المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • المكتبة
  • 1519

 الكتاب: لمن يقدّم المجلس المشورة؟- دعوة لإتباع "نظام جديد" في مكانة مجلس الأمن القومي.
المؤلف: الجنرال (احتياط) أفيعيزر يعاري.
الناشر: مركز يافه للدراسات الإستراتيجية- جامعة تل أبيب، أيلول 2006.
  كتب أنطوان شلحت

 خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان (12 تموز- 14 آب 2006) تركّز قسم من الانتقادات في أداء "مجلس الأمن القومي"، الذي وصفه البعض بأنه أداة اعتراها الصدأ لعدم استعمالها من جانب أولي الأمر.

 وبعد الحرب صدر تقرير خاص لمراقب الدولة الإسرائيلي، القاضي ميخا لندنشتراوس، حول هذا الموضوع حظي باهتمام إعلامي كبير.

 

 

وبالتزامن مع تقرير المراقب صدر عن "مركز يافه للدراسات الإستراتيجية" في جامعة تل أبيب، الذي أصبح مؤخرًا يحمل اسم "معهد دراسات الأمن القومي" في الجامعة نفسها، كتيب حول مجلس الأمن القومي الإسرائيلي من تأليف الجنرال (احتياط) أفيعيزر يعاري، الباحث في المركز، والذي أشغل في السابق عدة مناصب مفتاحية في شعبة الاستخبارات العسكرية للجيش الإسرائيلي (أمان)، كما أشغل منصبي رئيس "كلية الأمن القومي" والمسؤول عن مراقبة جهاز الأمن في مكتب مراقب الدولة.

 

يستعرض الكتيب، بداية، تجارب مجالس الأمن القومي في كل من الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا. ثم يقدّم عرضًا لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي، من حيث أهدافه وتركيبته ومبناه. وأخيرًا يطرح بدائل لمبنى المجلس وأدائه، وهو المحور الذي يتركّز فيه دون سواه.

 

ولغرض إنجاز هذا البحث فقد قابل يعاري، وفقًا لتنويهه، رؤساء مجلس الأمن القومي الإسرائيلي منذ إنشائه في العام 1999 من قبل رئيس الحكومة الإسرائيلي الأسبق، بنيامين نتنياهو.

 

وقد تمحور النقد الصادر عن هؤلاء حول أربع نقاط رئيسة يجملها المؤلف على النحو التالي: انعدام عمل الطاقم المحاذي في مستوى رئيس الحكومة والحكومة عمومًا، انعدام الإعداد اللائق في مكتب رئيس الحكومة قبيل اتخاذ القرارات (الأمنية)، انعدام الهيئة التي تبلور الفوائد المختلفة في المسائل المعروضة للنقاش والإقرار، وأخيرًا انعدام الاهتمام اللائق والتوسل بعمل مجلس الأمن القومي.

 

كما يطرح البحث اقتراحًا بإتباع "نظام جديد" في عمل مجلس الأمن القومي، في صلبه تعزيز مكانة الهيئة الاستشارية للشؤون الأمنية في إسرائيل بواسطة التشريع ضمن تراتبية الحكم القائمة، بما يفضي إلى ارتفاع هذه المكانة في سلم وظائف الحكم.

 

وهو يوضح أن مبنى اتخاذ القرارات الأمنية في قيادة الحكم الإسرائيلي يتكوّن من أربعة مستويات متدرجة. ويقف في المستوى الأعلى سلطةً رئيس الحكومة، صاحب النفوذ الأقوى في عملية اتخاذ القرارات. وهو نفوذ يزداد قوة إذا كان هو نفسه وزير الدفاع أيضًا. وتأتي في المستوى الثاني اللجنة الوزارية للشؤون الأمنية، التي تتحدّد وظيفتها في بلورة مفهوم (نظرية) الأمن والسياسة الأمنية واتخاذ القرارات العملانية الرئيسة. والشخصية المركزية في هذه اللجنة، باستثناء رئيس الحكومة، هي وزير الدفاع. لكن ثمة قيمة أحيانًا كبيرة لوزير المالية ووزير الخارجية ووزير الداخلية ووزير الأمن الداخلي. أما سائر أعضاء اللجنة فهم ينتخبون عادة بحسب اعتبارات رئيس الحكومة، أو بحسب احتياجات الائتلاف الحكومي. أمّا المستوى الثالث فهو من نصيب مكتب رئيس الحكومة. والشخصيات الرئيسة هنا هي رئيس المكتب والمستشار السياسي والمستشار الاقتصادي- الاجتماعي والسكرتير العسكري (أمين السرّ). وهذا الأخير هو الذي يركّز العلاقة مع الجيش وجهاز الأمن.

 

ويأتي مجلس الأمن القومي في المستوى الرابع، الأخير، الأدنى سلطةً. والنظر إلى هذا المجلس تحدّد حتى الآن باعتباره عنصرًا مساعدًا فقط، ليس محاذيًا لمركز اتخاذ القرار. وبالمقارنة مع مكانة مجالس الأمن القومي في دول أخرى فإن الحكم في إسرائيل يستغني عمليًا عن خدمات المجلس في عملية اتخاذ القرارات في مواضيع الأمن القومي.

 

ويؤكد المؤلف أنه خلال سنوات وجود إسرائيل كدولة، بل وحتى قبل ذلك، تطوّرت بعض السيرورات المتعلقة بعمل الحكم وبضمن ذلك مجموعة من طرائق العمل الجماعي. لكن هذه الطرائق ميّزت نشاط الهيئات الخاضعة للحكومة أو لرئيسها ولم تميز قيادة الحكم نفسها، أي الحكومة ومكتب رئيس الحكومة. وهكذا فإن العناصر الأكثر تأثيرًا على اتخاذ القرارات بقيت أساسًا منحصرة في الوزارات والجيش وجهاز الأمن، لأنها الأجهزة الأكثر قوة ونفوذًا في المنظومة العامة.

وفي الواقع فإنه منذ إقامة مجلس الأمن القومي، في العام 1999، تجاهلت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة واجبها المنصوص عليه في القانون المتعلق بهذا المجلس، وهو أن تُشرك مجلس الأمن القومي في عملية اتخاذ القرارات الأمنية، وأن تراه جهة ذات وزن رئيس في مجالات الأمن القومي. وليس هذا فحسب وإنما أيضًا قام رؤساء الحكومات بكل شيء من أجل جعل مجلس الأمن القومي قزمًا، ومن أجل عدم إشراكه في مسارات اتخاذ القرارات الرئيسة التي تتصل بأمن الدولة العام.

لكن هذه الحكومات، بمجرّد تجاهلها مجلس الأمن القومي، جعلت قدرته على الوفاء بغايته كجهة القيادة العليا في الموضوعات الأمنية القومية، إلى جانب رئيس الحكومة واللجنة الوزارية لشؤون الأمن القومي، قدرة عقيمة. وأحد مظاهر ذلك مبتذل جدا، فمكاتب مجلس الأمن القومي أُقيمت في رمات هشارون، بعيدا عن نظر رئيس الحكومة.

هذه الكشوف الشديدة وغيرها لا ترد في كتيب يعاري فحسب، وإنما جرى التطرّق إليها أيضًا لكن بحدّة أكبر في ما اعتبرته جهات سياسية وأمنية عديدة "تقريرًا خطيرًا" لمراقب الدولة الإسرائيلي، ميخا لندنشتراوس، صدر أخيرًا في مسألة مجلس الأمن القومي.

ويجزم المراقب بأن "كشوف التقرير تثير قلقا في شأن نوعية مسارات اتخاذ القرارات في موضوعات الأمن القومي". ويُبين أنه منذ إقامته "لم يُشرك مجلس الأمن القومي مرات كثيرة، وعلى نحو مقصود ومخطط له، في إعداد عمل هيئة قيادة كأساس لاتخاذ القرارات في موضوعات الأمن القومي".

عملية اتخاذ القرارات... فوضوية

 يطرح المراقب أساس المسؤولية عن هذا الوضع، الذي يصفه بأنه شائه ويستدعي التصحيح العاجل، على عاتق رؤساء الحكومة إيهود باراك وأريئيل شارون وإيهود أولمرت، على رغم أن نصيب الأخير من مدة النقد يصل إلى شهور معدودة فقط.

ويضيف المراقب قائلا: "مجلس الأمن القومي يصعب عليه أن يؤثّر، بل يجري أحيانا تعويق قدرته في الواقع على الاتصال بهذه الموضوعات، التي "تُنقل" على نحو عام على يدي واحدة من جهات هيئة القيادة الأخرى في جهاز الأمن، التي تملك رؤية "قطاعية" بسبب خضوعها لجهات أخرى في جهاز الأمن".

ويحذر المراقب من أنه نشأ وضع غير سويّ من "غياب عمل موضوعي يُعرض فيه اختلاف للآراء والمواقف لهيئة قيادة من أجل الحكومة ورئيس الحكومة".

ويشير المراقب إلى سلسلة من الموضوعات الأمنية من الطراز الأول التي لم يتمّ إشراك مجلس الأمن القومي فيها البتة، منها الانسحاب الأحادي الجانب من لبنان العام 2000، وإدارة الأزمة مع الولايات المتحدة بسبب بيع الصين منظومات سلاح، ومشروعات أمنية واسعة النطاق ذات أهمية قومية، وخطة الانفصال عن قطاع غزة وبعض أجزاء من شمال الضفة الغربية وموازنة الأمن. ويوجّه المراقب نقدا لاذعا إلى أنه في هذه الموضوعات "تم منع التعبير عن اختلاف الآراء وإمكانات العمل على جميع جوانبها ومعانيها، وهو شيء قد يُخل بالقرارات المتخذة".

كذلك يحذر المراقب من أن تجاهل متخذي القرارات الأمنية لمجلس الأمن القومي، يُحدث عملية اتخاذ قرارات فوضوية وإشكالية: "إن جزءا ملحوظا من النقاشات الأمنية - السياسية التي تتمّ برئاسة رئيس الحكومة تجري بلا عمل هيئة قيادة مسبق لمجلس الأمن القومي، بل من غير مشاركة مفوضيه. في العادة لا يُستدعى رئيس مجلس الأمن القومي، الذي يعمل أيضا مستشارا لرئيس الحكومة في الأمن القومي، للمشاركة في نقاشات سابقة وفي مشاورات عند رئيس الحكومة، يشترك فيها عدد ضئيل من المستشارين المقربين وجهات أخرى". وإلى ذلك أيضا: "رئيس مجلس الأمن القومي لا يُدعى إلى حلقة لجنة رؤساء الخدمات السرية على نحو منظم معين".

على أثر ذلك فإن قدرة مجلس الأمن القومي على التوصل إلى "رؤية منظومية واسعة شاملة" هي قدرة محدودة، وهذا أمر يسبّب "تعويقا راسخا لمجلس الأمن القومي وإضرارا بقدرته على الوفاء بغايته كجهة هيئة قيادة عليا في موضوعات الأمن القومي". وكذلك وجد المراقب أنه "في الواقع لم يُعط منصب مستشار الأمن القومي مضمونا حقيقيا".

ووجد المراقب أنّ من حلّ محلّ مجلس الأمن القومي، كجهة مؤثرة في عمليات اتخاذ القرارات، هو الجيش الإسرائيلي وجهات أخرى في جهاز الأمن. ويذكر المراقب أن جهات الجيش الإسرائيلي يراها متخذو القرارات الجهة المتخصصة الوحيدة، بينما من الملائم أن يمتلك متخذو القرارات أدوات للفحص المتخصص والحيادي للخطط والمواقف.

يقرر المراقب أن جزءا من أعمال مجلس الأمن القومي يقوم بها في الواقع السكرتير العسكري لرئيس الحكومة، الذي هو في الأصل ممثل رئيس هيئة الأركان العامة في ديوان رئيس الحكومة. ويكتب في هذا الصدد ما يلي "في واقع الأمر يسيطر السكرتير العسكري بأكبر قدر على برنامج العمل السياسي - الأمني لرئيس الحكومة وتنحصر في يديه قوة عظيمة التأثير".

كذلك يمكن من نقد المراقب الاستدلال على أنه منذ إقامة مجلس الأمن القومي تميّز بانعدام استقرار ولاية رؤسائه، فكل واحد منهم تولى في المعدل لمدة عام ونصف العام. وكانت هناك مدد عمل فيها رئيس المجلس أيضًا في مكان آخر. والحديث هو على التوالي عن دافيد عبري، وإفرايم هليفي، وعوزي ديان، وغيورا آيلاند، وإيلان مزراحي، المستشار الحالي للأمن القومي. وهذه الحقيقة تؤثر في "القدرة على حيازة التخصص وفي ماهية أداء العمل وصورته".

ويلخص المراقب ويقرر أنه "توجد لعمل هيئة القيادة المتخصصة الشاملة وبعيدة الأمد من أجل رئيس الحكومة أهمية كبيرة عندما يتم الحديث عن مجال الأمن القومي. غير أنّ رؤساء الحكومات على اختلاف أجيالهم آثروا وجود حلقة داخلية لاتخاذ القرارات، على وجود جهة خاصة تكون مسؤولة عن عمل هيئة قيادة منظم من أجل اتخاذ القرارات... ومن هنا ثمة مسّ بنوعية عمليات اتخاذ القرارات في هذا المجال الحيوي من الأمن القومي".

ويوصي المراقب بتحسين عمليات اتخاذ القرارات في موضوع الأمن القومي تحسينا كبيرا بتعزيز كبير لمجلس الأمن القومي، وذلك بتقريبه من ديوان رئيس الحكومة، وتدعيم مكانة رئيس مجلس الأمن القومي في إطار المستشارين المقربين من رئيس الحكومة وبقرب مباشر من رئيس الحكومة بسبب كونه مستشار الأمن القومي وبناء قاعدة لمشاركة مجلس الأمن القومي في جميع أجهزة اتخاذ القرارات في المستوى الأعلى في موضوعات الأمن القومي. ويطرح المراقب على رئيس الحكومة مسؤولية شخصية، "بمجرّد كونه في رأس هرم متخذي القرارات"، في أن يتخذ ما من شأنه تصحيح الاختلالات التي كشف عنها التقرير.

يذكر أنه في موازاة نشر تقرير المراقب ذكرت جهات مقربة من رئيس الحكومة، على نحو غير رسمي، أن إيهود أولمرت بدأ أخيرًا يدعو رئيس مجلس الأمن القومي، إيلان مزراحي، إلى الجلسات والنقاشات، لكنه أخضعه "فقط" لرئيس طاقمه، الدكتور يورام طوربوفيتش، ولم يُخضعه له مباشرة.

كما أقرّ الجنرال (احتياط) غيورا آيلاند، الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي، أنه توجد اختلالات في نظام العلاقات بين مجلس الأمن القومي ورئيس الحكومة، وذلك عند ظهوره في مؤتمر أكاديمي لمعهد "ريئوت"، قبل بضعة أيام من نشر التقرير. وقال آيلاند إن "هيئة قيادة رئيس الحكومة مؤلفة من جزأين، كل واحد مُعوّق، وهما لا يكملان بعضهما بعضا معا، بل يشوّش أحدهما على الآخر. فمن جهة توجد جماعة من مساعدي رئيس الحكومة، وهم أناس أخيار ومخلصون وذوو علاقات حسنة برئيس الحكومة، يشاركون بقدر كبير جدا في الأفكار والأسرار، لكن كل واحد منهم هو شخص واحد. ولا يستطيع الشخص الواحد بمفرده ابتداع أفكار. ومقداره أن يكون في مستوى اذهب وأحضر شيئًا لرب العمل. ومن جهة ثانية، على حدة تامة، هناك مجلس الأمن القومي، الذي تعتبر مزاياه ونقائصه معاكسة. فهو يملك العمق، على الأقل بمفهوم عدد الأشخاص والقدرة على إنجاز أمور على نحو أكثر أساسية. لكنه غير قريب من رئيس الحكومة".

أمّا الجنرال (احتياط) عوزي ديان، الذي كان هو أيضا رئيسًا لمجلس الأمن القومي في الماضي، فقال إن مجلس الأمن القومي هو أداة (أمنية) مهمة وضرورية، لكنها لمزيد الأسف "باتت صدئة" بسبب عدم استعمال رؤساء الحكومة إياها على مدار سنوات وجودها.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات