المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • مقالات وأراء عربية
  • 857

أقدمت إسرائيل قبل أيام على اعتقال الشيخ رائد صلاح رئيس الحركة الإسلامية في فلسطين (داخل دولة إسرائيل) مع أربعة عشر شخصا آخر من قياديي الحركة ومن رؤساء المجالس المحلية في الوقت نفسه. يمثل هذا الاعتقال حدثاً خطيراً، إذ انه ليس مجرد اعتقال،

إنما هو تهيئة لإجراءات أخرى تمس وضع الأقلية الفلسطينية (مليون و300 ألف نسمة)، وتمهد لقضايا مصيرية مثل الترانسفير والسيطرة على مدينة القدس والمسجد الأقصى. وكانت أبلغ إشارة لما ينطوي عليه هذا الاعتقال من مخاطر، إعلان وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي «تساحي هانيغبي» بعد يوم واحد من الاعتقال فقط (14/5/2003) إن إسرائيل ستسمح قريبا لليهود بالصلاة في باحة المسجد الأقصى، وقال «لا يمكن لنا أن نقبل وضعا لا يسمح للمؤمنين في كل الديانات بأن يصلوا في جبل الهيكل.... لا شيء يبرر ذلك، وسيكون بإمكان اليهود قريبا وقريبا جدا أن يصلّوا في هذا الموقع». إن هذا الترابط بين الاعتقال وصلاة اليهود في المسجد الأقصى ليس صدفة، فللحركة الإسلامية بقيادة رائد صلاح موقف خاص ومتميز من المسجد الأقصى يزعج حكومة إسرائيل ويزعج حكومة آرييل شارون بالذات.


لا بد أن نلحظ هنا، أن قضية إنشاء كنيس في باحة المسجد الأقصى ليصلي اليهود فيه، كانت قد طرحت في مفاوضات كامب ديفيد (7 ـ 11 ـ 2000) الذي انعقد برعاية الرئيس الأميركي بيل كلينتون، وكان موضوع الصلاة مطروحا من ضمن مشروع إسرائيلي يطلب الموافقة الفلسطينية على أن تبقى القدس تحت السيادة الإسرائيلية، وعلى أن تشمل السيادة الإسرائيلية المسجد الأقصى، وقد رفض الوفد الفلسطيني هذا المطلب الإسرائيلي الذي كان سببا رئيسيا في فشل مفاوضات كامب ديفيد. وتشكل العودة الإسرائيلية الآن إلى إثارة موضوع الصلاة من جديد مدخلاً لفرض السيادة الإسرائيلية عليه، وليس مجرد رغبة في الصلاة.

ولا بد أن نلحظ هنا أيضا، أن إسرائيل تمارس إجراءات أمنية دقيقة وقاسية، تسعى إلى منع توافد فلسطينيي الضفة الغربية إلى داخل مدينة القدس، وبخاصة في أيام صلاة الجمعة، ولكن المسجد يبقى رغم ذلك عامراً بالمصلين الفلسطينيين الذين يتوافدون على المسجد بالعشرات، قادمين من المدن والقرى الفلسطينية الواقعة تحت سيطرة دولة إسرائيل، والذين يحفظون للمسجد نكهته الإسلامية والفلسطينية، والذين تشكل صلواتهم حاجزا أمام فرض المناخ اليهودي على المسجد، وهو الأمر الذي تريد إسرائيل تجاوزه.

ومن أجل هذا الأمر بالذات، تقوم الحركة الإسلامية بقيادة رائد صلاح، بعمل منظم للحفاظ على إسلامية المسجد وعروبته، وهي تنظم منذ سبع سنوات حتى الآن مهرجانا سنويا داخل المسجد الأقصى، تحت شعار «المسجد الأقصى في خطر»، من أجل صد المشاريع الإسرائيلية ومنع تطبيقها. وفي شهر آب (أغسطس) من العام الماضي نظمت الحركة (مهرجان طفل الأقصى) في باحة الحرم القدسي، وخطب في المهرجان الشيخ كمال الخطيب نائب رئيس الحركة الإسلامية، وقال في خطابه «إن الأقصى وما تحته حتى الأرض السابعة، وما فوقه حتى السماء السابعة، ملك للمسلمين، وليس لأحد حق فيه أو في ذرة تراب منه، وإن كل جدران الأقصى للمسلمين وليس لغيرهم». وقال للصحافيين بعد المهرجان «إن هوية الأقصى مسألة لا تخضع لأي مساومة أو تفريط، وإذا ما ابتغت إسرائيل أن تدفع الحركة الإسلامية ضريبة تتمثل بتضييق الخناق عليها في مقابل حفاظها على الأقصى، فإن الحركة مستعدة لدفع هذه الضريبة». واعتبر الرئيس الإسرائيلي موشيه كتساف إن شعار (الأقصى في خطر) ينطوي على تحريض خطير على الدولة العبرية. ودعا نائب وزير الأمن الداخلي جدعون عزرا الحكومة إلى تقييد حركة الشيخ رائد صلاح ونائبه وغيرهما من كبار المسؤولين لمنعهم من الوصول إلى القدس.

وبسبب هذا النوع من المواقف، أقدمت الحكومة الإسرائيلية على استصدار قرار في 16/2/2002 يقضي بتقييد حرية الشيخ رائد صلاح بالسفر ومنعه من مغادرة البلاد.ثم أقدمت في 13/5/2003 على اعتقاله مع زملائه. وهي تدرس الآن إمكانية اعتبار الحركة الإسلامية حركة محظورة قانونيا، وهو أمر يثير جدلا داخل إسرائيل حول النتائج السلبية لمثل هذا القرار، أولا على صعيد العلاقة بين اليهود والعرب داخل الدولة، وثانيا بسبب إمكانية تحول الحركة الإسلامية إلى العمل السري بدل العمل العلني المعروف والمكشوف.

تنقسم الحركة الإسلامية إلى جناحين يختلفان حول نقطة واحدة فقط هي المشاركة أو عدم المشاركة في انتخابات الكنيست الإسرائيلي، ووجد نتيجة لذلك (الجناح الشمالي) للحركة بقيادة رائد صلاح وهو الجناح الذي يرفض المشاركة في الانتخابات، و(الجناح الجنوبي) بقيادة إبراهيم صرصور وهو مشارك في الانتخابات ويمثله نائبان هما توفيق الخطيب وعبد الملك دهامشه. وقد بدأ الجناحان مؤخرا في التقارب من بعضهما، وأخذ كل جناح يحضر مهرجانات الجناح الآخر. ويتميز جناح رائد صلاح بتأسيس سلسلة من المشاريع الاجتماعية الناجحة، بدأها منذ أن كان رئيسا لبلدية أم الفحم (من عام 1989 إلى شهر 5/2001) رسخت صلة الحركة بالناس (روضات اطفال، عيادات، مكتبات، مساجد، مؤسسات للشفاء من الإدمان)، وهو ينشط من أجل القدس، وجمع تبرعات من الداخل والخارج تم بواسطتها ترميم (المصلى المرواني) القائم تحت المسجد الأقصى وعلى امتداد مساحته، كما يعمل على ترميم العديد من الأماكن الإسلامية المقدسة. وتقدم الحركة مساعدات مالية للعائلات الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وبخاصة العائلات التي تفقد ابنها أو معيلها بسبب هجمات جيش الاحتلال الإسرائيلي.

وبالاعتماد على هذا النشاط، تستعد الأجهزة الأمنية في إسرائيل لتحضير لائحة اتهام لرائد صلاح وللحركة الإسلامية، بأنها حركة تدعم الإرهاب، لأن بعض مساعداتها تذهب إلى عائلات شهداء أو معتقلين من حركتي حماس والجهاد الإسلامي. وسيتم البحث عن قاعدة «دعم الإرهاب» في بحث اعتبار الحركة حركة غير قانونية.

ولكن من الخطأ اعتبار الموقف الإسرائيلي هذا موقفا موجها ضد الحركة الإسلامية أو ضد جناح واحد فيها، إذ لا يمكن عزل هذا الإجراء عن سياسة إسرائيلية عامة تتناول مجموع الأقلية الفلسطينية داخل دولة إسرائيل، فإسرائيل تعيش منذ سنوات هاجس «دولة اليهود»، وهاجس الخطر الديمغرافي الذي يشكله الفلسطينيون على هذه الهوية اليهودية للدولة، وهي اتخذت في مؤتمر هرتسليا عام 2000 توصيات تصب في نهج الترحيل (الترانسفير)، وبدأت تبرز منذ ذلك الحين إجراءات منظمة ومتتابعة تخدم هذا الغرض، ومنها:

ـ مشاريع لترحيل الفلسطينيين من داخل دولة إسرائيل إلى أراضي السلطة الفلسطينية.

ـ ضم مناطق ذات أغلبية فلسطينية (منطقة المثلث) إلى أراضي الدولة الفلسطينية (مقابل مستوطنات منطقة القدس).

ـ حملات تحريض ضد القادة الفلسطينيين: رائد صلاح، عزمي بشارة، أحمد الطيبي، وبحث سن قوانين لمنعهم من المشاركة في الانتخابات والحد من نشاطهم السياسي.

ـ منع الفلسطينيين من الحصول على وظائف، وبخاصة في نطاق التعليم، بسبب مواقفهم السياسية واستنادا إلى قرارات المخابرات.

ـ إقدام وزير الداخلية السابق إيلي بشاي على سحب الجنسية من أشخاص فلسطينيين بناء على تقارير أجهزة المخابرات.

ـ مشاريع قوانين تقدم في الكنيست لتشجيع هجرة الفلسطينيين من إسرائيل إلى البلاد العربية (النائب ميخائيل كلاينر).

واستنادا إلى كل هذه الوقائع نستطيع القول، إن اعتقال الشيخ رائد صلاح وزملائه، ربما يكون مقدمة لإجراءات إسرائيلية أشمل، تتعلق بالوضع القانوني للأقلية الفلسطينية في إسرائيل، كما تتعلق بمستقبل القدس والمسجد الأقصى، وكذلك بمستقبل عملية التسوية السياسية التي تبرز في واجهتها الآن قضية خارطة الطريق، التي يناور شارون للتهرب منها وإلغائها. وسيتم هذا العمل كله تحت ستار مقاومة الإرهاب وتجفيف منابعه المالية، ولكن الاستمرار في هذا النهج سيعني أن حكومة شارون تهيئ المناخ لامتداد الانتفاضة الفلسطينية إلى داخل إسرائيل، فالقمع والحظر القانوني سيؤديان إلى العمل السري، وهو أمر لا يريده الفلسطينيون ولكن إسرائيل تدفع الأمور باتجاهه.

(الشرق الاوسط 18 ايار)

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات