المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • مقالات وأراء عربية
  • 1651

إن التحدي الأساسي الذي يواجه القوى الديموقراطية في الدولة غير الديموقراطية هو ممارسة تحدي المواطنة وتعويد الفرد أن يتصرف كمواطن وتعويد القوى السياسية المختلفة أن تتبنى مفهوم المواطنة المتساوية والمساواة أمام القانون.

مع انتشار المنحى الرامي إلى التبشير بالديموقراطية كحالة من الوعظ أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تكثر محاولات البحث عن تعريف للديموقراطية، تعريف مختصر سهل الإرسال والاستقبال بإيقاع وسائل الإعلام، والحقيقة أنه لا يتوفر تعريف قصير من نوع تعليمات الاستخدام التي ترافق الأدوات الكهربائية أو لعب الأطفال لدى شرائها كذلك ليس لأن هنالك أنواعاً من الديموقراطية، ولا لأن الديموقراطية مفهوم وواقع ونظام حكم متطور متبدل متغير تاريخياً، فما نتصوره اليوم تحت مصطلح الديموقراطية هو ليس ما تصوره اليونانيون القدماء. هذه أمور باتت مسلماً بها لا تحتاج إلى طويل برهان. ولا نسوق مثل هذه الأمور المسلم بها للتدليل على عدم إمكانية التعريف بالديموقراطية في شعار تلفزيوني من النوع الذي يستخدم في تسويق بضاعة.
الديموقراطية نظام سياسي اجتماعي ثقافي مركب للغاية ولا يمكن نقله باختصار كما لا جدوى من قصر العمل في سبيله على الدعوة والتبشير. ومع ذلك فإن ترويج الثقافة الديموقراطية هام للغاية. وما يلزم هو ليس تلقين الناس تعريفاً مختصراً للديموقراطية، بل تعريفهم بمقوماتها الضرورية التي لا يمكن إطلاقاً الاستغناء عنها في عملية بناء الديموقراطية مهما تبدل تعريفها؛ ما هي هذه المقومات؟ الفصل بين السلطات، استقلال القضاء، حق الاقتراع العام، حكم الأغلبية بواسطة تمثيل برلماني، مجموعة الحقوق الليبرالية التي باتت شأناً عاماً في الديموقراطيات الليبرالية، الفصل بين الحيز العام والحيز الخاص. . . لا شك أنه اصبح من غير الممكن تخيل ديموقراطية ليبرالية دون هذه المقومات المتطورة بدورها باستمرار عبر تفاعلها في الواقع السياسي والاجتماعي وفي نظرية الديموقراطية.

ولو أردنا أن نمنح الناس مع ذلك فكرة جوهرية ترسي أساس هذه الأفكار لسارع أحدنا الى القول إنها فكرة الحرية، أو حرية الخيار الأخلاقي، أو أوتونوميا الفرد، أو فكرة التنافس..الخ. والحقيقة أنه لا ترجى فائدة مباشرة تذكر للديموقراطية من مناقشة فلسفية لهذه الأفكار المجردة لان العلاقة بينها وبين الفكرة الديموقراطية هي علاقة تتوسطها أعداد لا نهائية من الحلقات الوسطى والاشتقاقات وقد لا يقود تطويرها الفلسفي بالضرورة إلى الديموقراطية كنظام سياسي اجتماعي. الفكرة التي تقف في أساس النظام الديموقراطي كمقوم من مقوماته اشمل وأعم من باقي المقومات هي فكرة وواقع المواطنة.

ليست كل مواطنة ديموقراطية... كما انه ليست كل بضاعة رأس مال، ولكن مفهوم البضاعة هو أساس مفهوم رأس المال في التاريخ وفي البنية، كذلك برأينا فان مفهوم المواطنة هو أساس مفهوم الديموقراطية. وبالإمكان فهم العلاقة الوثيقة والمباشرة بين فكرة المواطنة والديموقراطية كما أنه بالإمكان التعامل بشكل مباشر مع عملية تطور الديموقراطية كتطوير للمواطنة وكتعميم لها في آن معاً.

ان الخلية الأساسية والمكون الأصغر لنظام ديموقراطي الذي يشتمل على عنصر الحياة الdna في جسم الديموقراطية الحي هو المواطنة. ونحن سنحاول في هذه الورقة القصيرة تأسيس الادعاء1) أن فكرة المواطنة وممارستها حتى قبل أن تكون ديموقراطية هي مقدمة النظام الديموقراطي، 2) أنه حتى بعد تأسيس النظام الديموقراطي يبقى في إطاره صراع بين فكرتين للمواطنة، فكرة عضوية تشتق فيها الحقوق من العضوية في المجموع وأخرى ليبرالية تشتق فيها الحقوق بما فيها الجماعية من المواطنة الفردية ذاتها، 3) أن مسألة سياسات الهوية تطورت لان هذا الصراع القائم في الديموقراطيات لم يحسم بعد.

 

لنتذهن النقاش القائم حالياً في النظرية الديموقراطية حول أيهما يسبق الآخر: إقامة النظام الديموقراطي وتعميم حق الاقتراع أم الثقافة الديموقراطية؟ وقد تابعنا جميعاً دون جهد كبير في هذا العصر الذي تصل فيه تجارب الشعوب الأخرى مكررة ومشوهة في آن معاً إلى غرفة النوم، تابعنا كيف تعثرت مسيرة الديموقراطية في بلدان حازت فيها على الأغلبية في انتخابات ديموقراطية قوى غير ديموقراطية، كما تابعنا تجارب أخرى تاريخية تم فيها إقامة النظام الديموقراطي دون انتظار انتشار الثقافة الديموقراطية بالانتقال المباشر من ديكتاتورية فاشية الى ديموقراطية برلمانية في دول أوروبية في منتصف هذا القرن، وشهد التاريخ ثالثاً النموذج الكلاسيكي الذي تطورت فيه الديموقراطية بالتدريج وعمم خلال هذا التطور حق الاقتراع بالتدريج وانتشرت فيه الثقافة الديموقراطية تدريجياً. ويبدو انه لا يمكن تاريخياً العودة على هذا النموذج الأخير فقد انتشر مطلب الديموقراطية وانتشرت إمكانية تخيله شاملا في حالته الجاهزة في كل بقعة من بقاع المعمورة واصبح من غير الممكن ممارسة ديموقراطية مجتزءة بمنح حق الاقتراع لمن لديهم ثقافة ديموقراطية، أو للنخب فقط، لمن لديهم شهادة جامعية تحديداً كما اقترح مؤخراً أحد المثقفين الديموقراطيين البارزين العرب.

هل سنبقى إذاً أسرى دوامة الدجاجة والبيضة في كل ما يتعلق بتطبيق الديموقراطية أو المطالبة بها كنظام حكم في الدول غير الديموقراطية ومنها الدول العربية؟ والإجابة هي نعم ما دمنا لا نفهم أنه لا توجد إمكانية لانتشار الثقافة الديموقراطية واحترام قواعد اللعبة الديموقراطية، ثقافة الحقوق فيما يتعلق بعلاقة الفرد مع الدولة ، مع بقية الأفراد، دون ممارسة. ولكن كيف يمكن أن تكون هنالك ممارسة ديموقراطية قبل إقامة النظام الديموقراطي؟ والجواب مختصر وقاس إلى أبعد الحدود، ولكن لا مفر من مواجهة التحدي الذي يطرحه: لا يمكن ممارسة الديموقراطية قبل قيام النظام الديموقراطي دون تطوير المواطنة. المواطنة حتى قبل تداول السلطة بالانتخاب هي الإمكانية الوحيدة لممارسة سيادة القانون والمساواة أمام القانون ولممارسة حد أدنى من الحقوق أمام تعسف السلطة وللمطالبة بالحقوق السياسية، يتوقع المواطن حقوقا سياسية بحكم هويته هذه أو بحكم كونه دافع ضرائب، ولكن الرعية لا تتوقع حقوقا سياسية، بل تتوقع أن تُعامل بالحسنى أو أن يتم التسامح معها في افضل الحالات.

المواطنة هي القاعدة التي تنطلق منها المطالبة بالديموقراطية ليس بغرض الوصول إلى السلطة فحسب، بل بغرض ممارسة الديموقراطية وتوسيع مفهوم المواطنة ذاته وعبر الديموقراطية أن حكم الأغلبية من خارج منطلق المواطنة ولغرض آخر غير تعميق وتنظيم حقوق المواطن هو في الواقع ديكتاتورية باسم الأغلبية. الديموقراطية ليست حكم الأغلبية ، بل هي حكم ممثلي الأغلبية بموجب القيم الديموقراطية وعلى رأسها المواطنة.

والمواطنة هي الوجه الآخر لسيادة الأمة، ولا تكتمل السيادة القومية دون مواطنة ولا تجد تعبيرها الأكثر أمانة إلا بالديموقراطية. والكيان السياسي الذي ينقسم بين دولة مطلقة ورعايا غير مواطنين بتعريفهم تفصل بينهما هوة مفهومية سحيقة لا يطور جدلية تقود إلى الديموقراطية لأنه لا يشكل وحدة جدلية تتفاعل فيها عناصر مكوّنة لها: فرد ومجتمع ودولة. فقط هذه الوحدة الجدلية هي التي تنبت وتنمي جدلية مواطن- مجتمع مدني- دولة ديموقراطية. الدولة دون مواطن هي دولة لا تجسد فكرة سيادة الشعب. إنها السيادة المطلقة. والرعية المحكومة دون مواطنة لا تجسد فكرة الحقوق ولا تطورها.

المواطنة هي تنظيم محدد جداً للعلاقة بين الفرد والدولة وبين الفرد والمجتمع، أو بقية الأفراد المعرفين كمجتمع gesellschaft أو كجماعة gemeinshaft. ونحن لا نقصد إطلاقاً الفرد بالمفهوم الحديث للفرد الأوتونومي individuum المنفرد في المجتمع مع انحلال الجماعة العضوية. وإنما نقصد الفرد بمعنى الواحد das einzelne.

وقد تترتب حقوق هذا الفرد عن انتسابه لمجموعة بشرية نظمت ذاتها تنظيماً سياسياً بغض النظر عن تسميتها "مجتمع المدينة اليونانية"، " القومية" في عصرنا وغيرها..هذه الحقوق تنجب نوعاُ محدداُ من المواطنة تشتق فيه الحقوق من الانتماء إلى جماعة، أي من الهوية في الواقع. ولم تعرف الديموقراطية الأثينية القديمة حقوق مواطن تشتق من كونه مواطناُ، بل عرفت "حقوق وواجبات" هي قواعد في السلوك ناجمة عن العضوية في الجماعة أو سمها القبلية إن شئت، وبهذا المعنى كانت الديموقراية الأثينية ديموقراطية قبلية إلى حد بعيد.

ولا نجد نصاُ واحداً عند أي مفكر يوناني قديم يتحدث عن الدين كقضية تخص الفرد وحرية اختياره مثلاً، كما لا نجد نصاً واحداً يتحدث عن حقوق الأقليات لأنه لا توجد أقليات أصلاً فمن جماعة تجمعها الهوية، أو ضمن القبلية، ولأن هنالك تناقض بين الحقوق وبين عدم الانتماء للهوية التي تمنح هذه الحقوق.

تجسد المواطنة هنا مجموعة قيم سياسية واجتماعية يمكن تسميتها قيم جماعية communal ، ولا شك أن هذا التأسيس القيمي للمواطنة ما زال قائماً كخيط في تطور الديموقراطيات يصل حاضر الديموقراطية بماضيها. وإلا فمن أين تأتي الثقافة السياسية التي تجعل الدولة ملكاً لجماعة هوية محددة لا ترى فقط أن الدولة هي تجسيد لإرادتها الجماعية، أي لسيادتها، بل والاهم من ذلك أنها ترى أن الفرد المنتمي لهذه الجماعة له حقوق ملكية shares على دولتها أو على ديموقراطيتها، وبهذا المعنى يتم الربط بين الهوية والحقوق- ليس فقط عبر إقصاء من لا ينتمي لهذه الهوية من حقوق الملكية المزعومة التي تمت خصخصتها مثل كل شيء فأصبحت فردية أيضاً وليست جماعية، وإنما أيضاً عبر التأكيد على الهوية والانتماء لهوية محددة كذريعة أو كمبرر للحصول على الحقوق ويتم ذلك عبر التطرف القومي أو الوطني أو الديني أو الكراهية لمن لا ينتمي لهذه الهوية. وفي الدول التي تتمتع فيها الخدمة العسكرية بمكانة هامة من مستوى الهوية يتم التأكيد على المساهمة في الخدمة العسكرية. ولا علاقة لهذه المباحثات إطلاقاً بالعلاقة بين الحقوق والواجبات دائماً هي ممارسة لنوع محدد من سياسات الهوية. تخيلوا حالة يتم فيها التأكيد على ان الديموقراطية هي تجسيد لسيادة جماعة يلتقي فيه تعريفها لذاتها الديني مع الانتماء القومي السياسي، هنا يصبح التدين بحد ذاته تأكيداً على الانتماء لهذه الجماعة التي تشتق منها الحقوق، ويصبح التأكيد عن الرموز الدينية ممارسة وطنيته تزكي صاحبها باسهم في الدولة. وإذا أضفنا أيضا أن غالبية المنتمين لهذا الدين- القومية لا تعيش في الدولة، ومع ذلك فإن الدولة ترى ذاتها كدولتها، وانه تعيش في هذه الدولة جماعة كبيرة نسبياً من السكان الأصليين الذين لا ينتمون إلى هذه القومية –الدين ولا ترى الدولة ذاتها كدولتها، بإمكاننا أن نتخيل ماذا يجري هنا لمفهوم المواطنة في ديموقراطية ليست بحكم تعريفها للمواطنين وإنما للمنتمين لهذا الدين. هنا نقع بألف مشكلة ومشكلة تفرغ المواطنة من المضمون لأنه بمجرد تغيير الدين والانضمام إلى هذه الهوية يصبح أي فرد مؤهلاً للحصول على حقوق تتجاوز حقوق السكان الأصليين. وإذا أضفنا لذلك مثلاً أن هذه الدولة في حالة حرب او صراع عسكري مع جيرانها يصبح التأكيد على الخدمة والقيم المرافقة لها تأكيداُ على الانتماء للهوية ونوع من احتلال الأسهم الإضافية التي تؤهل "لاحتلال حقوق" أكثر.

مقابل هذه النزعة المواطنية المرتبطة بالهوية يمتد خيط تطور آخر ناظم لتاريخ الديموقراطية الليبرالية تشتق فيها الحقوق من مواطنة الفرد ، أي من كونه مواطناً في الدولة. وقد تطور هذا المفهوم مؤخراً إلى درجة اعتبار الهوية والحقوق الجماعية أحد الاشتقاقات الممكنة من حقوق الفرد بدل أن تكون حقوق الفرد مشتقة من هويته.

وبهذا المعنى فإن المواطنة المتساوية هي الناظم الوحيد للعلاقة بين الفرد والدولة وهي بذلك تحيِّد هويات الفرد الدينية أو القومية أو غيرها عن العلاقة بين الفرد والدولة، وفي الوقت ذاته فإنها باتت تفرد للفرد حق الانتماء لجماعة هوية ثقافية أو دينية أو غيره ما دام هذا الانتماء لا يمس بحقوق المواطن كما تعرفها درجة محددة من تطور الديموقراطية الليبرالية .

ولكن كلنا يعلم أن هذا كلام مجرد وان هنالك علاقة بين الانتماء لجماعة بعينها وبين حق الحصول على مواطنة أصلاً. هذا صحيح ويجب أن يكون صحيحاً بالولادة فقط أي عند الولادة في دولة ديموقراطية بعينها أو عبر الانتماء الأسري لأب وأم مواطنين، ولكن يجب ألا يصح هذا الأمر فيما عدا هذه الحالة من الحصول على المواطنة بموجب هذا المفهوم..

هل يعني انه لا توجد بموجب هذا النوع من التفكير علاقة بين الدولة وبين جماعة هوية سياسية، قومية مثلا، بعينها ؟ لا، بل توجد أكثر من علاقة، لأن الدولة القومية هي تاريخياُ تجسيد لسيادة جماعة قومية ساهمت في تشكل الدولة الحديثة وحدودها، وساهمت الدولة الحديثة في تشكلها. ولكن هذا يصح على المستوى الجماعي،ولا يصح إطلاقاًُ على المستوى الفردي. بمعنى أن كون الدولة الديموقراطية أيضاً تجسد تاريخياً حق تقرير المصير لقومية بعينها إلا أن هذا لا يعني أن الأفراد المنتمين لهذه القومية يملكون اسهماً في الدولة كأنها شركة وأنهم بهذا المعنى يحملون حقوق ملكية عليها أكثر من غيرهم من الأفراد لمجرد انهم ولدوا لأهل يحملون هذه الهوية.

ولكن هذا التمييز وحده لا يكفي، فمع ولوج هذا المسار من تطور المواطنة الديموقراطية الفردية يبدأ التمييز بين الأمة nation كجماعة المواطنين في دولة بحيث تصبح الأمة هي الوجه الآخر للمجتمع المدني كممارس للسيادة، وبين الهوية القومية من ناحية أخرى كهوية ثقافية تحافظ على تماسك غالبية المجتمع ولكنها أنهت دورها السياسي في الدولة بعد أن تجسدت كدولة.

الدولة الديموقراطية هي دولة المواطنين ولا يمكن أن تكون دولة دين أو جماعة من المواطنين أو جماعة خارج المواطنين. وصحيح أنه في الدولة الديموقراطية تتنازع مفهوم المواطنة نزعات مختلفة ومتصارعة ولكن في النهاية ينحاز الديموقراطيون لحقوق المواطن.

بموجب هذا التقسيم المفهومي للمواطنة ينجم نمطان من التعامل مع مسألة الهوية : يتعامل النمط الأول مع الهوية كمسألة عضوية وكأساس للمواطنة وبالتالي لقواعد السلوك المسمّاة مجازاً حقوق وواجبات. كما يتعامل مع الدولة كتجسيد تاريخي لهوية بعينها تعيد الدولة إنتاجها وتكتب تاريخها بشكل حصري يجعل تاريخ الجماعات تاريخاً قومياً. أما النمط الثاني الذي يتعامل مع الهوية كقضية تاريخية أو ثقافية يسعى إلى تحييدها عن العلاقة بين الفرد والدولة فإنه يشتق يعتر بالحقوق الفردية فحسب. ولكنه يصل في النهاية في النهاية إلى الاعتراف بحق تشكيل الهوية الجماعية بواسطة الأفراد والاعتراف بحقوق جماعية لهذه الجماعة مشتقة من حقوق الأقراد وغير متعارضة معها. هنا ينشأ خطر آخر لم يكن متوقعاً في الفكر الديموقراطي الليبرالي وهو أن يتم تبني الهوية كأداة في الصراع الاجتماعي الداخلي. هنا تبرز نخب غير ديموقراطية الثقافة والتكوين كممثلة لهويات جزئية داخلية يسعون إلى تمثيلها أو إلى تشكيلها من أجل تمثيلها في الحيز العام.

هنا يحل تمثيل هوية مدعاة مثل الطائفة أو الإقليم أو غيره إلى بديل للكفاءة ويتم من جديد الالتفاف على المواطنة المتساوية من زاوية غير متوقعة تبدو لأول وهلة ديموقراطية. وهذا يطرح تحدياً جديداً لمفهوم المواطنة.

إن التحدي الأساسي الذي يواجه القوى الديموقراطية في الدولة غير الديموقراطية هو ممارسة تحدي المواطنة وتعويد الفرد أن يتصرف كمواطن وتعويد القوى السياسية المختلفة أن تتبنى مفهوم المواطنة المتساوية والمساواة أمام القانون. أنتم تعلمون أنني انتمي إلى الشعب العربي الفلسطيني المحروم من المواطنة لأنه يرزح تحت الاحتلال ويحرم من حق تقرير المصير ومن السيادة ولا يمكن الحديث عن مواطنة في ظل الاحتلال ودون سيادة كاملة، لقد أسلفنا أن المواطنة هي الوجه الآخر للسيادة . كما أنني مواطن في دولة تعتبر الانتماء الديني أو القومي أساس علاقة الفرد بالدولة، إنني، ابن سكان البلاد الاصليين، مواطن في دولة ليست لمواطنيها. ومن هذين السياقين، من هذين الموقعين، من زاويتي النظر هاتين تحدثت إليكم عن المواطنة.

 

كلمة الدكتور عزمي بشارة بمناسبة منحه جائزة ابن رشد للفكر الحر في حفل خاص اقيم في برلين السبت 14/12/2002

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات