هذا اليوم عزيز على قلبي شخصيا لأنه، قبل كل شيء، اليوم الذي أبصرت فيه النور وقدمت كزائر مثلي مثل غيري الى هذه الحياة، وكان ذلك في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين يوم 25 أيار سنة 1963. وفي هذا التاريخ ايضا، لكن في سنة 2000 استطاع الشعب اللبناني الشقيق عبر مقاومته الوطنية والإسلامية المسنودة من فصائل المقاومة الفلسطينية والشعوب العربية طرد الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان وتحريره بعد سنوات من العذاب والاحتلال والإذلال. فهنيئا لشعب لبنان هذا الإنجاز الكبير والهام، وهنيئا لأهالي الشهداء والجرحى والأسرى والمعتقلين والمخطوفين هذا اليوم العظيم، يوم تحرير الجنوب من قبضة الإرهاب الاسرائيلي. هنيئا لسناء محيدلي، ورولا عبود، وبلال فحص، والقبرصلي ومصطفى سعد والشيخ عباس الموسوي، ولكل شهداء لبنان المقاومة وشهداء فلسطين النضال المستمر وشهداء الأمة العربية الذين قاتلوا على أرض الجنوب اللبناني من أجل عزة العرب ونصرهم.
لم يكن انتصار المقاومة في لبنان راجعا لعامل الصدفة كما أراد بعض الناس تصويره، لكنه كان بفعل المقاومة الرائعة والمميزة لجماهير لبنان وجنوبه بالذات. وكان نتيجة الايمان المطلق بحتمية دحر الاحتلال وطرده من أرض الجنوب بالمقاومة والنضال.
في الخامس والعشرين من أيار مايو سنة 2000 أعلن لبنان أن هذا اليوم أصبح عيدا وطنيا لبنانيا يحتفل به كل عام. لأنه يوم رحيل الاحتلال مطأطىء الرأس، مكسور الجناح، ذليلا ومحطما وديم الهيبة والشأن. يوم زوال الاحتلال من معظم أراضي لبنان بقوة الضربات وبوهج المقاومة التي كانت رأس حربة النضال ضده.
زال الاحتلال لكن بقيت مزارع شبعا محتلة، ومادام هناك جزء محتل من أرض الجنوب فأن المقاومة ستبقى قائمة حتى يستعاد ذاك الجزء ويزول عنه الاحتلال كما زال عن الجنوب.
لم يأتِ انتصار الشعب اللبناني من فراغ ولا نتيجة ضغط دولي على اسرائيل اضطرها أجبره الى الانسحاب، فهناك قرارات عدة تطالب المحتلين بالانسحاب من جنوب لبنان وأهمها القرار 425، لكن إسرائيل لم تلتزم به ولم تقبل بالانسحاب وواصلت سياستها الدموية في لبنان، فكانت الحصيلة مذابح ومجازر وويلات، وتدميرا متعمدا للبنية التحتية واستهدافا للمدنيين بشكل مباشر وعن قصد وسابق إصرار.
خلال سنوات الاحتلال، قامت القوات الغازية التي احتلت جنوب لبنان على دفعات متتالية، بسرقة ونهب المياه اللبنانية الجوفية وغير الجوفية منها، وحولت مجرى المياه من نهري الوزاني والحاصباني ومارست سياسة السطو والسلب والنهب والجرائم التي يمنعها القانون الدولي بدون خوف ورهبة من أحد، وكان الاحتلال الإسرائيلي للجنوب اللبناني بمثابة خنجر في خاصرة الوطن اللبناني الصغير وفي قلب الوطن العربي الكبير.
حافظت إسرائيل على احتلالها لتلك الأراضي عبر سياسة الحديد والنار والمذابح والمجازر والتنكيل بالبشر والشجر والحجر وبمنع الخبر. فكانت تدير ظهرها للعالم الحر والمتمدن والمتحضر ولا تبالي بأي نداء يطالبها بالرحيل عن جنوب لبنان والانسحاب من هناك والعودة من حيث أتت. لكن وبعدما اشتدت المقاومة وقوي عودها وأصبحت ضرباتها موجعة ومؤلمة وألحقت أضرارا بالغة بالقوات المحتلة، وبعدما سببت خسائر الاحتلال الإسرائيلي البشرية الجسيمة في جنوب لبنان شرخا غير مسبوق في المجتمع الإسرائيلي، وأفرزت منظمات وجمعيات وتكتلات معارضة للبقاء في جنوب لبنان، اضطرت قيادة الاحتلال إلى اتخاذ قرار الانسحاب من الجنوب اللبناني. ولكنها كانت تنسحب فارة وهاربة تحت زخات الرصاص والصواريخ وعلى وقع الأنفجارات وفي ظل وابل من العمليات واقتحام المواقع والدشم والحصون. فأنهار فجأة جيش أنطوان لحد وهرب أفراده وعائلاتهم مع القوات الاسرائيلية الهاربة بدورها من جحيم المقاومة.
أن انتصار الشعب اللبناني ومقاومته المجيدة للاحتلال البغيض بعد سنوات طويلة من النضال الوطني والكفاح الشعبي المسلح، يجعل أبواب الأمل بالانتصار عليه فلسطينيا مشرعة على مصراعيها.
اذا كان هناك ما نستفيد منه في يوم الانتصار اللبناني على الاحتلال، فالاستفادة الأهم تكون بمواصلة طريق الانتفاضة والمقاومة التي لا تتعارض مع عملية المفاوضات والسلام. فتجارب الشعوب في حروبها ضد الاحتلال والاستعمار أثبتت أن السياسة التي لا تتمتع بمقاومة تحميها وتدعم مفاوضاتها سوف لن تأتي سوى بالويلات لأصحابها. وهذا ما أثبته التجربة الفلسطينية السابقة من مفاوضات أوسلو السرية حتى سقوط الاتفاقيات السلمية وإعادة احتلال إسرائيل للمناطق الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية.
اوسلو - 25-05-2003