بالكاد أعلنت الحكومة الاسرائيلية موافقتها المشروطة على "خريطة الطريق" حتى انهالت على شارون وأركانه برقيات الثناء والمديح ووصفها الناطق باسم البيت الأبيض بأنها خطوة كبرى الى أمام. وخطت الحركة الديبلوماسية خطوة جديدة باتجاه تسوية النزاع الفلسطيني - الاسرائيلي، وازدحمت حركة المرور على طريق تسوية هذا النزاع بعدما ظلت محدودة لأكثر من عامين، وتذكّر البعض زخم النشاط السياسي والديبلوماسي في عهد الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون. وزار وزير الخارجية الاميركي كولن باول وعدد من وزراء خارجية الدول الأوروبية رام الله وتل ابيب لإظهار مساندة ادارة بوش ودول الاتحاد الأوروبي حكومة محمود عباس، ومحاولة اقناع شارون بأهمية الشروع في تنفيذ "خريطة الطريق".
بالكاد أعلنت الحكومة الاسرائيلية موافقتها المشروطة على "خريطة الطريق" حتى انهالت على شارون وأركانه برقيات الثناء والمديح ووصفها الناطق باسم البيت الأبيض بأنها خطوة كبرى الى أمام. وخطت الحركة الديبلوماسية خطوة جديدة باتجاه تسوية النزاع الفلسطيني - الاسرائيلي، وازدحمت حركة المرور على طريق تسوية هذا النزاع بعدما ظلت محدودة لأكثر من عامين، وتذكّر البعض زخم النشاط السياسي والديبلوماسي في عهد الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون. وزار وزير الخارجية الاميركي كولن باول وعدد من وزراء خارجية الدول الأوروبية رام الله وتل ابيب لإظهار مساندة ادارة بوش ودول الاتحاد الأوروبي حكومة محمود عباس، ومحاولة اقناع شارون بأهمية الشروع في تنفيذ "خريطة الطريق".
والى جانب ذلك، قررت الإدارة الاميركية ارسال فريق تنسيق الى اسرائيل والسلطة الفلسطينية لمتابعة تطبيق بنود الخطة. وتوج بوش الحركة الجديدة بقراره زيارة المنطقة وعقد قمتين: الأولى أميركية - عربية تعقد في منتجع شرم الشيخ، يحضرها عدد من ملوك ورؤساء الدول العربية المصنفين في خانة أصدقاء أميركا، بهدف حث الزعماء العرب على محاربة الارهاب، وإحداث اصلاحات داخل دولهم تحول دون انبعاثه منها، والبحث في أفضل السبل لإعادة بناء العراق وفق "خريطة" المهندس الاميركي وليس حسب رغبة أهله أو رغبة الجامعة العربية... وايضاً مساندة الجهود الرامية الى تطبيق "خريطة الطريق" الخاصة بتسوية النزاع الفلسطيني - الاسرائيلي. أما القمة الثانية فستعقد في مدينة العقبة بحضور رئيس الحكومة الاسرائيلية شارون ورئيس الحكومة الفلسطينية محمود عباس بالإضافة الى زعيم البلد المضيف الملك عبدالله الثاني، ويتوقع ان تركز قمة العقبة على استئناف عملية السلام على المسار الفلسطيني - الاسرائيلي والشروع في تنفيذ "خريطة الطريق".
اعتقد ان الرئيس بوش لن يواجه في القمة الأولى في "شرم الشيخ" متاعب تذكر بشأن تحقيق الأهداف التي رسمها هو وأركانه مسبقاً، خصوصاً ان الزعماء العرب يتصرفون في حضرة الزعيم الاميركي على قاعدة "رحم الله امرئ عرف قدر نفسه"... وتنافسوا على حضور القمة ولقاء "امبراطور" العصر، وكأنهم يريدون الاطمئنان على مصيرهم ومصير دولهم بعد الحرب على العراق وبعد اعلان أركان بوش عزمهم على تغيير خريطة المنطقة ورسمها من جديد وبعضهم اشار الى ان اطاحة نظام صدام خطوة أولى ستتلوها خطوات.
أما في القمة الثانية، فيرجح ان يواجه الرئيس بوش متاعب جدية في الحصول على ما يريد. وسيحتاج الى حزم شديد وذكاء خارق يفوق ذكاء كلينتون للنجاح في ما فشل الرئيس الاميركي السابق في تحقيقه واقناع شارون بأن في "خريطة الطريق" بمراحلها الثلاث منافع كبيرة لاسرائيل لا تقل عن المنافع التي يجنيها الفلسطينيون. وإذا كانت الحرب على العراق وإلزام شارون بالموافقة على "خريطة الطريق" تؤكدان توافر صفتي الحزم والمغامرة في شخصية الرئيس بوش، فتوافر الصفتين في التعامل مع المسألة الفلسطينية يقلل من تأثير نقص الذكاء الخارق... ولا يحتاج الأمر أكثر من فتح ملفات المفاوضات الفلسطينية - الاسرائيلية السابقة، وإلزام شارون بالسير حسب "الخريطة" التي وافق عليها ووضع تحفظاته جانباً. ويعرف الرئيس بوش ان ربع الشروط الاسرائيلية الـ14 التي ألحقتها حكومة اسرائيل بنصوص الخريطة الأصلية يكفي لتجميد تنفيذ خطة "خريطة الطريق" الى اشعار آخر، وان وزير خارجيته باول فشل في اقناع شارون بإعلان موافقة اسرائيل على "خريطة الطريق" من دون شروط. ويدرك بوش انه قد يتعذر صدور بيان مشترك عن لقاء العقبة اذا تهاون مع موقف شارون الذي يعتبر التحفظات الاسرائيلية خطاً أحمر.
لا شك في ان قمة العقبة محطة رئيسية لاختبار نوايا شارون وحقيقة مواقفه من" خريطة الطريق". وهو مطالب قبل مغادرة العقبة بتوقيع بيان يؤكد استعداد اسرائيل التام لتنفيذ الخريطة كاملة وقبول قيام دولة فلسطينية مستقلة من دون الإشارة لتحفظاته، والموافقة ايضاً على وقف اطلاق النار ووقف الاغتيالات وكل انواع المداهمات والاعتقالات وهدم البيوت وتجريف البيارات. ومطالب ايضاً في الأيام المقبلة بإخلاء بؤر الاستيطان التي أقيمت بعد ايلول (سبتمبر) 2000، وسحب الجيش من المواقع التي احتلها الى مواقعه القديمة.
وبوش وأركانه يدركون تماماً ان حكومة "أبو مازن" ضعيفة ولا تزال موضع اختبار فلسطيني وبحاجة ماسة لتحقيق انجازات ملموسة تثبت بها صدقيتها وتكسب ثقة الشارع الفلسطيني، وتفند مواقف المعارضة التي تتهمها بأنها معينة من الأميركان وقادمة لتقديم تنازلات جوهرية رفضت الحكومات الفلسطينية السابقة تقديمها. والاتصالات الأولية واللقاءات التي عقدها مبعوثو الدول الأوروبية مع عرفات في المقاطعة ومع" أبو مازن" في مقره، بينت للجميع ان ليس بمقدور رئيس الحكومة الفلسطينية الموافقة على بيان اميركي - فلسطيني - اسرائيلي مشترك يخلو من الحديث عن قيام دولة فلسطينية مستقلة حسب الذي ورد في "خريطة الطريق". ولا يمكن لأبو مازن الموافقة علناً أو سراً على أي تحفظات اسرائيلية يضعها شارون على الخريطة. منها مثلاً الحديث عن استبدال القيادة الفلسطينية وقيام قيادة جديدة... والقول ان اعادة انتشار الجيش الاسرائيلي خارج مناطق السلطة يتم وفقاً للظروف الأمنية... أو وفقاً للظروف الأمنية تعمل اسرائيل من أجل تحسين ظروف الفلسطينيين في الضفة والقطاع... ولا يمكنه بأي حال القفز في قمة العقبة أو بعدها عن الجداول الزمنية الواردة في الخريطة، واعتماد مبدأ بديل عنها خلاصته مدى التزام الطرفين بالتنفيذ. ولا يمكنه القبول باستمرار تعامل اسرائيل مع الفلسطينيين كما كانت تتعامل قبل قمة العقبة، والتصرف على الأرض وكأن "الخريطة" لا تفرض قيوداً على نشاط الجيش الاسرائيلي، كما يقول شارون.
الى ذلك، سيتعرض الجانب الفلسطيني في قمة العقبة الى ضغط اميركي - اسرائيلي قوي بشأن وقف العمل العسكري ضد اسرائيل والاسرائيليين في كل مكان. وأظن ان شارون سيجعل من استلام قوات الأمن الفلسطينية بيت حانون وبيت لاهيا ومنطقة شمال غزة، بمثابة اختبار لقدرة أبو مازن ودحلان على ضبط الأمن. ويراهن شارون على فشلهما، خصوصاً ان اجهزة الأمن الفلسطينية التابعة لوزارة الداخلية وغير التابعة لها مهشمة وغير قادرة على منع من يريد التخريب على الحكومة من تنفيذ عمليات ضد اسرائيل والاسرائيليين.
وإذا كان أبو مازن رفض في لقائه الأول مع شارون، الذي رتبه الوزير باول، استلام هذه المناطق خارج اطار "خريطة الطريق"، فليس بمقدوره التردد في اجتماع العقبة وبعده في استلامها واستلام أي منطقة اخرى يخليها الجيش الاسرائيلي. وبديهي القول ان لا خيار أمام أبو مازن وحكومته سوى النجاح في هذا الاختبار. وأظن ان مقومات النجاح باتت كبيرة بعد موافقة قيادة حركة "حماس" من حيث المبدأ على الالتزام بهدنة موقتة. وفي كل الحالات ليس من مصلحة الفلسطينيين ان يعود الوفاق والوئام التام للعلاقة بين بوش وشارون الى حالته السابقة قبل طرح "خريطة الطريق"، وان يتوحد الموقفان الاميركي والاسرائيلي ضدهم.
الى ذلك، ليس عاقلاً من يتصور ان "الامبراطور" بوش سيعود من قمتي شرم الشيخ والعقبة فاشلاً، وحتماً سيصدر عن القمة الأولى بيان يصوغه الجانب الاميركي ويباركه الزعماء العرب بحماسة شديدة. وزيارة رئيس الحكومة البريطانية طوني بلير للعراق توحي بأن بوش لن يفوت فرصة زيارة العراق بعد زيارة مقر القوات الاميركية في قطر، ولا شيء يحول دون هذه الزيارة وقطف ثمار النصر وافتتاح حملته الانتخابية من مطار بغداد.
واذا كان الجانب الفلسطيني غير راغب وغير قادر ولا مصلحة له في افشال قمة العقبة، فالصعوبات التي سيواجهها بوش في ترويض شارون يمكن تجاوزها بعد جولة سريعة من النقاش، خصوصاً ان وقائع الصراع في العامين الأخيرين اكدت ان "الفيل" شارون ليس عبيطاً ولا متهوراً، ويضع سلامة العلاقة الاميركية - الاسرائيلية في قمة أولوياته، ويعرف بالضبط متى يقول "لا" لسيد البيت الأبيض ومتى ينحني ويقول له "نعم".
وأشك في ان الرئيس بوش مصمم على تنفيذ "الخريطة" من ألفها الى يائها وبجداولها الزمنية. وهو ليس مضطراً في مرحلة التحضير لانتخابات الرئاسة الى القفز عن جميع التحفظات الاسرائيلية، خصوصاً ان الوزير باول ومستشارة الأمن القومي كوندوليزا رايس تعهدا بأخذها في الاعتبار اثناء التنفيذ. والغالبية الساحقة في الكونغرس الاميركي رفعت اكثر من مذكرة تطالبه بعدم الضغط على اسرائيل وعدم الزامها بشيء يتعارض مع مصالحها. واظن ان اقصى ما يطمح بوش لتحقيقه في لقاء العقبة هو تجديد الطرفين التزامهما عملية السلام ومحاربة العنف والارهاب واعلانهما استئناف المفاوضات على قاعدة تنفيذ "خريطة الطريق" بمراحلها الثلاث. وبصرف النظر عن نتائج قمتي العقبة وشرم الشيخ، فالواضح ان موافقة شارون المشروطة على خريطة الطريق ما كان لها ان تتم من دون ضغط اميركي، وهذا الضغط حصل فقط بعد صمود الفلسطينيين في المواجهة الساخنة الجارية منذ اكثر من 30 شهراً، وفشل شارون وأركانه في اخضاعهم لمشيئة اسرائيل.
الى ذلك يصعب على الخبراء في الشؤون الاسرائيلية ان يتصوروا التزام حكومة اسرائيلية تمثل المستوطنين وتضم أقصى اليمين المتطرف تنفيذ "خريطة الطريق" كاملة من ألفها الى يائها وحسب جداولها الزمنية. وأقصى ما يمكن ان تلتزم به هو تنفيذ أجزاء من المرحلة الأولى من هذه الخريطة. وفي جميع الحالات لا مصلحة فلسطينية في دفع "خريطة الطريق" نحو المصير البائس الذي آلت اليه خطط "جورج ميتشل" و"جورج تينيت" مدير الـ"سي اي ايه" والمبعوث الرئاسي الجنرال زيني. والأمل كبير في ان تحافظ المعارضة على توازنها ولا تنجر وراء استفزازات شارون واليمين الاسرائيلي، وتتجنب تفجير الألغام والعبوات الناسفة التي زرعها شارون في طريق "خريطة الطريق".
كاتب فلسطيني.
الحياة 2003/06/02