المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • مقالات وأراء عربية
  • 1056

كان وضع القدس محل نزاع بين الحركة الصهيونية والعرب الفلسطينيين حتى قبل نشوء دولة إسرائيل. آنذاك كانت المستوطنات اليهودية في القدس غالبًا ما تقع إلى الغرب وإلى الشمال من المدينة رغم أن العرب واليهود أخذوا يختلطون في الأحياء الغربية. على أنه رغم هذا الوجود المتنامي لم يعطِ مشروع الأمم المتحدة بالتقسيم لعام 1947 القدس لأي من الجانبين. (وهذا لم يكن موضع خلاف بالنسبة للزعماء الصهيونيين الذين قبلوا رسميًا التقسيم خلافا للعرب. وقد نقل عن دافيد بن غوريون أنه خطط لعاصمة تقع في مكان ما في النقب).

 

كان وضع القدس محل نزاع بين الحركة الصهيونية والعرب الفلسطينيين حتى قبل نشوء دولة إسرائيل. آنذاك كانت المستوطنات اليهودية في القدس غالبًا ما تقع إلى الغرب وإلى الشمال من المدينة رغم أن العرب واليهود أخذوا يختلطون في الأحياء الغربية. على أنه رغم هذا الوجود المتنامي لم يعطِ مشروع الأمم المتحدة بالتقسيم لعام 1947 القدس لأي من الجانبين. (وهذا لم يكن موضع خلاف بالنسبة للزعماء الصهيونيين الذين قبلوا رسميًا التقسيم خلافا للعرب. وقد نقل عن دافيد بن غوريون أنه خطط لعاصمة تقع في مكان ما في النقب).


ولكنه في عام 1948، وفي وقت بدا فيه أن قوى معينة في كلا الجانبين توافق ضمنا على تطبيق مشروع التقسيم عن طريق الحرب، كانت القدس مسرحا لقتال مرير. من وجهة نظر صهيونية كان غرض المعركة على المدينة تأمين صلة بين المستوطنات اليهودية في القدس وما حولها وبين الجمهرات اليهودية الأخرى في الدولة اليهودية الجديدة. حارب الصهيونيون بقوة للاستيلاء على مفترق اللطرون المهم، وبعد أن انتهت الحرب طردت الحكومة الإسرائيلية السكان العرب من اللد والرملة في تموز 1948. ولو كانت هاتان المدينتان تركتا على حالهما لأصبحتا عائقا أمام التواصل الجغرافي اليهودي بين تل أبيب والقدس.

وحتى قبل الحرب كانت هناك عدة حملات صهيونية هدفها تهجير القرويين من المناطق المحاذية للقدس. كان السعي مركزا من ناحية على خلق تواصل جغرافي يهودي وتأمين الطريق إلى القدس، ومن ناحية أخرى دفع العرب باتجاه الشرق إلى المناطق التي تسيطر عليها حكومة شرق الأردن أو ما كان ينبغي أن يكون الدولة العربية. في نيسان 1948 كانت ثمة حملات شبيهة في الأحياء العربية في غرب القدس. ونتيجة لعملية نزع الملكية هذه فإن مناطق القدس التي تقع داخل الحدود الإسرائيلية كانت تقريبا خالية تماما من غير اليهود في أواسط عام 1949، عقب عقد اتفاقية الهدنة بين شرق الأردن وإسرائيل. كانت هناك بعض القرى العربية التي بقيت على تخوم القدس التي احتلتها إسرائيل، وعلى طول الحدود مع المناطق التي سيطر عليها الأردن، ولكن قرية أو قريتين فقط بقيتا فيما بين تل أبيب والقدس.

وهكذا فمن ناحية تاريخية كانت السياسة الإسرائيلية تتمثل في تطهير الأرض من الوجود العربي. وإذا كان لا بد من بقاء فلسطينيين فلا بد من عزلهم أو إخفائهم بحيث لا يلاحظ الزائر الإسرائيلي العادي أو الأوروبي وجودهم وبحيث يشعر بأن كل هذه الأرض إسرائيلية، وبأنها هكذا كانت على الدوام.

ويبدو أن منطقا مماثلا كان في ذهن الإسرائيليين بعد حرب عام 1967. ليس في مقدورنا الجزم بأن إسرائيل أرادت أن تحتفظ بكل المناطق التي احتلتها عام 1967، ولكنه كان واضحا بعد أن وضعت الحرب أوزارها بيوم واحد أن إسرائيل كانت تخطط للاحتفاظ بكل القدس تحت سيطرتها. كان أول ما صنعته إسرائيل تطهير "الحي اليهودي" في القدس من سكانه العرب الفلسطينيين. لقد طرد العرب من الحي وانتقل كثيرون منهم شمالا نحو رام الله حيث سكنوا الحي الحدودي، الذي تشكل كيفما اتفق، والذي هو الآن الرام. ثم إن إسرائيل هدمت حي المغاربة الواقع أمام حائط البراق مباشرة. وباشرت إسرائيل النشاطات الاستيطانية في القدس بإنشاء المستوطنة على التلة الفرنسية التي ستربط القدس بجبل سكوبس إلى الشرق، تلك الجزيرة التي كانت تحت السيطرة اليهودية وسط المنطقة العربية في القدس، وإنشاء مستوطنة النبي يعقوب. على نحو ما، جرى السعي إلى تحقيق هدف قطع القدس عن محيطها الفلسطيني ووصلها بالجمهرات اليهودية داخل إسرائيل، وهو الهدف نفسه التي كان الدافع وراء الهجمات التي شنت عام 1948 على القرى الواقعة غرب القدس.

كان هذا مؤشرا على بدايات خلق "طوق" حول القدس. وبمرور الزمن سيسمح هذا الطوق بإدخال أكثر من 200 ألف يهودي إسرائيلي إلى القدس العربية المحتلة. كانت العملية أسهل من جهة بيت لحم، إذ كانت توجد هناك مستوطنتا البقعة وتلبيوت الإسرائيليتان، والصلة الوحيدة بين بيت لحم والقدس كانت تتمثل في عدد قليل من القرى مثل صور باهر. وفي تلك المنطقة يقع جبل أبو غنيم المشجّر، والآن جرى هناك البناء في مستوطنة هار حوما التي كانت موضع نزاع قبل حين، لتقطع تلك الصلة مع المناطق العربية جنوب القدس.

من الجانب الآخر من المدينة تقع معاليه أدوميم في منطقة خلاء مع وجود سكان فلسطينيين فيما بينها وبين الوجود اليهودي في القدس. ويمكن لهؤلاء الفلسطينيين، عبر أريحا، أن يتصلوا بالفلسطينيين في الضفة الغربية. ولكن هذا، فيما يبدو، لن يدوم طويلا. وإسرائيل تقوم بالتدريج بإحكام الطوق هناك.

والآن، ومع تصاعد سياسة العنف والإغلاق في السنتين الأخيرتين وجدت إسرائيل الوقت الملائم لإغلاق القدس الشرقية تماما. وبينما يتم "إغلاق" القدس، بمعنى أنه لا يسمح لأهالي الضفة الغربية وغزة بالدخول إليها بدون تصريح إسرائيلي، فإن هناك الآن فرصة سانحة لإحاطة المدينة بالجدران. هذه الجدران، التي تقام ظاهريا للحيلولة دون دخول أهالي الضفة وغزة إلى القدس ولمحاصرة رام الله وبيت لحم وأبو ديس، سوف تؤدي، وهذا هو الأهم، إلى خنق القدس الشرقية العربية تماما. وفي الواقع فإن نقطة الضعف الوحيدة الباقية في هذا الطوق هي أن الفلسطينيين ما زالوا قادرين على الوصول إلى البلدة القديمة عن طريق أحيائها التي يسكنها الفلسطينيون وعن طريق حي رأس العامود الذي يفضي إلى أريحا ومن ثم إلى مناطق أخرى في الضفة.

وهنا يظهر على مسرح الأحداث الصهيوني اليميني إيرفينج موسكوفيتش. وسيتم إنفاق المزيد من ملايين موسكوفيتش، التي يكسبها من المسنين بفلوريدا الذين يقصدون صالات البنغو، على توطين اليهود في قرية رأس العامود الفلسطينية. والآن ومع وشك استئناف المفاوضات، (أو هكذا نسمع)، فإن الحكومة الإسرائيلية الحالية تفعل كل ما بوسعها لاستئصال آخر نقاط الاتصال الموجودة بين القدس والفلسطينيين الذين ينظرون إلى المدينة على أنها القلب الجغرافي والروحي والاقتصادي لهم.

عصام نصار المدير المشارك لمعهد الدراسات المقدسية، والمحرر المشارك لـ "حوليات القدس".

المصطلحات المستخدمة:

الصهيونية, اللد

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات