المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

حروب المنطقة كلها كانت تصب في خدمة السياسة الإسرائيلية وفي منبع التآمر الأمريكي على الشعوب العربية وتطورها، فحرب العراق وإيران جاءت لتخدم المشروع الإسرائيلي الأمريكي في الإنفراد بالمنطقة، وكذلك ديمومة التفوق الإسرائيلي على جميع أنظمة الحكم في الشرق الأوسط. ونتائج الحرب العراقية - الإيرانية وبدايتها كما نهايتها كانت مؤسفة ومخجلة، وكانت تعبر عن جهل وقلة تفكير الذين فرضوها على شعوبهم وعلى المنطقة وعلى العالم.

بقلم: نضال حمد
أصبح الآن واضحًا أن الهدف الأمريكي في الحرب على العراق يتفق ويلتقي بشكل كبير مع الهدف الإسرائيلي الذي بدوره يفعل ويقوم بعمل كل ما يمنع تقرير المصير للشعب الفلسطيني المكافح من أجل الحرية والاستقلال والحياة بلا استيطان واحتلال. فقد جربت إسرائيل المدعومة أمريكياً خلال فترة وجودها المقرونة بزوال فلسطين من الخارطة السياسية للمنطقة، كافة أنواع الحروب من أجل منع الفلسطينيين من إعادة تأسيس أنفسهم والحفاظ على هويتهم الوطنية والتمسك بحقهم في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الحرة والمستقلة بناءً على قرارات الشرعية الدولية. وناضل الشعب الفلسطيني مدعوماً من الشعوب العربية بكل قوة وبلا هوادة من أجل تحقيق الحلم الفلسطيني الذي ليس كما كل الأحلام العادية، فهو ليس حلمًا عادياً بل حقيقة فعلية موجودة، وليس الكفاح الفلسطيني الطويل والمديد والمرير سوى تعبير عن تلك الحقيقة التي قدّم شعب فلسطين على مذبحها وقربانًا لها عشرات آلاف الشهداء والجرحى والأسرى والمعتقلين. ومن المهم الإشارة هنا إلى الدور البريطاني - الأمريكي الكبير في ضياع فلسطين ومحاربة الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني. ومنذ أن أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية على لسان رئيسها هاري ترومن تأييدها للهجرة اليهودية إلى فلسطين الانتدابية ومطالبتها الحكومة البريطانية الانتدابية السماح لمائة ألف لاجئ يهودي بالدخول إلى فلسطين، حافظت السياسة الأمريكية على ثباتها في هذا الموقف الداعم لإسرائيل بدون قيد أو شرط.

منذ ذلك الوقت أتبعت أمريكا بكل إداراتها المتعاقبة سياسة معادية للشعب الفلسطيني وحقه الطبيعي والعادل في الحياة حرًا وسيدًا في وطنه المسلوب فلسطين. وتفانت الإدارات الأمريكية في الدفاع عن إسرائيل ودعمها بكل الوسائل والسبل والإمكانيات، لا بل خاضت أمريكا حروبًا عديدة صغيرة وكبيرة من اجل ضمان تفوق إسرائيل على جيرانها العرب وعدم تعرض ميزان تفوقها العسكري والحربي لأي خلل. فشاركت في حروب إسرائيل الستة السابقة عبر مدها بالدعم والإسناد والسلاح والمال والجسور الجوية والبحرية المفتوحة التي كانت تنقل العدة والعتاد والسلاح مباشرة من القواعد والمصانع الأمريكية إلى أرض المواجهة والمعركة. والتاريخ لازال يذكر كيف تدخلت أمريكا بأساطيلها ضد العرب ونصرةً لإسرائيل. كما أن تاريخ الفيتو في مجلس الأمن الدولي شاهد عيان على عدد المرات التي استعمل فيها من قبل الأمريكان خدمة ونصرة لإسرائيل ومنعاً لإلزامها بأي قرار دولي. وقد فضلت أمريكا الالتزام بتفوق وأمن إسرائيل والحفاظ عليها كضابط متقدم في سبيل خدمة الأهداف التوسعية والاستعلائية الأمريكية في المنطقة، وكانت تفعل ذلك بتنسيق منظم ومسبق وثابت مع الحكومات البريطانية التي لازالت تمارس دورًا ذيلياً وتابعاً للسياسة الأمريكية المعادية للعرب.

كان من الطبيعي والمنطقي لأمريكا أن تتحالف مع الدول العربية التي تشكل بالنسبة لها سوقاً اقتصادية واسعة وهامة ومنبعًا نفطيًا لا يمكن تعويضه بأي منبع آخر. كل هذا وذاك لم يقنع أمريكا بالانحياز للعرب، والعرب أصحاب حق في قضية لا يمكن تغيير الحقائق فيها عبر الكذب والدجل والتزييف وسرقة التاريخ وصناعته من جديد.

حروب المنطقة كلها كانت تصب في خدمة السياسة الإسرائيلية وفي منبع التآمر الأمريكي على الشعوب العربية وتطورها، فحرب العراق وإيران جاءت لتخدم المشروع الإسرائيلي الأمريكي في الإنفراد بالمنطقة، وكذلك ديمومة التفوق الإسرائيلي على جميع أنظمة الحكم في الشرق الأوسط. ونتائج الحرب العراقية - الإيرانية وبدايتها كما نهايتها كانت مؤسفة ومخجلة، وكانت تعبر عن جهل وقلة تفكير الذين فرضوها على شعوبهم وعلى المنطقة وعلى العالم.

وبالرغم من ويلات تلك الحرب كان لكل من أمريكا وبريطانيا والغرب بشكل عام دورًا هاماً وأساسياً في دعم طرفي النزاع من أجل انهاكهما معا وتكسير وتحطيم قوتهما واقتصادهما ومستقبلهما، على ما يبدو كخطوة مدروسة لتمهيد الطريق نحو الحرب الثانية ومن ثم الحرب الجارية الآن والتي تعرف بالثالثة.

جاء الغزو العراقي لدولة الكويت والذي نتج عنه تقسيم الأمة العربية وخراب الجامعة العربية وجلب الاحتلال الأمريكي لدول الخليج، هذا الاحتلال الذي يسميه البعض بالوجود والذي يعتبر احتلالاً غير معلن لتلك الدول وبرضى حكامها الذين أعلنوا تخليهم حتى عن ورقة التوت التي كانت تستر عورتهم. أما الآن في الحرب الخليجية الثالثة والإسرائيلية السابعة فقد بان في مؤتمر القمة العربية الأخيرة في شرم الشيخ الخيط الأبيض من الخيط الأسود، كما كان بانَ من قبل في قمة بيروت مدى حالة الإنهاك والتردي التي تعم الحكومات والأنظمة العربية، إذ أنهم لم يستطيعوا فعل أي شيء للشعب الفلسطيني المنتفض منذ أكثر من عامين، وأكثر من ذلك رفضوا قطع علاقاتهم السياسية والدبلوماسية والاقتصادية مع اسرائيل كتعبير رمزي عن دعمهم ومساندتهم للفلسطينيين، وقد اخترعوا لذلك أسباباً عديدة منها المضحك ومنها المبكي، كما أسباب البعض الذي برر العلاقات بما فيه من خدمة ومصلحة للشعب الفلسطيني وللسلطة الفلسطينية.

أما الآن والحرب في العراق على أشدها والصواريخ الإسرائيلية الصنع تنهمر مع غيرها من صواريخ كروز وتوماهوك والأخرى التي لا زالت مجهولة بالنسبة لنا، نرى أن في الحرب مصلحة أساسية لإسرائيل وأقل ما فيها أن إسرائيل ستقوم بالتعامل مع الانتفاضة الفلسطينية بدون إزعاج ومن دون تغطية إعلامية وقد تقدم حكومة شارون على تنفيذ ترانسفير من والى المناطق الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية أو عبر ترحيل بعض الناس إلى الأردن أو بعض الدول العربية الأخرى المجاورة. وذكرت الأنباء أن السلطات الإسرائيلية أبلغت 24 معتقلاً فلسطينياً في سجن عوفر بأنها سوف تقوم بترحيلهم إلى الأردن. فهل هذه بداية الترانسفير الحقيقي في خضم الحرب الدائرة في العراق حيث ينشغل العالم بتلك الحرب؟ هذه الأنباء سوف تظهر على حقيقتها قريبا جدًا.

هذه الحرب الممتدة من العراق إلى فلسطين ليست سوى مؤامرة واحدة لعدو مشترك وواحد يستهدف الشعب الفلسطيني وحقوقه العادلة عبر شطب القضية الوطنية الفلسطينية وضرب الانتفاضة والمقاومة وإجبار القيادة الفلسطينية على الموافقة على مشاريع التصفية المسماة سلاماً. وكذلك لإضعاف الأمة العربية عبر كسر إرادة المقاومة والعزة والكرامة الوطنية والقومية لدى الشعوب العربية وفي المقدمة منها قوة العراق شعبًا وجيشًا عربيًا أصيلاً كان له في حروب فلسطين والأمة العربية تاريخاً منيرًا ومضيئاً.

فهل ستسمح الأمة العربية بالاحتلال الأمريكي للعراق وبالترانسفير البغيض للشعب الفلسطيني؟ هذا سؤال الفلسطيني الآن، فهل سنجد من الحكام العرب من ينكره؟

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

ينشر في "المشهد الإسرائيلي" بتزامن مع جريدة "إيلاف" الالكترونية وعنوانها على الشبكة: www.elaph.com

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات