باستثناء "نخبة أوسلو" (تلك المجموعة من الطبقة الوسطى – العليا التي نشأت في زمن الاعتدال والرخاء النسبي) فإن الفلسطيني العادي غير مبال بهذه الانتخابات. وبينما نجد بالتأكيد أولئك الذين يعربون عن أمنيتهم بفوز العمل، بغض النظر عما سيقدمه، فإن معظم الفلسطينيين لم يهتموا بأمر الانتخابات ولن يعتبروها وسيلة لإحداث أي تغيير أو جلب أي تفاؤل..
بقلم ساري حنفي
يرى المراقب لردود الأفعال على الانتخابات الإسرائيلية المقبلة بوضوح أنه باستثناء "نخبة أوسلو" (تلك المجموعة من الطبقة الوسطى – العليا التي نشأت في زمن الاعتدال والرخاء النسبي) فإن الفلسطيني العادي غير مبال بهذه الانتخابات. وبينما نجد بالتأكيد أولئك الذين يعربون عن أمنيتهم بفوز العمل، بغض النظر عما سيقدمه، فإن معظم الفلسطينيين لم يهتموا بأمر الانتخابات ولن يعتبروها وسيلة لإحداث أي تغيير أو جلب أي تفاؤل.
هناك ثلاثة أمور قد تفسر هذه اللامبالاة. أولا، معظم الفلسطينيين يرون في الميل داخل المؤسسة الإسرائيلية باتجاه اليمين ميلا باتجاه إبقاء احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة. في الوقت نفسه فإن حزب العمل فيما يبدو لا يدرك أن أرئيل شارون ومن هم حوله يطرحون حربا شاملة وأن فرصة العمل الوحيدة للفوز هي في أن يطرح الضدّ الكامل وهو "السلام الشامل".
بالتأكيد فإن هناك مؤشرات على حدوث خلخلة محدودة داخل حزب العمل. ولكن، في الأغلب الأعم، يدير عمرم متسناع مرشح العمل برنامجه على محور "غزة بدون مستوطنات". وليس مستغربا أن هذه الرسالة لم تأسر قلوب الفلسطينيين (ولا حتى قلوب كثير من الإسرائيليين أيضا). لقد مضى متسناع إلى منتصف الطريق فحسب باتجاه إدراك أن إنزال الهزيمة بشارون تعني إعلان السلام الشامل.
وعلى هذا يبدو أن متسناع إنما يدغدغ فقدان الذاكرة العام في إسرائيل، بدلا من أن يغير هذا الوضع. في كلمة له في الناصرة هذا الأسبوع أشار البروفسور آدي أوفير من تل أبيب، إلى ما يسميه هو "الوضعنة"، حيث يصور الإسرائيليون ما يحدث حولهم بترديد القول "الوضع سيء جدا". وهذا يعكس "الذاكرة الإسرائيلية القصيرة المدى" فيما يتعلق بالاحتلال. يفضل الإسرائيليون ألا يتحدثوا عنه، مكتفين بالإشارة إلى آخر تفجير. إنهم، بذلك، يعيشون نزاعا لا تاريخ له.
في مثال آخر، في تشرين الأول/أكتوبر الماضي حشدت حركة السلام الآن جمهورا من عشرات الآلاف في تل أبيب لمسيرة سلام تحت شعار "لنغادر المناطق، ولنكن أنفسنا مرة أخرى". أما الفلسطينيون، كشعب تحت الاحتلال، فلا مكان لهم في هذه التركيبة. وعلى هذا يصح القول إن جوهر الخطاب الإسرائيلي عاد إلى الأيديولوجية الصهيونية الأصلية: انكفاء اليهود على ذواتهم وعلى الأرض في إسرائيل. ويبدو، بالنظر إلى ذلك، أن الفلسطينيين شعروا أننا نجتاز برزخا بين حقبة تأسيس استعمار وحقبة المجتمع الاستعماري (الذي يمثله على الأقل أغلبية في المجتمع الإسرائيلي).
أخيرا، في بداية فترة أوسلو الانتقالية اعتقد الفلسطينيون حقا أن المكاسب القليلة ستزداد ويفضي الأمر إلى مزيد من التنازلات. وقد أدى تبدد هذا التفاؤل إلى إفقاد الفلسطينيين الأمل في قدرة الدينامية الداخلية في إسرائيل على العمل والضغط في سبيل التوصل إلى حل حقيقي. والآن يشعر الفلسطينيون أن الأمل الوحيد معلق بتأثير القوى الخارجية على إسرائيل. خذ الجزائر مثلا. بالنسبة للشعب الفرنسي كانت الجزائر مجرد مشكلة قصيّة، لم تكن تؤثر في مجرى حياتهم. وما غير مجرى الأحداث لصالح تقويض النظام الاستعماري إنما كان الضغط الأميركي على ديغول وليس تذمر الجمهور الفرنسي.
الفلسطينيون يعانون احتلالا حقيقيا جدا وعاديا، ومقاومتهم حقيقية وهي سعي طبيعي نحو إزالة الاستعمار. وما يميز هذا الصراع هو النفاق المطلق الذي نجده عند المجتمع الدولي. نحن ندرك أن هذا ينبعث من الشعور بالذنب ومن تاريخ المحرقة اليهودية، ولكن النتيجة كانت أن المجتمع الدولي يستمر في إلقاء المال على المجتمع الفلسطيني مزودا نخبته بالدعم، ومبقيا المجتمع ككل قادرا فقط على الاستمرار في الحياة بما يكفي لإدامة الاحتلال. لكن ليس بما يكفي للوقوف على قدميه وطرد المستعمر.
ساري حنفي هو مدير مركز "شمل" الفلسطيني للشتات واللاجئين.