المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

من الصعب أن نجد في المجتمع العربي في دولة اسرائيل جمعية أهلية تطوّر عملها (واجبها) الى مجال الدعم النقابي الذي يساهم في تنظيم ومأسسة قوى اجتماعية عمّالية محددة. ففي الغالب يسود نمط النشاط الفوقي وليس ذلك المتدخّل والمساهم (العضوي بلغة أنطونيو غرامشي)، الهادف لإشراك الجمهور المعين في صياغة مطالبه واستعمال الطاقات الكامنة فيه وإعطائه دورًا مركزياً في الريادة. ربما يعود الامر الى طغيان الطابع المكتبي على الجمعيات، وليس النشاط متعدد الأبعاد الذي "يذهب" الى الجمهور حيث هو، في قريته وحارته ومكان عمله.

هشام نفاع

من الصعب أن نجد في المجتمع العربي في دولة اسرائيل جمعية أهلية تطوّر عملها (واجبها) الى مجال الدعم النقابي الذي يساهم في تنظيم ومأسسة قوى اجتماعية عمّالية محددة. ففي الغالب يسود نمط النشاط الفوقي وليس ذلك المتدخّل والمساهم (العضوي بلغة أنطونيو غرامشي)، الهادف لإشراك الجمهور المعين في صياغة مطالبه واستعمال الطاقات الكامنة فيه وإعطائه دورًا مركزياً في الريادة. ربما يعود الامر الى طغيان الطابع المكتبي على الجمعيات، وليس النشاط متعدد الأبعاد الذي "يذهب" الى الجمهور حيث هو، في قريته وحارته ومكان عمله.

إن مسألة الابتعاد عن العمل الجماهيري، المستند الى الموروث التاريخي الغني لتجارب التنظيم المهني النقابي، باتت سائدة، وليس لدينا هنا فقط. ربما لأن أشكالا جديدة من العمل الجماهيري هي التي بدأت تطغى. في العادة يسمونه "المجتمع المدني"، الذي يعني بمفهومه الذائع إقامة مؤسسات وظائفية ضيقة تحدد الأولويات الجماهيرية دون العودة على الدوام الى الجمهور المعني أو إشراكه الفعلي. والمفارقة أن فكرة المجتمع المدني هي يسارية الجذور وجاءت كمساهمة جدية لتعميق الدمقراطية والحد من طغيان مؤسسة الدولة. في الوقت نفسه كانت تمرداً على أرثوذكسيات ظهرت باسم اليسار، والماركسي تحديدًا. لكن ما يراه الواحد في الممارسة يثير أكثر من علامة سؤال. لأن الحصيلة الماثلة أمامنا تجسد وضعا يتعمق فيه انفكاك الروابط بين شرائح المجتمع الذي يمر عملية تشبه التذرير. طبعًا هناك من يذهب الى ما هو أحدّ من ذلك ليقول إن ما يجري في الكفاحات الجماهيرية هو خصخصة لها، وهذا نقاش طويل.

لو ربطنا هذا بالنضال النسوي لازداد وضوحًا وحدة. فالنقاشات كثيرة بين التيارات النسوية التي تجمع طيفًا واسعا من الرؤى. واذا كان الطرح الليبرالي الفرداني يحتل مساحة واسعة فلا زال بالامكان رؤية تجارب مختلفة. وهذه تحاول الجمع بين تمكين وتعزيز النساء ليس كفرد فقط، وليس كنوع اجتماعي فحسب، بل أيضا كمجموعات نساء فيها اختلافات من حيث المكانة الاقتصادية، والطبقية عامة.

فيما يلي تجربة يمكن اعتبارها مختلفة. أورد ملخّصها كنموذج لأنها تشير الى أفق يمكن طرقه والاستفادة منه.

فجمعية "كيان"- تنظيم نسوي أقامته نساء عربيات منذ سنوات وينشط من حيفا، بادرت الى مشروع جماهيري يهدف الى تنظيم الحاضنات في المجال الأسري تحت اطار نقابي عمالي قطري. وستكون هذه النقابة هي الأولى من نوعها لهذا القطاع في البلاد، وقد تشكل النواة الأولى لاقامة نقابة مهنية قطرية لهذه الشريحة.

في يوم دراسي للحاضنات انعقد هذا الشهر في قرية يافة الناصرة في الجليل، شاركت أكثر من 400 حاضنة وعدد من المركزات. وقد تابع هذا المؤتمر قرارات سابقة بشأن اقامة النقابة وتحسين المكانة الاجتماعية الاقتصادية للحاضنات عبر تنظيم مطالبهن والعمل على تشريع قانون في البرلمان الاسرائيلي يقر فصل حساب مستحقات ورواتب الحاضنات عن حسابات السلطات المحلية. فاليوم تدفع الحاضنات ثمن الضائقة مرتين، مرة عبر وضعهن الصعب أصلا ومرة بسبب وضع البلديات والمجالس المحلية الذي يؤخّر ويصعّب تحسين ظروف ومردود عملهن.

فكرة المشروع، الذي نادرًا ما تقوم به الجمعيات الاهلية العربية في اسرائيل على اختلافها، انطلقت بعد أن اتضح من خلال العمل في مجموعات التـمكين النسوي وبعد اجراء مسح أولي، أن معاناة الحاضنات جراء عدم دفع اجورهن لا تقتصر على بلدة أو منطقة واحدة بل انها مشكلة قطرية تحتاج الى حلول جذرية وتغيير في سياسة الدولة نحوها، خاصة أن المحاولات التي قامت بها الحاضنات بشكل فردي أو جماعي لم تنجح في أغلب الأحيان أو انها حققت حلولا مؤقتة فقط.

عدد الحاضنات الأسريات قطرياً (يهوديات وعربيات ) يبلغ 2300 حاضنة من بينهن 1300 حاضنة عربية. وتقول مركزة المشروع تغريد الاحمد: هذه الخطوة النقابية غير مسبوقة، هي الاولى من نوعها ليس فقط بالنسبة للحاضنات، بل بالنسبة لمساهمة المؤسسات النسوية في المبادرة الى التنظيم النقابي لعدد من الشرائح النسائية. ونحن لدينا استراتيجية متكاملة حول المسألة، لن تقتصر على تنظيم الحاضنات بل نفكر بتوسيع ونقل التجربة الى شرائح نسائية عمالية أخرى، مثل تنظيم السكرتيرات أو العاملات في فروع معينة.

عضوة السكرتاريا آمنة خلف تحدثت في المؤتمر باسم زميلاتها الحاضنات، ومما قالته: انه ليوم عظيم للحاضنات اللاتي انتظرن هذا الانجاز بفارغ الصبر. وقد جاء بعد معاناة وكفاح وعمل جماعي لنيل حقوقنا. واضافت: هذا الحشد النسائي لا بد أن يخرج بشيء، وكلمتنا الموحدة ستكون مسموعة، ففي الاتحاد قوة لنيل المطالب.

أما المطالب الاساسية لهذا القطاع العمالي النسائي فهي كالتالي: مساواة استراحات الاعياد للعربيات باليهوديات، تخفيض ساعات العمل بحيث تتوافق مع المعدل القانوني اذ ان الحاضنات يعملن 9 ساعات خلافا لكافة القطاعات وبما يتناقض مع المتعارف عليه دوليًا، فصل حساب الحاضنات عن السلطات المحلية، تخفيض اشتراك الاهالي في دفع الرسوم وزيادة الميزانيات الحكومية، وتحديد مكانة الحاضنات النقابية والقانونية.

عضو البرلمان عصام مخول، الأمين العام للحزب الشيوعي، الذي قدم اقتراح القانون لصالح الحاضنات قال في كلمته خلال اليوم الدراسي: عندما أنظر الى هذا الحشد القوي من مئات الحاضنات اللواتي اجتمعن اليوم لهذا المؤتمر الهام، أعرف أن عهدًا قد انقضى كانت فيه الحاضنة فردًا معزولا تقف وحيدة لا حول لها ولا قوة أمام الأجهزة الرسمية ممثلة بوزارة العمل والسلطة المحلية من جهة، وأمام الأهالي ومتطلبات أطفالهن من الجهة الاخرى. واليوم تنطلق الحاضنات نحو مرحلة جديدة تنقلهن في اطارها من وضع كن فيه قطاعا منسيا لا يلفت نظر أحد، الى وضع أصبحن فيه قوة منظمة لا يمكن تجاهلها ولا الاستهانة بمطالبها في السلطتين المركزية والمحلية. وهي قوة من حقها أن تضع قضايا الحاضنات وحفظ حقوقهن في صلب الأجندة الجماهيرية.

مخول يرى أن عقلية " لوم الضحية الاجتماعية" أصبحت جزءًا عضويا في الفكر الاجتماعي الخطير الذي يسود اسرائيل. وفي هذا الاطار يجري توجيه الملامة ودحرجة المسؤولية على الحاضنات، والعاملات عامة، ازاء الصعوبات التي تواجههن في مكان العمل لتتنصل السلطات المسؤولة من مسؤوليتها عن معاناتهن.

سبق هذا اللقاء الكثير من العمل، السبيل الوحيد لإجراء التغيير. فالكلام وحده لا يكفي طبعاً سواء كان ذلك في الجمعيات أو غيرها.. هناك الممارسة التي يجب أن تكون الترجمة والامتحان لأية فكرة أو رؤية. فبعد اجراء بحث أولي ميداني لفحص مدى أبعاد المشكله وعمقها، أقيم يوم دراسي للمركزات - العاملات الاجتماعيات اللواتي يركزن عمل الحاضنات في (12|2002) وتقرر فيه فحص امكانية فصل حساب مستحقات الحاضنات عن حسابات السلطات المحلية. وتنفيذا لذلك تقرر تشكيل نقابة مهنية ترعى شؤون الحاضنات وتسعى الى تحصيل حقوقهن.

بعد ذلك عقد لقاء للحاضنات ضم مندوبات عنهن من مختلف القرى والمدن العربية في منطقة الشمال والمثلث الشمالي (3|2003) وحضرته 160 حاضنة، وتقرر التحضير للقاء قطري تتم دعوة الحاضنات اليه من جميع البلدات العربية ليتحول الى مؤتمر سنوي دوري. وانتخبت "لجنة قطرية" للحاضنات هي بمثابة الهيئة العليا للتنظيم وتضم 60 حاضنة.

في (4|2003) انتُخبت سكرتاريا مكونة من 20 حاضنة وهي تعمل في إطار لجنة النقابة المهنية، ولجنة لشؤون العمل على تمرير اقتراح القانون.

في تلخيص المنظمات لليوم الدراسي جاء: لقد كان للحاضنات دور أساسي في بناء وانجاح هذا اللقاء، وكجزء من عملية التدعيم وكخطوة اولى لنقل المسؤولية من "كيان" الى الحاضنات أنفسهن. فهذا الحدث يسجّل كذي أهمية على المستوى القطري نحو بناء وتعزيز الاطر العمالية النقابية للنساء العاملات.

ربما لا يزال من الصحيح القول: يا عاملات العالم إتحدن!

المصطلحات المستخدمة:

دولة اسرائيل

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات