المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

شاركت في ندوة "استراتيجية التواصل مع عرب 48" في القاهرة (26-27 نيسان/أبريل 2004). دعيت إلى الندوة بصفة شخصية لالقاء محاضرة بعنوان "سياسة الاراضي والتخطيط في اسرائيل وأثرها على الاقلية الفلسطينية". رأيت الدور الفاعل والمسؤول لممثلي حركاتنا السياسية المختلفة في هذه الندوة. قبل الندوة حاول البعض إثارة النقاش حول المشاركة وهذا طبعا مشروع وآخرون عارضوها.

بودي تسجيل الملاحظات التالية:

اولا، ان التواصل مع عالمنا العربي هو واجب. وعندما نقول التواصل، همنا بالأساس هو التواصل مع الشعوب وليس الانظمة. لم نربط خيولا في القاهرة ولم نركبها. نعلم ان الانظمة العربية بغالبيتها دكتاتورية، هذا الامر لم يغب عن بال ممثلي حركاتنا السياسية الذين دعوا الى "المصالحة التاريخية بين الانظمة والشعوب" والى المزيد من "الحرية واشاعة الدمقراطية" في البلدان العربية.

ندوة التواصل لم تطرح قضايا الجماهير العربية بمفهوم اننا بحاجة الى نصائح لحل مشاكلنا، وانما بالتعرف اكثر على هذه المشاكل وتبادل وجهات النظر حولها. وهذا امر طبيعي وعادي جدا. المؤتمر الصهيوني العالمي يجمع ممثلي التنظيمات والجمعيات اليهودية والصهيونية من جميع انحاء العالم سنويا، ونراه امرا شرعيا ونغطي اخباره في صحفنا العربية. لكن ان تقوم الجامعة العربية بدعوة لندوة سياسية - اكاديمية بمشاركة ممثلي الحركات السياسية الفاعلة في الساحة العربية فهو امر غير شرعي. نعم نفهم خصوصيتنا النابعة من مواطنتنا الاسرائيلية (الامر الذي انعكس في البيان الختامي المسؤول في نهاية الندوة)، لكن يجب ان لا نغوص بهذه الأسرلة حتى اذنينا. فنحن عرب اقحاح نعتز بحضارتنا العربية وموروثنا الثقافي.

المركب القومي والوطني في هويتنا ليس اقل اهمية من كوننا مواطنين في دولة اسرائيل.
كنا هناك واستمعنا الى الامين العام للجامعة العربية، السيد عمرو موسى والى مساعده، السفير سعيد كمال، كذلك الى المستشار د. اسامة الباز، استمعنا الى موقفهم المسؤول والذي انعكس ايضا في ملاحظات السفير سعيد كمال الختامية حيث قال "لقد ظهرت جليا خصوصية النضال السياسي والوطني والمدني لابناء الجماهير العربية الفلسطينية في اسرائيل بكونهم مواطنين في اسرائيل يكافحون في سبيل المساواة الكاملة في الحقوق مع بقية المواطنين ويلعبون دورا هاما في دفع عملية السلام من خلال موقعهم بالتعاون مع قوى السلام في اسرائيل من خلال حيز العمل السياسي فيها بوصفه ساحة نضالهم المركزية". تصريحات واضحة جدا لا حاجة للتعليق عليها.

اما الادعاء بأن ندوة كهذه تزيد من تحريض القوى اليمينية ضد الجماهير العربية في البلاد فهذا ادعاء باطل. اذا كان الامر كذلك فيجب ان نخلد الى الراحة في بيوتنا وان لا نثير موضوع السلاح الذري الاسرائيلي مثلا او التظاهر ضد استمرار بناء الجدار الفاصل. فهذا الامر يغضب اليمين وشارون وحكومته.

بشكل عام، السياسة العربية المحلية لا تحسن المبادرة، فهي غالبا سياسة رد فعل متأخر على ما يجري في الساحة السياسية الاسرائيلية. باعتقادي ان ندوة "استراتيجية التواصل" هي من افضل المبادرات التي جرت في حياة الجماهير العربية في البلاد. لأول مرة يتم تواصل رسمي مع الجامعة العربية، السقف الاعلى للعالم العربي، منذ العام 1946.


هل يزعج البعض فتح الجامعات المصرية او غيرها مثلا امام الطلاب العرب من اسرائيل؟ هل لأن هذه الدول دكتاتورية؟ لماذا لم نر بعض هؤلاء منزعجين عندما اكلوا على موائد بعض هذه الانظمة؟ ام ان الطعام الملكي او الجمهوري شهي ودراسة طلاب عرب في جامعات عربية امر غير شرعي؟

برأيي كان بالامكان ترتيب الوفد بشكل افضل، وكان بالامكان توسيعه. لكن لا يستطيع احد انتزاع الشرعية عن المشاركين. لقد شارك في الندوة جميع ممثلي التيارات والاحزاب السياسية ولم يقاطعه احد كما نشر سابقا. شارك بعض الاكاديميين وطرحوا تصوراتهم في مواضيع مختلفة. مع ان هذا الامر لم يرق للبعض الذي تعودوا على احصاء الاكاديميين والاعتراف بهم عن طريق ولائهم لتيار سياسي معين وان "يتكلموا بلغة اكاديمية". عند هؤلاء شرعيتنا الاكاديمية ليست بدراستنا او ابحاثنا وانما مستمدة من موقفنا السياسي وتمر عبر مكاتبهم.

عتبي هو على بعض اصدقائي الشيوعيين والجبهويين الذين لم يروا اهمية الندوة وما انبثق عنها. ان احد اهم انجازات هذه الندوة هو بيانها الختامي المسؤول الذي يتحدث عن خصوصيتنا كأقلية قومية، تصورنا لحل القضية الفلسطينية وتحليلنا للخارطة السياسية الاسرائيلية. الساحة العربية الواسعة هي ساحة مهمة جدا، هي ملكنا جميعا. كان من المهم ان يُسمع هناك صوت مسؤول وعقلاني ممثل للجماهير العربية، هكذا كان صوت النائبين عن الجبهة محمد بركة واحمد طيبي، في الندوة وفي عشرات المقابلات الصحفية والتلفزيونية، صوت غير مغال اسرائيليا او عربيا.

هناك من يريد ان يقاطع كل شيء عربيا وهناك من يريد ان يستمر في الصراخ والبكاء على الذين يحجون الى الدول والفضائيات العربية ويتكلمون باسمنا ولا يمثلوننا فأنا لست من هؤلاء ولا تكونوا منهم.

(*) محاضر في جامعة "بن غوريون" في بئر السبع

المصطلحات المستخدمة:

دولة اسرائيل, دورا

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات