الوحيدة للفرار من هذا الوضع هو إدخال الإصلاحات. والولايات المتحدة هي النموذج، فبعد أواسط الستينات فقط، وبعد قبول مفاهيم المجتمع المدني وتعدد الثقافات انتعشت الديمقراطية في الولايات المتحدة.

في الجانب الفلسطيني فإن استمرار الصراع هو المسؤول بشكل مباشر وصارخ عن نهوض واشتداد ساعد الحركات الإسلامية التي لا تقرّ القيم الليبرالية الديمقراطية بالمفهوم العام. وهنا أفرق فيما بين الإسلامي السياسي والإسلام دينا. إن الدين الإسلامي يضم الصوفية التي هي مثال للمسالمة، كما يضم أسامة بن لادن وأمثاله الذين يقسمون البشرية إلى فئتين: المسلمين والبقية. وحركة حماس الفلسطينية المعارضة لا ترى الأمور أبيض وأسود بهذه الطريقة، ولكنها مع ذلك لا تتمتع برؤية ديمقراطية تضم القيم الليبرالية الديمقراطية.

ومن آثار الصراع الأخرى أنه يؤدي إلى إفقار عدد متزايد من الفلسطينيين، على الأقل في الوقت الحاضر. ثمة صلة بين التعليم والدخل والديمقراطية، وقد ثبت أن الفقر والديمقراطية لا يتعايشان كل التعايش.

ولكن استمرار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لا يكتفي بالإضرار بالتطور الديمقراطي في المجتمع الفلسطيني، بل يتعدى ذلك إلى العالم العربي كله. إن للهجمات الإرهابية في المغرب والرياض صلة وإن جزئية باستمرار المطالب الفلسطينية الحالية.

في الوقت نفسه فإن الصراع يحول دون الحوار الحقيقي. ولدي مثال شخصي، ففي أواخر عام 2001 جاءني زائر من قوات الأمن الفلسطينية في وقت متأخر من الليل إلى البيت. وقد دار الحديث، رغم أنه لم يذكر اسمي في الموضوع، حول رأيه بأن هذه الانتفاضة هي وضع حرب وأنه في وقت الحرب تتغير قواعد اللعبة. وقد أخبرني أنه في مثل هذه الأوقات لا يمكن "لنا" أن نسمح لأساتذة جامعة بيرزيت باستغلال موقعهم في الجامعة لانتقاد الرئيس الفلسطيني. لقد استخدمت هذه الحجة في طول العالم العربي وعرضه في فترات – كالفترة الحالية – تتعرض الدول العربية فيها للهجوم. وسط ضجيج المعركة من المفترض أن تصمت كل الأصوات الأخرى.

صالح عبد الجواد استاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت

المصطلحات المستخدمة:

باراك, انقلاب, هآرتس

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات