سددت الحرب، التي لم تنل تصديقًا دولياً، ضربة كبيرة إلى القانون الدولي وإلى دور الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن التابع لها. وفي الواقع فإن هذه الحرب قد تدخل كتاب التاريخ بوصفها نقطة تحول من وضع القوة المتعاظمة والاحترام اللذين اكتسبهما المجتمع الدولي إلى وضع تكون فيه القوة العظمى الوحيدة ليس فقط الطرف الذي يتجاهل الشرعية الدولية، بل الذي يستبدل بها الأحادية. تستند عملية سلام الشرق الأوسط إلى الشرعية الدولية وإلى الحاجة إلى التمسك بقرارات مجلس الأمن ذات الصلة وتطبيقها. والآن نرى الدولة ذاتها التي تشرف على عملية السلام قد أشاحت بوجهها عن المنبر الدولي وقررت أن تسلك السبيل الذي اختارته منفردة.
بينما لم يظهر أثر مباشر أو فوري من آثار الحرب البريطانية والأميركية ضد العراق حتى الآن على الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فنحن نرى من الآن مؤشرات في الأفق تتعلق بالنتائج الاستراتيجية البعيدة الأمد للحرب. أحد أوائل الضحايا المحتملين لهذه الحرب قد يكون "الرباعية"، وهي مجموعة العمل الرفيعة المستوى بشأن الشرق الأوسط التي تتألف من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة.
يرى الفلسطينيون – والعرب عموما – جهود الرباعية خطوة في الاتجاه الصحيح، لأنها تقلل الاحتكار الأميركي لعملية السلام، وتأتي بجهود دبلوماسية هي أقرب إلى مقتضيات القانون الدولي. وبالمقابل فإن المحاولات الدبلوماسية الأميركية الأحادية الجانب لم تثمر بسبب الانحياز الأميركي الصارخ لإسرائيل، وما نشأ عنه من عدم التوازن في التعامل مع الجانبين. إن التدهور في العلاقات بين الولايات المتحدة واللاعبين الدوليين الكبار الآخرين الذي حدث قبل هذه الحرب سوف يترك بدون شك أثرًا مدمرًا على مبادرات "الرباعية" التي كانت حتى تاريخه أفضل محاولات بناء سلام شرق أوسطي.
سددت الحرب، التي لم تنل تصديقًا دولياً، ضربة كبيرة إلى القانون الدولي وإلى دور الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن التابع لها. وفي الواقع فإن هذه الحرب قد تدخل كتاب التاريخ بوصفها نقطة تحول من وضع القوة المتعاظمة والاحترام اللذين اكتسبهما المجتمع الدولي إلى وضع تكون فيه القوة العظمى الوحيدة ليس فقط الطرف الذي يتجاهل الشرعية الدولية، بل الذي يستبدل بها الأحادية. تستند عملية سلام الشرق الأوسط إلى الشرعية الدولية وإلى الحاجة إلى التمسك بقرارات مجلس الأمن ذات الصلة وتطبيقها. والآن نرى الدولة ذاتها التي تشرف على عملية السلام قد أشاحت بوجهها عن المنبر الدولي وقررت أن تسلك السبيل الذي اختارته منفردة.
وفوق ذلك فليس ثمة شك في أن التحول في الاهتمام الدولي وفي اهتمام الإعلام والدبلوماسيين بعيدًا عن الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي سوف يقلل الضغوط الدولية التي كانت تحافظ على القدر اليسير من الهدوء. والفكرة التي قد تبعث في النفس التوجس هي أن خسائر جسيمة يتم إنزالها بالعراق قد توفر مبررًا إضافياً، في عيون الأسرة الدولية، لهجمات إسرائيل على المدنيين الفلسطينيين الذين تحتلهم.
لقد كانت الإيماءات الأخيرة من جانب الرئيس الأميركي جورج بوش ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير، وكذلك من جانب دبلوماسيين مثل ميخيل موراتينوس وديفيد ساترفيلد، مشجعة من حيث إنها تجرأت وذكرت صراع الشرق الأوسط في هذه اللحظة البالغة التوتر. ولكنها لم تكن تبعث على الطمأنينة بما يكفي.
إن التصريحات التي تأتي من مسؤولين أميركيين صغار يحاولون إلباس تصريحات بوش ثوباً إيجابيًا كانت تتعرض فورًا للتصحيح من جانب مصادر إسرائيلية قريبة من الإدارة الأميركية. والتقييم العام كان يرى أن أي مسعى دبلوماسي جديد لن يحدث إلا بعد حرب العراق التي يمكن للمرء أن يتوقع لها أن تدوم بأكثر مما أشارت إليه التقديرات المتفائلة الأولى. هذا التعطيل سيكون له أثر مباشر على رئيس الوزراء الفلسطيني الجديد، فإذا كان رئيس حكومتنا الجديد، رغم كل النوايا الحسنة، غير قادر على الحصول على تسهيلات لشعبه – ولن يكون قادرًا على تحصيل شيء ما لم يتم تجديد عملية السلام – فإن هذا سينعكس سلبًا على نظرة الجمهور إليه، وإلى عملية السلام نفسها.
يحاول بعض المحللين أن يقارنوا الأحداث الجارية في الشرق الأوسط بنتائج حرب الخليج الأولى التي تميزت بأن جورج بوش الأب قام بعدها مباشرة ببدء محادثات الشرق الأوسط. وللأسف فإن هذه المقارنات تبدو غير صحيحة. ففيما سيستقبل تجديد عملية السلام بشكل إيجابي في المنطقة، وهو سيخفف أيضًا من المشاعر المتنامية المعادية لأميركا، فهناك عوامل أخرى تجعل ذلك يبدو سراباً. أولاً، هذه الحكومة الأميركية متحالفة على نحو لم يشهده العالم من قبل مع نظرائها من حزب الليكود اليميني في إسرائيل. وثانياً، بينما خرج جورج بوش الأب من حرب الخليج وهو ذو شعبية عالية، ينزلق ابنه في صراع صعب حلفاؤه فيه قلة واقتصاده أثناءه متأرجح.
لهذا السبب يشعر الفلسطينيون بشكل واضح بأنه ليس لهم أن يتوقعوا الكثير من الدبلوماسية الأميركية بعد الحرب.